د. عبدالحميد الأنصاري
كلما صعدت ايران لغة التهديد مع المجتمع الدولي وفكت الأختام عن منشآتها النووية، مستأنفة مهمتها المقدسة في استكمال ابحاث تخصيب اليورانيوم لتحقيق حلمها العظيم في تملك قنبلتها الخاصة، فزع أهل الخليج، ووضعوا أيديهم علي قلوبهم من تداعيات الموقف الايراني المتصلب علي أمن الخليج وسلامته ومستقبله. ويبدو أن ايران قد اختارت المواجهة وبخاصة ان ظروفها السياسية الضاغطة قد أفرزت في النهاية رئيساً مولعاً بالمواجهة يعتقد أنه يحمل رسالة إلهية لتحقيق طموحات ايران في دولة اقليمية مهيمنة علي الخليج وتستطيع مواجهة القوي العظمي ذات المصالح الاستراتيجية في الخليج أو علي الأقل تشاركها في المغنم.
لقد تأكد قول الامريكيين أنه لا جدوي من سلسلة المفاوضات الطويلة مع ايران وأدرك الاوروبيون - مؤخراً - أن كل جهودهم الدبلوماسية وتنازلاتهم قد وصلت الي طريق مسدود وعرفوا ان الامريكيين علي حق ومنذ البداية عندما طالبوا بتحويل الملف النووي الايراني علي مجلس الأمن وها هي - روسيا - حليفة ايران الرئيسية وممولها النووي، تقول علي لسان وزير خارجيتها - لا مُروف - أن صبرها بدأ ينفد حيال التعنت الايراني وأنها لن تستطيع أن تبقي علي دعمها لها لفترة طويلة، مؤكدة تناقض طهران في تأكيداتها بأنها تسعي لتوفير الطاقة عبر البرنامج النووي السلمي في الوقت الذي لا جدوي اقتصادية في تخصيب اليورانيوم علي أراضيها لأنه يكلف أكثر من استيراده فضلاً عن غياب الضرورة العلمية الفعلية للبرنامج. ولذلك فإن روسيا لن تعترض علي اللجوء الي مجلس الأمن.
لقد أدرك العالم الآن ما كانت تقوله أمريكا انه لابد من قرار دولي حيال دول شمولية بمعزل عن المتغيرات التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تلك المرحلة التي اتاحت الظروف لدول ذات انظمة قمعية ان تسبح في مياهها في حمي عن أعاصيرها وأمواجها. تلك الدول لا زالت تعتقد - واهمة - أنها تستطيع مواجهة العالم عبر اسلوب التهديد بالنفط تارة أو الاغتيالات والتخريب تارة أخري أو دعم الارهاب والابتزاز وخلط الأوراق تارة ثالثة. ها هما الحليفان في دمشق - نجاد والأسد - يؤكدان مواجهة الضغوط، ولكن كيف هل بمزيد من التصعيد أم بلغة عليّ وعلي اعدائي إذن هما الخاسران لأن العالم لن يرضخ لهما.
لم تستطع ايران ان تقنع العالم - حتي الآن - بجواب يضع حداً لسؤال ملح:
ما حاجة ايران الي السلاح النووي ! ايران ليست مستهدفة في أمنها ولا أحد يطمع في مواردها أو أرضها، إذن لماذا تهدر ايران المليارات - وشعبها أحق بها - في سبيل الحصول علي سلاح ضار ! لماذا لا توفر ايران تلك المليارات في سبيل اسعاد شعبها ليعيش متنعماً بالموارد الهائلة التي حباها الله لإيران ! لماذا يعيش الشعب الايراني في مستوي اقتصادي أقل من جيرانهم الخليجيين مع أن مواردهم أكبر وأعظم !
ماذا ينقص ايران ليصبح شعبها أسعد الشعوب وأكثرها رخاء !
تؤكد ايران مشروعية تملكها للسلاح النووي قياساً علي غيرها (اسرائيل والهند وباكستان) وهو قياس مع الفارق، فظروف تلك الدول مختلفة تماماً ومبرراتها فيها شيء من المنطق بينما لا يوجد أي مبرر لا اقتصادياً ولا أمنياً لدي ايران في سعيها المحموم للنووي. وإذا كانت ايران تتكلم عن حقها في البرنامج النووي فإن من حق أهل الخليج ان يتخوفوا من طموحات ايران النووية علي أمن الخليج وسلامته ومستقبله وعلي بيئة الخليج من الملوثات النووية الخطرة هل بوسع ايران ان تقدم ضماناً للخليجيين بسلامة مفاعلاتها النووية ضد أخطار التلوث كيف ومفاعلاتها منحدرة من فصيلة (تشيرنوبل) والتي لم تستطع روسيا بجلالة قدرها وعلو كعبها في التقنية النووية ان تكبح جماح مفاعلها ! كيف تستطيع ايران ذلك وهي التي تستورد قطع غيارها من السوق السوداء شرقاً وغرباً ! وما ذنب شعوب الخليج ان تعيش هاجس القلق النووي ! نحن قلقون من ايران وفي نفس الوقت قلقون عليها، قلقون لأن مفاعلها أقرب الينا منها الي طهران وقلقون عليها لأن العالم لن يسمح لايران بطموحها النووي وسيتخذ اجراءات ليست في صالح الشعب الايراني. لقد أصبح قدر الخليجيين ان يخافوا من ايران ماضياً وحاضراً.
بالأمس كنا نخشي طموح الشاه الامبراطوري واليوم خشيتنا زادت مع طموح نجاد النووي الاسلامي. ولا أحد يصدق مزاعم ايران في برنامجها النووي السلمي إلا بعض المغفلين الذين لا يزالون يبررون لها بحجة التوازن مع اسرائيل وهو تبرير فاسد، لان اسرائيل وان كانت تملك النووي إلا انها لم تدع ذلك يوماً، ولم تهدد به في حروبها مطلقاً حتي في ذروة تعرض أمنها للمخاطر، وبعض حكامنا لما يبلغوا ألف باء النووي حتي هددوا به اسرائيل - حماقة وغروراً - واستخدموا الكيماوي ضد شعوبهم!! ايران تريد ان تصبح قوة عظمي في الخليج، وحكاية التوازن مع اسرائيل من الطرف والنوادر التي يتلطي بها السذج. ويقولون لا خوف من برنامج ايران النووي فهو للاستخدام السلمي وفقهاء الحوزات أفتوا بتحريم استخدام النووي شرعاً وعلي رأسهم (خامنئي) وهو أمر مضحك حقاً، إذا ما أسهل تغيير فتوي اليوم غداً، ولماذا نذهب بعيداً وعندنا في الساحة القطرية - هذه الأيام - رمز ديني كبير تغيرت فتواه في موضوع اقتصادي خلال (24) ساعة فقط، فكيف لا يغير فقهاء ايران فتاواهم غداً إذا تغيرت الظروف السياسية ! و(بن لادن) عنده فتوي من شيخ سعودي لاستخدام النووي ضد الامريكيين.
و(باساييف) هدد بالكيماوي ضد روسيا رداً علي اغتيال (بندرباييف) في قطر، ولم يجد (وحيد الأقصري) مرشح حزب (مصر العربي) للرئاسة في دعايته خيراً من تصريحه بأنه سيسعي - إذا أصبح رئيساً لمصر - لصنع قنبلة نووية عربية، إنه (الجهاد الذري) - طبقاً لخليل حيدر - ونوعاً من وأعدوا لهم ما استطعتم في تفسير البعض.
ولو أجريت استطلاعاً لقال الجمهور الأعظم يجب تملك النووي واستخدامه ضد العدو، وهو الذي جعل عبدالقدير خان ساعياً في تعميم (النووي) علي المسلمين رغبة في الثواب الدنيوي والأخروي، وبدوره هدد (الزرقاوي) باستخدام الكيماوي ضد الامريكيين في (تلعفر) ولهذا - حمد الله (عبدالحميد بكوش) أن حرم العرب من تملك النووي - لان حيازة بعض العرب سلاحاً نووياً أشد خطورة علينا من (حيازة اسرائيل له) إذ من يضمن عدم استخدامه ضد بعضهم. ها هي كوريا الشمالية تتخلي عن برنامجها النووي رغم وضعها الصعب فلماذا تستمر ايران مصدر قلق لنا في تحدي العالم نووياً !
من حقنا ان ننزعج وأن نقلق فنحن أكبر المتضررين، فإلي أين نذهب إذا حصل مكروه والي أية جهة يولي أولادنا وجوههم إذا حصل السوء ! ومن يجيرنا يومئذ من الكارثة !.
التعليقات