راشد فايد
شهر الأمين العام الأشهر في هذه المرحلة سلاحاً جديداً في وجه مناوئيه السياسيين هو السؤال: quot;أنت من؟quot; وقد شهره، حتى الآن، مرتين وفي غضون أقل من أسبوعين.
الطريقة التي رفع فيها هذا السلاح، وفي المرتين، كانت تدّعي له الحق المطلق في تقويم الآخرين، وتحديد السوية التي بها تقاس ماهيتهم. وكانت ذخيرته، في المرتين، تأكيد احتكاره العداء لاسرائيل، ومصادرته مقاومتها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
وفي المرتين، بدا المشهد جزءا مقتطعاً من فيلم قديم عايشه اللبنانيون، وعاشوه، بين نهاية الستينات واشتعال شرارة الحرب عام 1975 حين احتكر طرف اصدار صكوك الوطنية اللبنانية، وصادر آخر سيف القومية العربية، يبارك به من يشاء، ويقيم الحد على من يشاء، وصمّ كل طرف آذان جماعته، بضجيج الشعارات العمياء التي تحول الجماهير الى قطيع تقوده الأحكام المسبقة، وتعطل عقله عن الاسئلة الوجودية: لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومن؟ ومتى؟
انتهاء زمن القطعان الذي دفعنا ثمنه غالياً، هو ما يفضي الى هذه الاسئلة التي تسبق quot;من انت؟quot;، وأهمها: لماذا استمرار المقاومة؟ وإلام نقاوم؟ وكيف نقاوم؟ وأين نقاوم؟ ومتى نتوقف عن المقاومة؟ وقبلها جميعا: أي لبنان نريد؟
لكن صرخة quot;من أنتquot; المفتعلة تريد اغفال اسئلة المنطق، وتحويل طرحها الى فعل خيانة، وتعميم التسليم به لتعطيل العقل الجمعي للبنانيين وادخالهم في حالة quot;نيرفاناquot; وذوبان نفسي في الرغبة في المقاومة، في المطلق. ومن لا يؤمن يمكنه قراءة ترجمة كلام الامين العام في خطبة لأحد نواب حزبه الذي يعد اللبنانيين باستمرار حمل السلاح الى ما بعد تحرير مزارع شبعا بحجة حمايتها لاحقاً.
وسلاح quot;من أنتquot; الجديد يرى قياس الامور بالعداء لاسرائيل وحدها، متناسياً ان معاداة الداخل، وتجاهل مصالحه أشد إيلاماً واعمق ثلماً. فالعداء لاسرائيل واجب، واقامة دولة والاعتراف بالوطن والمواطنية حق للبنانيين لا بد منه قبل أي واجب، وخصوصاً أنهم ليسوا مضطرين الى اثبات حسهم القومي وعدائهم للكيان الصهيوني، ولو ان quot;السيدquot; quot;انتقىquot;، يوم شهر سلاحه الجديد في المرة الأولى، التشكيك في عداء أحد أركان 14 آذار لاسرائيل، متجاهلاً غزله وحزبه مع ركن آخر للوحة السياسية اللبنانية، لم يكن بعيداً عن اسرائيل، وإن يكن في الصورة الخلفية في تلك المرحلة (يمكن مراجعة كتاب الصحافي الفرنسي آلان مينارغ بوثائقه عن الحرب اللبنانية والعلاقة مع اسرائيل).
quot;من أنتquot; سؤال يوجّه الى الجميع، مطلقه وسامعيه، ومقياسه ليس فقط العداء لاسرائيل، بل أيضاً، وقبله الحرص على الوطن، والافضل ان يطرح بلا ضجيج مفتعل حتى يستطيع السائل ان يفهم ممن ابتدع هذا السؤال - السلاح، ماذا فعل غير عشق القتال و تأبيد المقاومة؟ وماذا ينوي أن يقدم للوطن غير الدم والسلاح وماذا يخبىء للغد؟
والأهم من ذلك، هل يريد تحرير اراض لبنانية ام ينذر نفسه وحزبه لمهمة يعتقدها الهية هي تحرير كل ارض محتلة؟ وهل قراره نتاج لبنانيته، ام عروبته، أم إسلامه؟ وهل قراره وضعي، أم نور شقه الله في الصدر؟
quot;السيدquot; قلق مما سماه الحرب النفسية التهويلية. نحن لسنا بقلقين منها. نحن خائفون، وخصوصاً حين يصرح طرف ما أنه وحده يملك مفتاح الحرب الأهلية ولن يستخدمه. مع هذه الصرخة يزيد خوفنا اذ يحول ارادة رفض الحرب الى منّة أو عطية يقرر منحها وقد يأمر بمنعها بقوة سلاح اراه وراء ظهره.
quot;من أنتquot; سؤال لا يقاس به العداء لاسرائيل، لأن هذا من مسلمات كل لبناني، لكنه وقبل ذلك يجب ان يقاس به مدى الايمان بلبنان سيداً حراً مستقلاً ديموقراطياً لكل بنيه. فكل واحد منهم دفع ثمن غلطة الحرب، واستشهد من أجل لبنان لنكتشف بعد الثمن الغالي الذي سددناه، انه لبناننا جميعا وهو ما يجب ان يكون.
التعليقات