أ. د مصطفى رجب
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الراحل laquo;عرفاتraquo; معزولاً منفرداً في رام الله وكان يعامل من قبل بوش وشارون ومعظم الدول الغربية على أنه غير ممثل للشعب الفلسطيني، كانت فرنسا من الدول القليلة التي تتعامل مع عرفات باعتباره الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني وكان المسؤولون الفرنسيون يلتقون عرفات في رام الله رغم كل تحذيرات شارون وظل موقف الرئيس شيراك ثابتاً باعتبار عرفات هو الشريك الشرعي لمفاوضات السلام، لأنه هو الرئيس المنتخب من شعبه وفي نهاية عام 2004م كانت باريس المحطة الأخيرة للرئيس الراحل عرفات حيث استقبلته فرنسا لعلاجه من المرض الذي أودى بحياته وظل في المستشفى العسكري حتى وفاته في نوفمبر وكما استقبلته فرنسا كرئيس شرعي للشعب الفلسطيني ودعته كرئيس دولة في جنازة رسمية مهيبة على مستوى رؤساء الدول.
وعلى الجانب الآخر يبدو أن هناك ثأرا خاصا بين فرنسا وشارون وإدارته، فشارون لم يكف منذ عام 2002م وبصفة سنوية، لم يكف عن دعوة يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل محذراً إياهم من laquo;معاداة الساميةraquo; التي تفجرت في فرنسا وزيادة في إغرائهم على الهجرة وعدهم بمنحهم مساعدات مالية وفرصة عمل وسكنا كما هاجم شارون فرنسا واصفاً إياها بأنها أكثر الدول الغربية معاداة للسامية لأن 10% من سكانها من العرب المسلمين، وبالطبع تركت تلك المواقف الإسرائيلية جرحاً عميقاً داخل المجتمع الفرنسي خاصة أن اليهود الفرنسيين هم أكثر يهود أوروبا الغربية استقراراً في وطنهم ولا ينسون أبداً أن laquo;نابليون بونابرتraquo; والجمهورية الفرنسية كانت أول من منحهم الجنسية في القرن التاسع عشر وهي التي رفعتهم إلى مرتبة المواطنين وخلفت لديهم الشعور بالقومية اليهودية بعد أن عانوا الكثير من الاضطهاد والتشرد والطرد والإجبار على ترك اليهودية واعتناق الكاثوليكية وغير ذلك من الممارسات التي ذاقوها في العصور الوسطى وفجرت دعوات شارون المتتالية ليهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل حالة من التوتر بين الدولتين إلى حد أن الرئاسة الفرنسية نقلت إلى شارون شفهياً رسالة تقول فيها إنه laquo;غير مرحب به في فرنساraquo; حيث كان من المقرر أن يقوم بزيارة لم يتحدد موعدها وذكرت الرسالة أن فرنسا قد علقت زيارة وزير خارجيتها laquo;ميشيل بارنييهraquo; إلى إسرائيل في نفس العام (2004م) إلى حين تصل فرنسا إيضاحات من رئيس إسرائيل حول تصريحاته على يهود فرنسا.
إلا أنه يمكن القول إن هذه الفترة لا تعدو كونها سحابة مؤقته في العلاقات بين إسرائيل وفرنسا فيجب ألا ننسى أن فرنسا كان لها الفضل في تدشين البرنامج النووي الإسرائيلي، كما أن الجماعة اليهودية في فرنسا تمثل عنصراً ضاغطاً في التأثير على عملية صنع القرار وعلى إثارة الرأي العام الفرنسي لاتخاذ سياسات موالية لإسرائيل. والجماعة اليهودية على الرغم من أنها تبلغ حوالي 700 ألف نسمة فقط أي حوالي 1% من إجمالي سكان فرنسا فأنها تتميز بخصائص تمنحها مصادر القوة، فهي تتركز في العاصمة والمدن الكبرى مما يجعلهم قريبين من مراكز اتخاذ القرار كما أنهم يمتلكون قدرة عالية على استيعاب ما بينهم من خلاف في وجهات النظر وكذلك يحتفظون بجسور للتفاهم مع سائر الاقليات في المجتمع، بالإضافة إلى تمتعهم بوضع اقتصادي واجتماعي متميز، فهم يعملون بوظائف الفكر والإعلام والسياسة ويديرون البنوك: فعائلة روتشيلد الشهيرة نموذج لسيطرة بعض العائلات اليهودية على الاقتصاد الفرنسي.
ومن الطبيعي أن يتحرك هذا الكيان اليهودي المؤثر في المجتمع الفرنسي من خلال منظمات ومؤسسات عرضت لها د. وفاء الشربيني laquo;إسرائيل من الداخل - أعمال المؤتمر السنوي السادس عشر للبحوث السياسية - القاهرة 28 - 31 ديسمبر2002مraquo; وتقسم هذه المنظمات إلى أربعة اقسام:
أ- المنظمات القومية:
1- المجلس التمثيلي ليهود فرنسا (C.R.J.F) وهو تنظيم يدافع عن المصالح اليهودية لدى السلطات العامة ويقوم بالتأثير على الرأي العام الفرنسي والعالمي .
2- النداء اليهودي الموحد لفرنسا (A.V.J.F) وهو المسؤول عن جمع التبرعات لإسرائيل يضم أكثر من 20 جمعية واتحادات خيرية وهو يعتبر الجهة اليهودية الوحيدة التي تتعامل معها وزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية الفرنسيتان بصفة رسمية.
3- الصندوق الاجتماعي الموحد (F.S.J.V) وقد تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية ويعتمد في تمويله على الأموال التي تقدم له من عدة تنظيمات يهودية أخرى تخصصت في جمع التبرعات من المواطنين اليهود الأثرياء.
ب - المنظمات الصهيونية:
وهي منظمات متشددة لا تتردد في استعمال العنف والإرهاب في شوارع المدن الفرنسية لمواجهة المعارضة والدفاع عن المصالح الإسرائيلية وهي معروفة بتبنيها لشعار laquo;اطردوا العرب من فرنساraquo; كما تعمل على ترويج الفكر الصهيوني بين يهود فرنسا وتضم:
4- الوكالة اليهودية: وهي المسؤولة عن تحقيق الاندماج بين اليهود وتشجيع الهجرة لإسرائيل.
5- الاتحاد الفيدرالي لمنظمات الصهيونية: ويضم في صفوفه ممثلي الأحزاب الإسرائيلية مثل الليكود والعمل وحزب ميرتس.
6- منظمة Bittar: وهي منظمة صهيونية فرنسية تمتلك أسلحة بصفة شرعية قد تستعمل ضد الجاليات العربية في فرنسا وخاصة في الأعمال الإرهابية وتضم في صفوفها عدداً من الشباب اليهودي المتعصب والتي اعتدى أحد أفرادها على مندوب وكالة الشرق الأوسط في باريس أثناء تغطيته لوقائع محاكمة laquo;جاروديraquo; المتهم بمناهضة السامية.
7- منظمة Bnai Birth : ومقرها الرئيسي في laquo;واشنطنraquo; ولها فروع في 58 دولة ومقعد بمنظمة laquo;اليونسكوraquo; بباريس بصفة مراقب وتضم حوالي 3000 عضو.
ت - المنظمات الخيرية:
وهي المنظمات التي تجمع الأموال لصالح إسرائيل مباشرة كالتالي:
1- منظمة KKL وقد استطاعت خلال عام 2000م جمع 300 مليون فرنك فرنسي لصالح إسرائيل لتمويل مشروعات تتعلق بتطوير الموارد المائية والزراعية.
2- منظمة Libi: وقد تخصصت في جمع الأموال لتحسين الأوضاع العلاجية والتعليمية للجيش الإسرائيلي.
3- منظمة Absi Kerev: وتعمل في نفس الإطار بالنسبة للجيش الإسرائيلي كما تقوم بإنشاء ملاجئ لأطفال الجنود الإسرائيلية الذين قتلوا خلال الحرب.
ث - المنظمات الدينية:
1- المجمع المركزي بفرنسا: وهو أقدم مؤسسة يهودية بفرنسا حيث أسسه laquo;نابليونraquo; عام 1808م ومن أهم مهامه الإشراف على الطقوس الدينية وتطبيق مبادئ الديانة اليهودية في فرنسا وأيضاً الإشراف على الأحوال المدنية للمواطنين اليهود كما يشرف على المعابد اليهودية الموجودة في باريس والتي تصل إلى حوالي 100 معبد.
2- المحكمة الحاخامية بباريس: ومهمتها متابعة تطبيق تعاليم الدين اليهودي في كل ما يتعلق بالمواد الغذائية بصفة عامة واللحوم بصفة خاصة حيث تضع أختامها وأشعارها على اللحوم التي تم ذبحها وفقاً للتعاليم الدينية اليهودية.
3- منظمة Beth Loubavich وهي مؤسسة يهودية أرثوذوكسية تضم في صفوفها 25 ألف عضو وتشرف على 25 مدرسة دينية في جميع أنحاء فرنسا.
4- الاتحاد الليبرالي اليهودي V.L.J: وهو ينادي بتطبيق التوراة بطريقة مرنة بحيث تتماشى السلوكيات مع تطور العصر.
ج- المنظمات الثقافية:
ومن أهم تلك المنظمات اتحاد الطلبة اليهودي في فرنسا V.E.J.F وهو من أنشط المنظمات القادر على تعبئة الرأي العام الفرنسي لصالح سياسة دولة إسرائيل في انتفاضة الأقصى عام 2000م
ولا يقتصر الأمر على المنظمات ذات الطابع اليهودي والصهيوني التي تدعم اليهود في فرنسا وإنما تتحرك القوى اليهودية في فرنسا من خلال أبواق إعلامية ضخمة تتنوع بين الإذاعة والتليفزيون والصحافة والإنترنت من أهمها:
1- Radio yuive ويتحدث بلسان حزب الليكود.
2-Radio Shalom ويتحدث بلسان حزب العمل.
3- مجلة Actualie Juive وهي مجلة أسبوعية صهيونية وموالية لحزب الليكود.
4- قناة TF وهي وفقاً للوائحها قناة مستقلة إلا أنها عملياً تشارك في الحملات المناهضة للفلسطينيين وتركز في نشراتها الإخبارية على الأنباء الخاصة بإسرائيل.
5- الكثير من مواقع الإنترنت التي تدعو للدين اليهودي والصهيونية والتعريف laquo;بالهولوكستraquo; ودحض اتهامات من ينكره.... الخ.
التعليقات