الإثنين:23. 01. 2006
دrlm;.rlm; محمد السيد سعيد
تختبر الأحداث الأخيرة والمتلاحقة علي المستويين الداخلي والإقليميrlm;,rlm; قوة شعرة معاوية بين الدولة المصرية والولايات المتحدةrlm;,rlm; فمن الواضح أن زيارة نائب الرئيس الأمريكي ـ وهو يمثل عقل الإدارة الحالية والشخصية الأقوي بها ـ لمصر قد عكست وجهات نظر مختلفة للطرفينrlm;,rlm; وهو ما يظهر من الصور التي بثتها المحطات التليفزيون المصرية والعربية للقاء مبارك ـ تشينيrlm;,rlm; والتي أظهرت هذا المعنيrlm;,rlm; ويبدو أن الإدارة الأمريكية تشعر بالغضب تجاه المواقف التي تبنتها القيادة المصريةrlm;,rlm; وبينما لا نعرف بالتحديد ما هي الأفكار التي جاء بها تشيني؟ فقد أشارت الدولة المصرية ضمنا الي هذا الاختلافrlm;,rlm; عندما صرحت الجهات المسئولة بأن مصر لن تصوت لصالح تحويل إيران الي مجلس الأمن بتهمة خرق اتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية إلا اذا تمت معالجة الأسلحة النووية الإسرائيلية في نفس الوقتrlm;.rlm;
ويبدو أن هذا الموقف المبدئي المستقل كان جزءا من الخلاف الذي تفجر في لقاء الرئيس مبارك مع نائب الرئيس تشينيrlm;,rlm; ومع ذلك فإن هذا الخلاف وحده لا يفسر الغضب الشديد الذي أظهرته الولايات المتحدة عندما قامت بإلغاء زيارة وفد مصري الي واشنطن لبدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الدولتينrlm;,rlm; والتهديد الصريح الذي حملته افتتاحية الواشنطن بوستrlm;..rlm; بتجميد المعونة العسكرية الأمريكية لمصرrlm;,rlm; ولا يعقل أن يكون نائب الرئيس الأمريكي جاء الي مصر خصيصا لمناقشة الملف النووي الإيرانيrlm;,rlm; وطلب تصويت مصر في مجلس محافظي وكالة الطاقة النووية لتحويل ايران لمجلس الأمنrlm;,rlm; إذ لم يكن الأمر يحتاج الي زيارة نائب الرئيس الأمريكي الذي لا يتمتع بصحة جيدة ولا يقوم بزيارات كثيرة للعالم الخارجيrlm;..rlm; ولا يعقل أيضا أن نائب الرئيس الأمريكي جاء لمصر ـ وبعد أزمة صحية ـ خصيصا لدفع الاصلاحات السياسية في مصر أو الحديث عن قضية أيمن نورrlm;,rlm; اذ كان يكفي هنا أيضا أن تنقل الإدارة الأمريكيةrlm;,rlm;
وجهات نظرها فيما يتعلق بهذه المسائل من خلال القنوات الدبلوماسية العاديةrlm;,rlm; ولهذا من المرجح أن الخلافات التي افشلت المباحثات بين الرئيس مبارك ونائب الرئيس تشيني امتدت الي رفض مصري لأفكار أمريكية محددة تتعلق أساسا بملفي العراق وسورياrlm;,rlm; واذا قمنا بتحليل ما حدث علي ضوء نماذج وأزمات سابقة في العلاقات المصرية ـ الأمريكيةrlm;,rlm; لقلنا إن الغضب الأمريكي نشأ أساسا عن رفض مصري لأفكار أمريكية فيما يتعلق بالقضايا الإقليميةrlm;,rlm; التي يمكن لمصر أن تكون فاعلا رئيسيا بهاrlm;,rlm; وليس منها الملف النووي الإيرانيrlm;,rlm; وبتعبير آخرrlm;,rlm; فالأرجح أن القيادة المصرية رفضت أفكارا ومطالب أمريكية تتناقض مع المواقف المبدئية المصرية من القضايا الإقليمية ذات الأهمية الكبيرة علي المستوي الشعبي وعلي مستوي الشرعية السياسية في مصرrlm;,rlm; خاصة الملفين السوري والعراقيrlm;,rlm; وان الإدارة الأمريكية اختارت أن تعبر عن غضبها علي مصرrlm;,rlm; بالتركيز علي بطء الاصلاح السياسي الداخليrlm;.rlm;
وما يدعونا لهذا الاعتقاد هو أننا لا نصدق أن تكون قضية الاصلاح الداخلي هي السبب الحقيقي وراء غضب الإدارة الأمريكية وقيامها باتخاذ مواقف خشنة وغير ودية تجاه الدولة المصريةrlm;,rlm; لأن نفس هذه الإدارة كانت اتخذت قرار البدء في مباحثات اتفاقية التجارة الحرة بالفعل قبل زيارة نائب الرئيس تشينيrlm;,rlm; برغم أن الأحداث المتعلقة بالاصلاح السياسي في مصر بما في ذلك قضية الأستاذ أيمن نورrlm;,rlm; وقعت بالفعل قبل صدور قرار بدء المباحثاتrlm;,rlm; وأن ما تم في هذه المباحثات هو سبب الغضب الأمريكيrlm;,rlm; وأنه يتعلق بقضايا ذات أهمية جوهرية بالنسبة للسياسة الخارجية المصريةrlm;.rlm;
وقد يعني ذلك أو لا يعني أن يبدأ نزاع علني بين مصر والولايات المتحدةrlm;,rlm; أو أن تنقطع شعرة معاوية التي حرص عليها الطرفان عبر سلسلة من الأزمات المكتومة والصريحة خلال العامين الماضيينrlm;,rlm; ولكن ما حدث وبصورة خاصة تلويح الولايات المتحدة باستخدام سلاح المعونات والسلاح الاقتصادي عموما يعني أمرين علي درجة عالية من الأهميةrlm;.rlm;
الأمر الأولrlm;,rlm; هو أن السياسة الخارجية المصرية تدخل مرحلة جديدة ومختلفة جذريا عما مرت به منذ نهاية حرب اكتوبرrlm;1973,rlm; إذ استندت هذه السياسة في جانب كبير منها علي فكرة العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدةrlm;,rlm; أما الأمر الثانيrlm;,rlm; فهو أن الحدود التقليدية بين الداخل والخارجrlm;,rlm; أو بين السياسات الداخلية والسياسة الخارجية قد انتهتrlm;,rlm; وأن القضايا الداخلية صارت موضوعا للسياسة الدوليةrlm;,rlm; والعكسrlm;,rlm; فإذا شئنا أن ندافع عن المباديء والمصالح الاستراتيجية المصريةrlm;,rlm; خاصة علي المستوي الإقليميrlm;,rlm; يجب أن نبدأ بتحضيرات كافية وسليمة للأوضاع الداخليةrlm;.rlm;
وبينما لا يبدو من المؤكد أن الولايات المتحدة ستطبق بالفعل تهديداتهاrlm;,rlm; التي صرح بها مجلس النواب الأمريكي فيما يتعلق بالمعونات العسكريةrlm;,rlm; فلا يمكن استبعاد هذا الاحتمالrlm;,rlm; بل ولايمكن استبعاد احتمال أن تتحول الخلافات المصرية ـ الأمريكية المكتومة الي نزاع سياسي وفكري علنيrlm;,rlm; ومن البديهي أن علينا أن نستعد لهذا الاحتمال علي وجه السرعةrlm;,rlm; بوضع فلسفة متكاملة للاستراتيجية القومية المصرية تلائم مرحلة جديدة تماما من العلاقات المصرية ـ الأمريكيةrlm;.rlm;
ثمة عناصر أساسية في هذه الفلسفة تفرضها الضرورات المبدئية والعملية معاrlm;,rlm; وأول هذه العناصر هو الأولوية الحاسمة التي يجب وضعها علي المباديء التاريخية للحركة الوطنية المصريةrlm;,rlm; وبصفة أخص الدفاع عن الاستقلال الوطنيrlm;.rlm;
يفرض الاستقلال الوطني المصري التعبير عن مباديء ومصالح مصر الاستراتيجية علي المستوي الإقليمي بصورة ايجابية وقوية في وجه التلاعب الأمريكي بمصير المنطقة وتدخلاتها غير المشروعة فيها علي حساب شعوب المنطقة ولصالح إسرائيلrlm;,rlm; وتكون مهمة السياسة الخارجية المصرية هي تبني وجهة نظر بناءة ومتكاملة لحل المسألة العراقية بما يعيد للشعب العراقي وحدته واستقلاله السياسيrlm;,rlm; وبما يدفع عن سوريا محاولات اسقاط النظام من الخارجrlm;,rlm; ويؤكد حق شعوب المنطقة في العيش في سلام بعيدا عن شبح التهديد والابتزاز النووي وتطبيق معيار واحد فيما يتصل بهذه المسألة علي جميع دول المنطقةrlm;,rlm; بما ينهي الاستثناء الممنوح لإسرائيل أمريكيا وغربياrlm;.rlm;
ولكن الدفاع عن الاستقلال الوطني المصريrlm;,rlm; يعني أيضا اعتماد فلسفة الاعتماد الاقتصادي علي النفس في حدود مصرrlm;,rlm; وبصورة جماعية مع من يشاء من الدول العربيةrlm;,rlm; ولا يعني ذلك بالضرورة التخلي عن سياسة الانفتاح الاقتصاديrlm;,rlm; ولكنه يعني انتهاج استراتيجية تنمية اقتصادية جديدة تنهض علي تعبئة كل القدرات الاقتصادية المصرية علي صعيد التراكم الرأسماليrlm;,rlm; والعلم والتكنولوجياrlm;,rlm; وتكييف سياساتنا التجارية الخارجية مع حاجاتنا للنهوض السريع بالصناعة الوطنيةrlm;,rlm; ويدعونا ذلك أيضا لتصحيح ادارة جميع مؤسساتنا الوطنية لترقية الكفاءة والقدرات الفعليةrlm;,rlm; والقضاء علي الفوضي والفساد والتسيبrlm;,rlm; وبناء نظم عمل قادرة علي تحقيق هذه الأهداف وتحقيق نمو حقيقي من الداخلrlm;.rlm;
أما العنصر الثاني والضروري لاستراتيجية وطنية مصرية جديدة لمواجهة مرحلة أزمة علنية مع الولايات المتحدةrlm;,rlm; فهو تصحيح أجندة النزاع السياسيrlm;,rlm; وبناء تحالف وطني حقيقي وأصيل يترجم هذه الاستراتيجية الوطنية وينهض بأعبائهاrlm;,rlm; فلا يجب أبدا أن نسمح للإدارة الأمريكية الراهنة أن تصور النزاع وكأنه يدور بين الديمقراطية والاستبدادrlm;,rlm; لأن هذه الصياغة للنزاع تعني أن نحرم أنفسنا من التعاطف الشعبي الأمريكي ومن تعاطف الرأي العام العالميrlm;,rlm; والمجتمع الدولي بصورة عامةrlm;,rlm; ويجب أن نبدأ فورا في تسريع معدلات الاصلاح السياسي وتعميمه وصولا الي أفضل معايير الأداء الديمقراطي وبصورة خاصة الغاء قوانين الطواريء وضمان تحسن سريع وعميق في أوضاع حقوق الإنسانrlm;,rlm; واصدار قانون استقلال القضاء الذي يطلبه نادي القضاةrlm;,rlm; واتخاذ خطوات كبيرة في مجال الاصلاح الدستوريrlm;,rlm; تضمن هذه التدابير تعويض العلاقة الخاصة مع أمريكا بعلاقة أعظم وأفضل كثيرا بين الدولة والشعب المصريrlm;,rlm; ومع بقية الشعوب العربيةrlm;.rlm;
التعليقات