الثلاثاء:24. 01. 2006
بول كروغمان
لاشك أن الرئيس بوش سيعلن في خطاب ''حالة الاتحاد'' المقبل أنه يمتلك استراتيجية متكاملة لتحقيق النصر في العراق، وبالطبع سيلاقي كلامه احتفاءً كبيراً وتصفيقاً حاراًmiddot; لكنني شخصياً لا أصدق كلامهmiddot; ففي الوقت الذي ظل فيه بوش يرفض بعناد طيلة السنوات الثلاث الأخيرة الإقرار بالهزيمة في العراق، ها هو اليوم يتخلى عن أية محاولة باتجاه التقدم وإحراز النصرmiddot; ولكي أكون أكثر وضوحاً دعوني أشرح لكم بعض الأمور المتصلة بمعضلة الكهرباء في العراقmiddot; فقد أصبح النقص الحاد الذي يعاني منه العراقيون في مجال الطاقة أمراً بالغ الخطورة لأنه يمس مصداقية الحكومة مباشرةmiddot; وكما عبر عن ذلك وزير النفط العراقي السيد محسن شلاش في الأسبوع الماضي ''عندما ينقطع التيار الكهربائي، فإن البلاد تتعرض لدمار كبير، حيث تتوقف الصناعة وتتعطل مناحي الحياة، كما ترتفع وتيرة الهجمات الإرهابية''middot; وبالنظر إلى أهمية الكهرباء في عالمنا المعاصر فإنه يحق لوزير النفط العراقي أن يكون حازما في كلامه، خصوصا بعدما أصبحت حالات انقطاع التيار الكهربائي تشكل القاعدة وليست الاستثناءmiddot;
وفي هذا السياق أشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى العجز الرهيب في توفير الكهرباء الذي تعرفه منطقة بغداد، و''مساحة كبيرة في وسط العراق''، وهي المناطق ذاتها التي ينشط فيها التمرد وتشكل معقله الرئيس، حيث لا تتلقى المنطقة سوى ساعتين إلى ست ساعات من الكهرباء يومياًmiddot; ومعلوم أن انقطاع الكهرباء ليس مجرد إزعاج بسيط للأهالي سرعان ما يعالج، بل يؤثر الانقطاع على السير العادي للأعمال والمصانع، وينسف فرص العمل، فضلاً عن أنه يحطم معنويات العراقيين ويساهم في تغذية صفوف التمردmiddot; وإذا كانت المساوئ معروفة، فلماذا يشهد العراق نقصاً حاداً في الطاقة يفوق أي وقت مضى؟ تتبادر مباشرة إلى الذهن عمليات التخريب التي يقوم بها المتمردون، وهو عامل لا يمكن إغفاله لولا وجود عوامل أخرى أكثر أهمية تتعلق بالأخطاء والعثرات التي ارتكبها المسؤولون الأميركيون في العراق عقب سقوط النظام ونتج عنها تفاقم انقطاع التيار الكهربائيmiddot; وهي الأخطاء التي أشارت إليها صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' من خلال دراسة أجرتها حول أسباب العجز الكبير في توفير الطاقة بالعراقmiddot;
ويبرز في مقدمة العثرات التي أدت إلى نشوء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لجوء المسؤولين الأميركيين إبان إدارتهم للعراق إلى الغاز الطبيعي كمصدر أساسي لإنتاج الطاقةmiddot; ولتعزيز إمدادات الكهرباء في المناطق العراقية المختلفة تعاقد المسؤولون مع شركات أميركية لتزويد محطات الطاقة بمولدات تعمل بالغاز الطبيعيmiddot; لكن وكما ذكرت ''لوس أنجلوس تايمز'' تطلب الأمر ''أنابيب لنقل الغاز الطبيعي'' لتزويد المحطات الجديدة، والحال أن تلك الأنابيب لم توضع قط من قبل بسبب تركيز وزارة النفط العراقية وبتشجيع من السلطات الأميركية على مسألة تعزيز البنية التحية لإنتاج النفط وليس لنقل الغاز الطبيعيmiddot; وقد أدى وضع استراتيجية للطاقة في العراق تعتمد على الغاز الطبيعي دون التنبه مسبقا إلى عدم وجود الأنابيب اللازمة لذلك إلى إضاعة الكثير من الجهد والوقتmiddot; وعلى صعيد متصل عمد المسؤولون الأميركيون خلال الأيام الأولى التي أعقبت الحرب إلى إبقاء سعر الوقود والكهرباء منخفضا كما كان عليه أيام صدام حسين خشية حدوث اضطراباتmiddot; وترافقت هذه الخطوة مع إزالة الحواجز والقيود الجمركية عن البضائع الاستهلاكية في إطار سعي السلطات الأميركية لتحويل العراق إلى جنة تنعم بفضائل السوق الحرةmiddot;
والنتيجة هي ارتفاع استهلاك الطاقة بسبب الإقبال الكبير للعراقيين على اقتناء البضائع المستوردة من ثلاجات ومكيفات وغيرها دون أن تتوافر القدرة على تلبية الطلب المتصاعد على الطاقةmiddot; والخلاصة أن المسؤولين الأميركيين فشلوا فشلا ذريعا في معالجة قطاع الكهرباء في العراق، بل وتعدى عجزهم ليشمل القطاع النفطي أيضاmiddot; وقد نعتقد أن إدارة الرئيس بوش تمتلك خطة بديلة لتصحيح الأخطاء وتصويب الاختلالات لتغيير الأوضاع وتحقيق النصر، إلا أن ذلك لا يبدو قريباmiddot; فبالرغم من الوعود المتفائلة للإدارة الأميركية ببذل كافة الجهود لإعادة إعمار العراق ووضع برنامج شبيه بخطة مارشال، إلا أنها مازالت تتردد في طلب المزيد من المال من أجل استكمال إعمار العراقmiddot; والأدهى من ذلك أن المسؤولين الأميركيين اليوم منكبون، حسب تقرير آخر أوردته ''لوس أنجلوس تايمز''، على إسداء النصائح التافهة للعراقيين، حيث صرح المستشار الاقتصادي في السفارة الأميركية قائلا ''إن العالم يتطلب قدرات تنافسية عالية'' وأضاف مسؤول آخر ''لا عناء، لا ربح'' واستطرد أحدهم ''لم يكن في نيتنا أبدا إعادة إعمار العراق''middot; ومن جانبه لم يعد وزير النفط العراقي محسن شلاش يعلق آمالا عريضة على المساعدات الأميركية للنهوض ببلاده، حيث قال ''لقد انتهت المساعدات الأميركية، وهي لم تكن فعالة في كل الأحوال''middot; ونظرا لفشل المسؤولين الأميركيين في إعادة بناء القطاع النفطي أقر وزير النفط العراقي بأن الحكومة أصبحت عاجزة عن توفير الموارد الضرورية لإقامة محطات توليد الطاقة وإمداد المدن العراقية بحاجياتها من الكهرباءmiddot; وفي الواقع، تنحصر مهمة الحكومة العراقية اليوم في المحافظة قدر الإمكان على قدرة الإنتاج الحالية للنفط، وحمايتها من هجمات المتمردينmiddot;
وفي ظل تخبط الإدارة الأميركية في جهود إعادة الإعمار، فضلا عن قرارها مغادرة العراق والتخلي عن مسؤولياتها، يبدو جليا أن الحكومة الأميركية لا تمتلك أية خطة استراتيجية، وأن كل ما يهمها هو تحقيق مكاسب سياسية آنية، في الوقت الذي تغوص فيه أميركا والعراق في مستنقع الفشل والفوضىmiddot;
التعليقات