رؤية
أحمد عبد الحسين
في خطابه الأخير الذي بثته quot;الجزيرةquot; أراد ابن لادن هدنة مع أميركا ليتفرغ لإعمار العراق! هي المرة الأولى التي يتضمن فيها خطاب quot;جهاديّquot; مفردة الإعمار. فالمتأسلمون وجدوا قوّتهم الفعلية في الهدم والنقض، تلك القوّة التي تُوّجتْ بالمشهد الرمزيّ الأوضح: مشهد البرجين الكبيرين وهما يتهاويان، وهو مشهد صار أمّاً حاضنة لمشاهد التدمير quot;الصغرىquot; هنا وهناك، في بغداد والرياض والدار البيضاء وعمّان، من تدمير تماثيل بوذا إلى تهديم مقرّ الأمم المتحدة في بغداد.
فحيثما يكنْ quot;جهادٌquot; يكن تدمير وأنقاض. ولم يحدث أن حمل خطابٌ لرموز الجهاد التقليديين كابن لادن، الظواهري أو الزرقاوي حديثاً يشي ولو من بعيد بالإعمار والبناء. لا .. بل ان كل المتعاطفين مع مشروع quot;الجهاديينquot; ـ كحال بعض الساسة ورجال الدين العراقيين الداعين إلى quot;المقاومةquot; ـ لا تجد في ثنايا كلامهم ما يدلّ على وضعهم الإعمار ضمن اهتماماتهم. على العكس فان quot;المقاومة العراقيةquot; التي طالما مجّدها ابن لادن لا تخفي عملياتها التي أدّت إلى تعطيل مشاريع الإعمار كاستهدافهم الشركات الأجنبية ومحطات الماء والكهرباء.
فما الذي تغيّر في ابن لادن حتى جعله يتذكر إعمار العراق الآن؟
أصبحتْ صورة الاسلام في العالم اليوم ـ بفضل القاعدة ووسائل إعلامها الفضائية العربيّة ـ مشتقّة من صورة quot;مجاهديquot; أسامة وأخوانهم في العراق: صورة رجل ملثّم يدخل مكاناً عامراً ليحيله أطلالاً. كأنما طاقة الاسلام ـ حسب تلقين فضائيات القاعدة ـ طاقة تدميريّة. ولهذا ليس بمقدور رجل غربيّ أن يمنع نفسه من تصوّر الحرب الدائرة بوصفها حرباً بين كهفٍ وناطحة سحاب، أيْ بين البدائية في أدنى أشكالها والإعمار في أرقى تجلياته.
فلماذا علينا أن نصدّق هذا الصوت الخارج من الكهف نفسه مطالباً بإعمار العراق؟
ليس من عاقلٍ إلا ويشكّ في ان شيخ الكهف أرعبته صورة الاسلام التي صنعتها يداه، وأراد أن يعطي العالم صورة أخرى مضادّة عن الاسلام الذي عمّر الأرض قديماً وأغنى الإنسانيّة بتراث هائل من المعارف والعلوم.
أغلب الظنّ ان يأس الرجل من قدرته على تدمير العملية السياسيّة في العراق ـ بعد نجاح الدستور وانتخابات البرلمان ـ جعله يضع نصب عينيه الهدف التالي الذي يتطلّع إليه العراقيون والمجتمع الدولي، وهو إعادة إعمار العراق.
من أراد أن ينظر إلى رؤية القاعدة للإعمار فعليه أن يتذكر كيف كانت افغانستان عامرة أثناء حكم القاعدة لها.
واذا كانت مرحلة التأسيس السياسيّ قد اجتازها العراقيون بنجاح فان معركة أخرى تنتظرهم مع هؤلاء الخارجين من الكهوف، وهي معركة سيكون رهانهم فيها تدمير الإعمار الذي ننتظره بعد تشكيل الحكومة.
التعليقات