الأحد:22. 01. 2006
خليل علي حيدر
أحدث نجاح الإخوان المسلمين البرلماني في مصر، في أشرس انتخابات شهدتها مصر منذ ثورة ،1952 زوبعة سياسية وفكرية كبرى ستتدافع أمواجها ورياحها في مصر والمنطقة العربية لعدة أشهر قادمةmiddot; الصحافيون الذين قابلوا مرشد الإخوان خرجوا بانطباعات مختلفة، وهذا متوقع لكثرة ما في جعبة هذه الجماعة من تصريحات ومصطلحات وقدرة فذة على الجمع بين المتناقضات والأضدادmiddot; وقد رأينا عام 1990 كيف انقسمت اجتهادات ''الإخوان'' في مصر والأردن ودول الخليج حول كارثة الغزو، وكيف تكرر المشهد عام 2003 في حرب العراق، حيث عارضت الحركة في مصر تلك الحرب، ووقف ''الإخوان'' الأردنيون مع صدام، وعارضوا بشدة أي تفاهم مع النظام العراقي الجديد، فيما انخرط ''الإخوان'' العراقيون في العمل السياسي والانتخابات، بل ولعبوا دوراً إيجابياً نشطاً في هذا المجال رغم كل التهديداتmiddot; أحد الصحافيين المصريين الذين قابلوا المرشد كتب أنه''على الرغم من عمق ثقافة المرشد وخطابه الصارم غير المراوغ الذي يناهض الاستبداد ولا يراهن على الغير، أي الصفقات مع السلطة أو الدعم الخارجي استناداً إلى قواعد حقيقية له في الشارع، فإنني ومع نهاية اللقاء لم تتبدد مخاوفي من الدولة الدينية، ولم أتأثر بكلامه حول احترام الآخر، لأنه وضعه في سياق ثيوقراطي حاد، جعلني أخشى على نفسي كمدافع عن مدنية الدولة من حكم ''الإخوان''middot;
المفكر البارز هاشم صالح كتب بأن ''الإخوان يقطفون الآن ثمار الفشل الذريع الذي منيت به الحركات الأيديولوجية السابقةmiddot;middot;middot; ولكني أعتقد أن مرحلة ازدهار شعبيتهم لن تدوم إلى الأبدmiddot; فـ''الإخوان المسلمون'' إذا لم يقوموا بالإصلاح الديني، لن يستطيعوا تقديم أي مشروع، ولهذا السبب فسوف يصطدمون بكل القوى الطامحة إلى الحداثة والحرية على المستوى الداخليmiddot; كما وسيصطدمون بقوى العولمة الكونية''middot;
أما عن السؤال: لماذا تتحمس أميركا لمشاركة الحركات الإسلامية في حكم مصر وغيرها، حيث صرحت اليزابيث تشيني، كبيرة نواب وزارة الخارجية في 14-4-2005 أنها ''لا تستبعد فتح حوار مع أي فصيل سياسي إسلامي ما دام نشاطهم لا يتعارض مع المبادئ الأميركية الأساسية؟''middot; فيجيب صالح:''لكي يضرب الغرب الأوروبي- الأميركي عصفورين أو ثلاثة بحجر واحد، الأول هو تحجيم تيار بن لادن الذي يعتبر أكثر تطرفاً منهم وإن كان من نفس المعدنmiddot; والثاني هو إجبارهم على تجديد الفقه الإسلامي وكيفية فهمهم للدين عن طريق الاحتكاك بضراوة الواقع وتحمل المسؤوليةmiddot; والثالث هو توسيع القاعدة الشعبية للأنظمة الحالية التي تقلصت قاعدتها بسبب الفساد إلى حد مخيف''middot;
ويستعرض دmiddot; شاكر النابلسي، عوامل نجاح ''الإخوان''، فلا يراه في البرنامج السياسي والاقتصادي الذي قدمه ''الإخوان''، ''وإنما نتيجة عدم قيام الحزب الوطني الحاكم بواجب التثقيف ''الجماهيري الديمقراطي والحداثي'' من خلال وسائل الإعلام، وترك الشارع لحركة ''الإخوان'' التي استغلت هذا الفراغ، وشحنته بخطابها ''العام الغامض وغير الواقعي، الذي يتلخص بأن الإسلام هو الحل، من دون أن نعرف كيف سيتم ذلك''middot;
ويرى عادل درويش أن حكومة الحزب الوطني قد ارتكبت في التسعينيات، 1990 وما بعدها، خطأ فادحاً بتقديم التنازلات للجماعات الإرهابية المتسألمة، ''بفرض رقابة على الفنون والتلفزيون والفكر تماشياً مع مطالبهم بـ''أسلمة'' المجتمع، خشية اتهامها- أي اتهام السلطة- بمعاداة الدين، أثناء معركة الأمن مع الجماعات الإرهابية، فمهد خطأ الحكومة الأرض للإخوان ورفع رموزهم ودعاتهم إلى مستوى لم يكونوا يحلمون به''middot; وعن أسباب صعود الإخوان يقول الكاتب المصري عماد جاد إن حركة الإخوان حركة اجتماعية واصلت العمل في الشارع ومع الجماهير، وكانت أسبق من الحكومة في الوصول إلى البسطاء وقدمت لهم خدمات بأسعار زهيدة وتولت أداء الوظائف الاجتماعية للدولةmiddot; ومع ذلك لابد أن يدرك الجميع أن نسبة المشاركة في مرحلتي الانتخابات راوحت بين 4 و25% فقط، وهناك من حصل على المقعد بأقل من 3 آلاف صوت في لجنة تضم عشرات الآلاف''middot; ولكن لماذا لم يصوت معظم المصريين؟ ولماذا اشترك الإخوان بكثافة؟ ''هناك أسباب تاريخية لعزوف المصريين عن التصويت منذ ثورة ،1952 منها جداول الانتخابات المتخمة بالأخطاءmiddot; لكن ذلك لا ينطبق على الإخوان، فهذه الجماعة الأيديولوجية حشدت كل قواها، وذهب إلى الانتخابات كل مؤيديهاmiddot; وفي هذه الانتخابات، غابت- ترشيحاً وانتخاباً- قوى عدة في المجتمع المصري هي بالأساس القوى الديمقراطية والليبرالية والعلمانيةmiddot; فهذه الشرائح التي حرمتها حكومات ''الحزب الوطني'' من أن تكون لها أحزاب سياسية حقيقية، لم تجد من يمثلها، بعدما نفرت من الحزب الذي أخذ من الديمقراطية كل ما هو شكليmiddot; وغالب الظن أن النسبة الأكبر من هذه الشرائح لم تشارك في الانتخابات الأخيرة''middot; ولهذا يختتم جاد مقاله بالمطالبة بإعادة النظر في تشكيل لجنة شؤون الأحزاب، والسماح بتشكيل أحزاب مصرية جديدة، كبديل لـ''الأحزاب الورقية الحالية''middot;
ويتحدث كثير من المراقبين عن مخاوف الأقباط من هيمنة الجو الديني المتزمت على الحياة السياسية والاجتماعية بصعود الإخوان، وللأقباط مثل غيرهم مخاوفهم من إحياء الميليشيات السرية المسلحة للإخوانmiddot; ويقول الكاتب المصري المسيحي ميلاد حنا: ''تفاصيل السياسات التي سيتبناها الإخوان في علم الله، ولكن انظروا حولكم لدراسة ما جرى في دول أخرى صارت تُحكم كدول ''إسلامية''؟ ففي معظمها يوجد القهر وعدم إمكانية الرجوع إلى الديمقراطية مرة أخرى إلا بثورة دموية أتمنى أن نتحاشاها''middot;
ويشاركه الأستاذ صلاح عيسى المخاوف، فيقول: ''الكارثة التي تهدد الإخوان المسلمين، وتهددنا جميعاً، فهي أنهم لا يعرفون معنى محدداً لشعار الإسلام هو الحل، أكبر مطب سوف يقع فيه الإخوان المسلمون هو أن يشكلوا الحكومة، فالذي يده في النار، والجالس على شط بحر الهواء، يحلم ويتمنى ويتخيل حلولاً فورية ووهمية للمشاكل، غير الذي يجلس على مقعد الحكم، وأمامه مشكلة ومائة حل لكل منهاmiddot;middot;middot; ومن خلفه علاقات دولية معقدة، وعلى كتفيه جماعات ضغط سياسية واجتماعية وطائفيةmiddot; إن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، سوف يكونون من أوائل الذين سيثورون على حكومتهم''middot; الخوف من الإخوان ليس بين المسيحيين وحدهم، يكتب الباحث المصري المعروف وحيد عبدالمجيد، وإن كان الأقباط هم الأكثر توجساً من ظاهرة صعود الإخوانmiddot; ''ثمة خوف على مصر الدولة ذات الطابع المدني وعلى مصر المجتمعmiddot; الخوف يشمل قطاعاً يعتد به من النساء، خصوصاً الأجيال الجديدة، ومن الطبيعي أن يكون المثقفون في صدارة الخائفين على القدر المتاح الآن من حرية التفكير والتعبير والإبداع''middot;
إن التحليلات السياسية لا تزال تتوالى في دلالات ومغزى الاكتساح الانتخابي للإخوان بين منذر ومحذر، ومتخوف ومشكك، فيما تحاول ردود الإخوان وأنصارهم إبعاد الشكوك ونفي التهمmiddot; وسيكون انقسام المعسكرين مستمراً والاختلافات ربما دائمةmiddot; ولكن ما لا يختلف فيه أحد هو أن الحياة الدستورية والبرلمانية والحزبية في مصر، وربما في العالم العربيmiddot; لن تكون كما كانت دائماً!أحد الكتاب المصريين وضع عنواناً طريفاً لمقاله وهو ''الإسلام هو الحلmiddot;middot;middot; الإخوان هم المشكلة''!
التعليقات