الثلاثاء:24. 01. 2006
خيرالله خيرالله
يواجه الشعب الفلسطيني يوم الخامس والعشرين من يناير- كانون الثاني الجاري تحدياً مهماً يتمثل في أنتخابات المجلس التشريعي. من الآن، يمكن طرح سلسلة من الأسئلة في شأن المرحلة المقبلة، خصوصاً أذا أمكن أجراء الأنتخابات في جو يتسم ببعض الهدوء ولم تُخطف صناديق الأقتراع في مدن وقرى معينة بهدف منع أعلان النتائج.
أن تجري أنتخابات هادئة على غرار الأنتخابات الرئاسية التي جرت قبل عام وأسبوعين تقريباً، سيعطي أشارة الى العالم بأن الشعب الفلسطيني يبحث عن مكان له تحت الشمس مثله مثل أي شعب من شعوب المنطقة وأن مشكلته تكمن في أستمرار الأحتلال الأسرائيلي ليس ألاّ. أكثر من ذلك، سيسمح نجاح الأنتخابات الفلسطينية في أعطاء فكرة مختلفة عن الشعب الفلسطيني.
قبل كل شيء، سيؤدي نجاح الأنتخابات الى تحسين صورة الشعب الفلسطيني الذي يحتاج الى دعم المجتمع الدولي في الحرب التي يخوضها من أجل الأستقلال. وفي هذا المجال، تظل الأنتخابات الطريق الأقصر لأظهار أن الشعب الفلسطيني ليس شعب العمليات الأنتحارية وأن هذه العمليات دخيلة عليه وهي تعبير عن وجود قوى خارجية، أقليمية تحديداً، لا همّ لها سوى الحاق الأذى بقضيته العادلة. والأهم من ذلك، ان انتخابات المجلس التشريعي، خصوصاً أذا عكست النتائج وجود قوى حيّة تسعى الى السلام، تتمة للأنتخابات الرئاسية التي خاضهاquot; أبومازنquot; على أساس برنامج واضح يرفض فيه فكرة عسكرة الأنتفاضة، تلك العسكرة التي لم تجر على الفلسطينيين سوى الويلات... ولا شيء غير الويلات.
اتخّذ quot;ابومازنquot; قراراً شجاعاً بالأصرار على الأنتخابات على الرغم من وجود شبه أجماع في quot;فتحquot; على ضرورة التأجيل. ثمة من يؤكد أن الأدارة الأميركية ضغطت على رئيس السلطة الوطنية كي يرفض أي تأجيل للأنتخابات، وقد يكون أصحاب هذه النظرية على حق، وهم كذلك، لكن هناك حاجة مستمرة الى أن يكون القائد قائداً والزعيم زعيماً وأن يضع شعبه أمام مسؤولياته بغض النظر عن المكاسب الآنية من نوع تلك التي كان يمكن لquot;فتحquot; ان تجنيها من تأجيل الأنتخابات.
ولكن ماذا بعد الأنتخابات الفلسطينية، على افتراض أن هذه الأنتخابات مرت بسلام؟ لا بد في البداية من مواجهة واقع جديد يتمثّل في أن quot;حماسquot; يمكن أن تشكل أكبر كتلة نيابية في المجلس المقبل، هذا أذا لم تحصل على أكثرية. وهذا يعني بكل بساطة وجود وضع فلسطيني جديد يمكن أن يؤدي الى دخول الحركة الأسلامية الحكومة ومشاركتها في القرارات الكبيرة ذات الطابع السياسي بغض النظر عما يقال عن أنquot;حماسquot; قادرة على محاربة الفساد وجعل أجهزة السلطة الفلسطينية من النوع الفعّال الذي يخدم الناس ولا يسرقهم... وأن هذا سر قوتها!
في النهاية، سيتوجب على quot;حماسquot; المشاركة في القرار السياسي بعيداً كل البعد عن الشعارات الفارغة من نوع أستمرار المقاومة وتحرير فلسطين من البحر الى النهر أو من النهر الى البحر. من الآن، يمكن القول أن الأستمرار في طرح هذه الشعارات لن يقود سوى الى مزيد من التراجعات الفلسطينية ومزيد من المكاسب لأسرائيل على كل الصعد خصوصاً في الساحة الدولية. فضلاً عن ذلك سيسمح مثل هذا الطرح لأسرائيل بمتابعة عملياتها الأرهابية وجرائمها في حق أبناء الشعب الفلسطيني فيما العالم في موقف المتفرّج. ولذلك، يفترض فيquot;حماسquot; التي تستعد لتولي مسؤوليات لها علاقة بمستقبل الشعب الفلسطيني أن تباشر الى التعاطي مع الواقع وليس مع الأوهام. والواقع يقول أوّلا أن العمليات الأنتحارية التي نفّذتها في الماضي لم تؤد سوى الى ألحاق الضرر بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. والدليل على ذلك، أن أرييل شارون أستطاع أستغلال هذه العمليات أفضل أستغلال لوضع ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في الأقامة الجبرية. أن عملياتquot;حماسquot; وغيرquot;حماسquot; كانت ربحاً صافياً لشارون الذي عرف كيف يبعد quot;ابوعمارquot; عن الساحة الدولية وعن البيت الأبيض تحديداً، حيث كان قادراً على مقارعة أسرائيل والتصدي لها. وقد قضى quot;أبوعمارquot;، الذي أرتكب من دون شك أخطاء، قهراً قبل أن يفارق الحياة نتيجة مرض غامض أو عملية تسمم تعرّض لها.
والواقع يقول ثانياً أن quot;حماسquot; التي قررت خوض الأنتخابات النيابية، أعترفت شاءت أم أبت باتفاق أوسلو الذي سمح بأجراء الأنتخابات. وأياً تكن الفذلكات التي يخرج بها قياديو الحركة، ليس أمامهم، في حال كانوا صادقين مع شعبهم الأعتراف بأن خيارخوض الأنتخابات أعتراف بأوسلو وبكل ما يترتب على أوسلو، هذا الأتفاق الذي بذل أرييل شارون في السنوات الخمس الأخيرة كل ما لديه من جهد لأفراغه من مضمونه والقضاء عليه. ولكن تبين في النهاية أن أوسلو كان الأقوى ولا تزال له فوائد بما فيها تمكين الشعب الفلسطيني من المشاركة في أنتخابات على كل المستويات، خصوصاً من أجل اختيار نوابه على غير الطريقة المتبعة في أنحاء العالم العربي مع أستثناءات قليلة.
يفترض في الأنتخابات الفلسطينية أن تُستغل لفتح صفحة جديدة مع العالم بهدف أقناعه مجدداً بأن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، مساهمة في دعم الأستقرار في الشرق الأوسط . كذلك يفترض أن تستخدم الأنتخابات لأعادة الأعتبار الى المجتمع الفلسطيني الذي ظهر للعالم من خلال الصور التي تبثها الفضائيات كمجتمع مسلح لا يؤمن سوى بالفوضى وأن لا فائدة من قيام دولة فلسطينية ما دام النموذج لهذه الدولة ما شهده قطاع غزة بعد الأنسحاب الأسرائيلي.
كان جيّداً أن تهدد quot;حماسquot; بمزيد من الفوضى والفلتان الأمني في غزة في حال قررت السلطة الوطنية تأجيل الأنتخابات، ذلك أن الأنتخابات التي سمح بها أتفاق اوسلو، صارت بالنسبة الى الحركة من المقدسات. ولكن ما قد يكون افضل من ذلك، أن تطرح كل الأطراف الفلسطينية على نفسها سؤالاً في غاية الأهمية هو الآتي: انتخابات من أجل ماذا خصوصاً أنه لا يوجد شيء أسمه أنتخابات من أجل الأنتخابات؟
بكل صراحة، لن تكون للأنتخابات فائدة تذكر في حال لم يراجع كل طرف فلسطيني حساباته. على السلطة الوطنية مراجعة حساباتها وأعادة طرح برنامجها السياسي على الفلسطينيين أوّلا بصفة كونه البرنامج الوحيد القادر على التعاطي مع المعطيات التي لها علاقة بما يدور داخل أسرائيل من جهة، وتلك المرتبطة بالتوازنات الأقليمية والدولية من جهة أخرى. وعلى المعارضة التي تمتلك وزناً والتي باتت ممثلةبquot;حماسquot; الأقتناع بأن لا بد من أجندة فلسطينية واضحة تجعل الحركة فصيلاً مرتبطاً بالواقع وليس بالأوهام. وبكلام اوضح، يفترض في quot;حماسquot; ما دامت مصرّة على دخول المجلس التشريعي، الأعتراف بأن سلاحها يؤذي الفلسطينيين وقضيتهم. أنه سلاح مأجور يصب في مصلحة قوى أقليمية لا همّ اها سوى أن يكون الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا تخدمه في شيء، تماما كما يحصل حالياً في لبنان حيث السلاح الفلسطيني يساهم مع سلاح آخرين في زعزعة الأستقرار في البلد في خدمة أسرائيل ولا أحد غير اسرائيل.
لا يمكن الاّ التشجيع على أجراء أنتخابات فلسطينية بما يؤكد أن الكلام عن أن اسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة ليس صحيحاً. ولكن لا بد في الوقت نفسه من توظيف الأنتخابات في مشروع سياسي واقعي قابل للحياة. في حال لم يحصل ذلك، يمكن توقع المزيد من النكسات للقضية الفلسطينية، خصوصاً أذا ادت الأنتخابات الى دخولquot;حماسquot; الحكومة من دون التخلي الصريح عن شعاراتها الحماسية التي تعشقها أسرائيل مقدار عشقها للكلام الذي يصدر عن الرئيس الأيراني محمود أحمدي نجاد عن ضرورة نقلها الى قارة أخرى. ماذا سيختار الفلسطينيون في وقت يعاد فيه رسم خريطة الشرق الأوسط؟ هل يريدون أنتخابات من أجل تحقيق خطوة ولو متواضعة الى أمام أم أن الأنتخابات ستكون مناسبة للسير خطوات الى خلف، أي الى القرار الفلسطيني المعطل الذي يخدم كثيرين بأستثناء الفلسطينيين؟
التعليقات