الإثنين:23. 01. 2006

د. عبد الهادي بوطالب


طيلة الأسبوع المنصرم أعطى الإعلام العالمي الصدارة والأسبقية للحديث عن سعي إيران المُلحّ إلى امتلاك السلاح النووي. وغطى هذا النبأ على ما عداه بما جعل منه همّ العالم الأكبر، وهاجسه المثير للجدال عند البعض، والباعث على القلق عند البعض الآخر.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ويختلف الجميع على الجواب عنه هو: أحقا أن الجمهورية الإيرانية الإسلامية حريصة ومصممة على امتلاك السلاح النووي؟ ولماذا؟.

الصيغة الإعلامية المتداولة في توصيف نيات إيران (وهي: الملف النووي الإيراني) توجِّه العالم إلى الجواب بنعم على الشق الأول من السؤال لأنها تتحدث عن الملف النووي الإيراني ولا تتبنى الصيغة السابقة التي كانت تتحدث عن رغبة إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية مدنية.

ويتعامل الكبار الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن مع طلب إيران على أنه رغبة وتصميم على امتلاكها السلاح النووي لتستعمله ضد أعدائها، ويلتقون على رفضه بدعوى أنه يمنع على الدول اقتناء هذا السلاح الذي أنشئت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبته ومتابعة تطوره، لا يُستثنى من هذه الدول إلا تلك التي صنّعت هذا السلاح في عهد الحرب الباردة، والتي يمكن حصرها في الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وروسيا والصين، والهند والباكستان، يضاف إليها كوريا الشمالية التي تعهدت الصين بمراقبتها وصدها عن متابعة تطويره. وكوريا الشمالية في الحقيقة محاصرة حصارا دقيقا وأصبحت جاهزة للتخلي عن تطوير صناعة الطاقة النووية وتطلب مقابلا لذلك ما يزال موضوع تفاوض.

في نهاية الأسبوع المنصرم اجتمعت خمس دول كبرى بلندن هي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين الشعبية (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن) وانضمت إليهم ألمانيا للتشاور حول ما يجب عمله لوضع حد لإصرار إيران على امتلاك السلاح النووي، وللجواب عن سؤال: ألم يأن الأوان لإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار يأمر إيران بالتخلي عن طلب امتلاكها لهذا السلاح. وساد الاجتماعَ توجهُ المؤتمِرين إلى إحالة الملف النووي الإيراني إلى المجلس، باستثناء روسيا التي اكتفت بالنصح بالابتعاد عن التسرّع ومواصلة التشاور حول هذا الملف الشائك. ومع ذلك صدر عن مسؤول روسي قوله: إننا أخذنا نقترب أكثر فأكثر من توجه بقية الأعضاء المشاركين في اجتماع لندن. وأخيرا قرر المجتمعون أن ينعقد مجلس الوكالة الدولية للطاقة النووية في ثالث فبراير/ شباط ربما للاتفاق على صيغة مشروع قرار يقدم لمجلس الأمن بشأن الملف الإيراني.

وإلى حين عقد هذا الاجتماع يبدو أن مفاوضات اللجنة الثلاثية (ترويكا) دخلت مأزقا يصعب تجاوزه، وأن المجتمع الدولي يعيش أزمة صعبة.

وسؤال آخر لابد من أن يطرحه المحلل السياسي هو: ldquo;لماذا تصر إيران على امتلاك السلاح النووي؟rdquo; ولا تريد الجواب عن هذا السؤال؟ بل تفضل الاقتصار على خطاب غير واضح الدلالة لا تعلن فيه رغبتها في امتلاك السلاح النووي، ولا تنفي فيه طموحها إلى اقتنائه. بل إن تعليقات أوساط سياسية إيرانية (غير مسؤولة رسميا) يمكن أن يُفهم منها حرص إيران على أن يخول لها المجتمع الدولي حق امتلاك السلاح النووي ويعطيها الضوء الأخضر لمتابعة تطوير اليورانيوم إلى النهاية. وتضيف التعليقات الإيرانية أن ldquo;إسرائيلrdquo; تملك هذا السلاح ويعترف لها المجتمع الدولي بحق امتلاكه. فلِمَ تحرَم إيران منه مع حاجتها الأكيدة إليه للدفاع عن نفسها من تهديدات ldquo;إسرائيلrdquo; النووية؟.

إن خطابا من هذا النوع يثير ثائرة المجتمع الدولي، وتتصيده الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; لتحريض مجلس الأمن على مواجهة إيران بوصفها دولة متمردة على القانون الدولي تستحق العقوبات وضرب الحصار عليها.

لكن هذا الخطاب مع ذلك لا يمكن اعتباره معبرا عن موقف إيران الرسمي لصدوره عن أوساط غير مسؤولة. ولكنه يلقى تصديقا من المجتمع الدولي الذي يتابع بحذر وقلق تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد سواء في خطابه الذي وجهه إلى الأمم المتحدة عند افتتاح دورتها الجديدة وحاكم فيه الغرب ووصفه بقوات الاستكبار التي لا تتحرك إلا في نطاق هيمنتها على العالم والتي يقوم برنامجها السياسي والمذهبي على مبادئ لا أخلاقية! أو في تصريحه الذي تحدث فيه بصراحة وشجاعة عن نقل ldquo;إسرائيلrdquo; من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا.

لقد أصبح الغرب أشد قلقا من توجهات الرئيس الإيراني بعد تصريحه عن موقع ldquo;إسرائيلrdquo; الذي وضع فيه النقاط على الحروف ولم يستعمل فيه الأسلوب الدبلوماسي عندما طالب بنقل ldquo;إسرائيلrdquo; إلى دولة أوروبية تعويضا لها عما عاناه اليهود من أوروبا، وجاء فيه أيضا أن الحديث عن محرقة هتلر غير دقيق، وشكك في وجود المحرقة ذاتها. وعلى هذا التصريح سطت ldquo;إسرائيلrdquo; لتوهم العالم أن هدف إيران من حرصها على امتلاك السلاح النووي هو ضرب ldquo;إسرائيلrdquo; بهذا السلاح.

أنصح جمهورية إيران أن تكون واضحة في موقفها لتحول بين ldquo;إسرائيلrdquo; واصطيادها في الماء العكر، وأن تفصح عما تريد: أتريد تخصيب اليورانيوم لتستعمله في أغراض سلمية وهذا من حقها الذي لا يصح أن يكون موضوع نزاع، أم تريد صنع السلاح النووي لتستعمله في أغراض عسكرية دفاعية؟ كما أنصحها أن تقبل مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية لترفع كل التباس عن ملفها الذي يوجد اليوم في مهبّ الرياح.

يحسن أن أذكر أن امتلاك السلاح النووي كان خطأ فادحا منذ فكر فيه وصنعه في نطاق سياسة الردع المتبادل القطبان الكبيران: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وتبيّن مع مرور الزمن أنه لا يفيد ولا ينفع، وأنه يكلف مقتنيه ثمنا غاليا لا مردودية له، ويصبح من يملكه أسير ما صنعت يداه. كما أن استعماله عن قرب يؤذي مالكه بمقدار ما يؤذي جاره المعتدى عليه، نتيجة تدفق الإسقاطات والإشعاعات النووية التي تغمر المنطقة بكاملها. وقد أظهرت فاجعة ldquo;تشيرنوبيلrdquo; المفاجئة أن خطره على مقتنيه يظل متوقعا وقد يصبح واقعا مأساويا.

وحتى لو فرضنا أن إيران امتلكت هذا السلاح وأطلقته في وجهة ldquo;إسرائيلrdquo;، ونجحت هذه العملية، فلن يكون هذا النجاح إلا على حساب ضحايا الشعب الفلسطيني الذين سيسقطون بالآلاف بل حتى بالملايين في هذه التجربة البشعة التي يرفضها العقل والضمير والدين.

من أجل ما سبق ذكره نعتقد أن اقتناء السلاح النووي ضرب من العبث. والحكمة تقول ldquo;أفعال العقلاء تصان عن العبثrdquo; كما يقال إنه سلاح لا يفيد ولا يجدي. ووجوده أو عدمه سيان، إنه يُصنع ولا يُستعمل (وهذا هو العبث نفسه). ويشكل عبئا على مقتنيه فلم إذاً يصار إلى هذا العبث؟

الإسلام جاء بالدعوة إلى الدخول في السلام العالمي ونهى عن العدوان إلا بالردّ عليه بمثله وحرم قتل النفس وبالأحرى القتل الجماعي العشوائي. والجمهورية الإيرانية الإسلامية أحد مراكز الإشعاع الإسلامي. ومن واجبها أن تعلن أنها لا تريد مطلقا وفي كل حال الحصول على هذا السلاح المحرم شرعا وقانونا.

ولْتترك الجمهورية الإسلامية هذا الوزر الآثم لقوات الاستكبار (كما يقول الإيرانيون عن الدول العظمى) وحدهم. ldquo;ولكلّ وجْهة هو موليها فاستبقوا الخيراتrdquo; (قرآن كريم).

[email protected]

www.abdelhadiboutaleb.co