العلاقات الأمريكية الإيرانية تزداد توترا مع حلول الذكرى 25 لإطلاق سراح الرهائن
يحيى عبد المبدي محمد
بعد ربع قرن على هذا الحدث لا تزال العلاقات الأمريكية الإيرانية على نفس منوالها الشائك والمتوتر، بل زاد من توترها واحتمالات الصدام بينها الملف النووي الإيراني ووصول رئيس إيراني متشدد إلى سدة الحكم من جهة وازدياد نفوذ المحافظين الجدد في السياسة الخارجية من جهة أخرى. وفي مثل هذا اليوم وفي العشرين من يناير عام 1981 أطلقت السلطات الإيرانية سراح الرهائن الأمريكيين الذين تم احتجازهم لمدة 444 يوما في السفارة الأمريكية في طهران من قبل مسلحين إيرانيين اعتراضا على استقبال الولايات المتحدة للشاه المخلوع ورفض تسليمه إلى السلطات الثورية الإيرانية لمحاكمته.
بداية النفوذ الأمريكي في إيران
يرجع التاريخ الفعلي للاهتمام والنفوذ الأمريكي في إيران إلى عام 1953 عندما قام إدارة الرئيس أيزنهاور بالموافقة على الانضمام إلى خطة بريطانية (عملية أجاكس- Operation Ajax) لإسقاط رئيس الوزراء الإيراني ذي التوجهات القومية محمد مصدق ردا على قرارا الأخير بتأميم قطاع البترول. فقد قامت عناصر من الـCIA الأمريكية بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية بدعم ومساندة انقلاب الجنرال زاهيدي والذي أطاح بمصدق وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى العرش.
زاد النفوذ الأمريكي في إيران منذ الإطاحة بحكم مصدق. وشهدت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين طوال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات نجاحا وتفاهما كبيرين وقام الرئيس الأمريكي كل من أيزنهاور ونيكسون وكارتر بزيارة إيران أعوام 1959 و1972 1977 على التوالي. كما قام وزراء خارجية الولايات المتحدة بعدد كبير من الزيارات لطهران طوال تلك العقود الثلاثة، فقد قام جون دالاس بزيارة طهران في العام 1958 وقام كريستيان هرتر بزيارة طهران 1960، أما الوزير دين رسك فقد قام بزيارة إيران ثلاثة مرات في بين عامي 1963 و1965، وزار وليام روجرز طهران مرتين عامي 1969 و 1973، وقام هنري كيسنجر بزيارة طهران ثلث مرات أعوام 1973 و1974 و1976 وكان آخر وزير خارجية يزور إيران سيروس فانس في نهاية عام 1977. وظل شاه إيران طوال تلك الفترة أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مما حمل البعض على إطلاق لقب quot;شرطي أمريكا الأول في المنطقةquot; عليه.
في منتصف الستينات برز اسم رجل الدين الشيعي أية الله الخوميني كمعارض رئيسي لنظام الشاه. وشهدت إيران في السبعينات إرهاصات الثورة من خلال العديد من الاضطرابات والتظاهرات المعادية لنظام الشاه.
ربع قرن من العلاقات العدائية
شهد شهرا يناير وفبراير من عام 1979 أحداثا درامية متلاحقة بدء بإجبار الشاه على مغادرة إيران تحت ضغط الثورة الشعبية ثم عودة أية الله خميني من المنفى وإعلان جمهورية إيران الإسلامية. وكان من شعارات الثورة تسمية الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر.
لم تبد الولايات المتحدة ترحيبا أو ارتياحا تجاه الثورة الإسلامية في إيران خوفا من قيام دولة ثيوقراطية تهدد مصالحها في منطقة الخليج العربي، بل قامت إدارة الرئيس كارتر باستفزاز الطليعة الثورية في إيران باستقبال الشاه في22 أكتوبر من العام 1979 . الأمر الذي أدى قيام مسلحين إيرانيين في الرابع من نوفمبر باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز 90 رهينة تم الإفراج عن بعضهم خلال أسابيع من بداية الأزمة، بينما ظل 52 منهم محتجزين لمدة 444 يوما.
كانت مطالب المسلحين تتلخص في تسليم الشاه لمحاكمته وتقديم الولايات المتحدة اعتذارا عن quot;الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الإيرانيquot; على حد قول المسلحين. تم إطلاق سراح كافة المحتجزين في 20 يناير عام 1981 بوساطة جزائرية بعد محادثات مضنية وذلك في مقابل إلغاء الولايات المتحدة لقرار تجميد أرصدة وحسابات مصرفية إيرانية في الولايات المتحدة. وكان من نتائج الأزمة تدني شعبية الرئيس كارتر وسقوطه في انتخابات الرئاسة أمام رونالد ريغان.
رغم تأييد ودعم الولايات المتحدة لنظام صدام حسين في حربه ضد إيران التي امتدت بين عامي 1980 و1988، إلا أن إدارة الرئيس ريغان قد قامت في العام 1986 بتزويد إيران بصفقة صواريخ ومعدات عسكرية أخرى عرفت لاحقا بـ quot;فضيحة إيران كونتراquot;، وذلك بهدف قيام إيران بما لديها من نفوذ في لبنان آنذاك بمساعدة الولايات المتحدة في الإفراج عن رهائن أمريكيين في لبنان.
تميزت مرحلتي الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني ( 1989- 1997 ) والرئيس السابق محمد خاتمي(1997- يوليو 2005) بتراجع الحماس الثوري الإيراني وإتباع إيران لسياسات أكثر واقعية والبحث عن أرضية مشتركة للحوار والتفاهم مع الغرب عموما. ورغم التحسن النسبي في علاقات الولايات المتحدة بإيران ووجود اتصالات سرية وعلنية بين الجانبين أثناء هذه الفترات ، إلا أن أجواء التوتر والخلاف لم تهدأ خاصة في ظل محاولات إدارتي الرئيس كلينتون وجورج بوش الابن لدعم الإصلاحيين في إيران من جهة وإثناء إيران عن المضي قدما في برنامجها وأنشطتها النووية من جهة أخرى.
أحمدي نجاد يعيد تذكير الأمريكيين بالأيام الصعبة
على خلاف كافة التوقعات، أسفرت نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة عن فوز أحمدي نجاد أحد المحافظين المتشددين المخلصين لأفكار الثورة الإسلامية بمنصب الرئاسة في إيران في أغسطس من العام 2005. وقد أثار نجاد منذ توليه السلطة جدلا وانتقادات كثيرة حول تصريحاته المعادية لإسرائيل وانتقادات المتكررة لسياسات الولايات المتحدة وموقفه المتشدد إزاء حق إيران في امتلاك برنامج وأنشطة نووية يعتبرها ذات أغراض سلمية بينما تعتبرها الولايات المتحدة وسيلة لحصول إيران على أسلحة نووية. وصول نجاد إلى الحكم وتصريحاته وتشابه ملامحه مع صورة أحد المسلحين الذين احتجزوا الرهائن الأمريكيين في طهران منذ ربع قرن ، جعلت أحد المواطنين الأمريكيين كان من بين المحتجزين، أن يرفع دعوة قضائية ضد الرئيس الإيراني بصفته أحد الخاطفين كما أدى إلى قيام الحكومة الأمريكية بالتحقق من الأمر، فضلا عن استعادة الشعب الأمريكي لذاكرة حادثة احتجاز الرهائن والأوقات الصعبة.
هل يمثل البرنامج النووي الإيراني تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة؟
بدأ البرنامج النووي الإيراني عام 1974 بهدف بناء محطة طاقة نووية في ميناء بوشهر الذي يبعد 2300 كم جنوب العاصمة طهران بمساعدة تقنية ألمانية. توقف العمل في البرنامج بسبب أحداث الثورة الإسلامية ثم أعيد العمل في البرنامج عام 1992 في أعقاب توقيع اتفاق تعاون نووي مع روسيا. اتسعت البرنامج الإيراني بمرور الوقت ليشمل منشآت ومعامل الماء الثقيل وتخصيب اليورانيوم في أصفهان ونطنز وأراك.
بدأ الاهتمام بالملف النووي الإيراني والمخاوف من استخدامه في إنتاج أسلحة نووية تساور الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أوربا الغربية في السنوات الثلاث الأخيرة، ففي نهاية عام 2002 التقط قمر صناعي تابع لمركز أبحاث أمريكي صورا لمعمل الماء الثقيل في مدينة أراك. وفي عام 2003 أبدي مفتشي وكالة الطاقة الذرية مخاوفهم حول الأنشطة النووية في منشأة نطنز وأكد التقرير أن القرائن التي اكتشفوها في منشآت مختلفة تدل على أن إيران تدير برنامجا سريا لتخصيب اليورانيوم منذ 18 عاما.
والسؤال المهم في هذا السياق هو لماذا يخشى الغرب والولايات المتحدة خاصة برنامج وأنشطة إيران النووية.
تخشى الدول الغربية بصورة عامة من رغبة إيران في تطوير أسلحة نووية أو امتلاك القدرة على تطويرها في المستقبل ومن هنا تسعى الضغوط والمفاوضات لإثناء إيران عن برنامج تخصيب اليورانيوم . ولا تثق الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة بالنظام الإيراني ومراميه من امتلاك برنامجا نوويا . وتعتبر الإدارة الأمريكية أن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم يشجع دولا أخرى في المنطقة مثل مصر والسعودية على امتلاك قدرات نووية.
الولايات المتحدة تعتبر امتلاك إيران أسلحة نووية تهديدا استراتيجيا مباشرا لمصالحها في منطقة الخليج الغنية بمصادر الطاقة وللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المعروفة بكثرة الصراعات والقلاقل. فضلا عن التهديد المباشر لأمن إسرائيل حليفتها الإستراتيجية في المنطقة.
امتلاك إيران الإسلامية لأسلحة نووية يثير مخاوف الولايات المتحدة من احتمال وصول هذا النوع من الأسلحة إلى منظمات إرهابية في حالة تفاقم الصراع بين طهران وواشنطن في المستقبل.
هل تقدم الولايات المتحدة على قصف المنشآت النووية الإيرانية؟
مع قرار الحكومة الإيرانية استئناف أنشطتها النووية ونزع الأختام عن ثلاثة من مراكز الأبحاث النووية تمهيدا لاستئناف تخصيب اليورانيوم الأسبوع الماضي ، وفي حالة إصرار طهران على على عدم التراجع في هذا القرار ، فإن معظم المراقبين يتوقعون انهيار المحادثات الأوربية الإيرانية وأن تتفاقم أزمة الملف النووي الإيراني بتحويله إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على حكومة طهران وهو الرأي الحل الأمثل من وجهة نظر الباحثين الاستراتيجيين الأمريكيين ومنهم جورج بركوفيتش نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبير في شؤون الأمن النووي. وفي حالة فشل مجلس الأمن في فرض العقوبات أو حتى عدم جدوى نتائجها نظرا للعلاقات الإستراتيجية التي تربط إيران بروسيا والصين، فإن التصور السائد لدى الكثيرين هو أن تقوم الولايات المتحدة أو إسرائيل بالوكالة بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية على غرار قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981.
هناك من يؤيد هذا التصور في الإدارة الأمريكية ويسعى إلى تنفيذه رغم أن الموقف الرسمي للإدارة في أكثر من مناسبة على لسان كل الرئيس بوش ووزيرة خارجيته يفضل الجهود الدبلوماسية على الخيار العسكري مع عدم استبعاده.
البرغماتية هي الحل
لا يمثل الخيار العسكري الحل الأمثل للولايات المتحدة في سعيها لكبح جماح طموحات إيران النووية لأسباب كثيرة منها :
أولا: الخشية من تكرار التجربة العراقية وما نجم عنها من فوضى لم تستطع الولايات المتحدة السيطرة عليها إلى الآن، خاصة في ظل امتلاك إيران القدرات العسكرية والنفسية التي لم تكن متوفرة للنظام العراقي السابق.
ثانيا: اتساع رقعة وعدد المعامل والمنشآت النووية الإيرانية العلنية منها والسرية يجعل من توجيه الولايات المتحدة أو إسرائيل ضربة عسكرية على غرار قصف المفاعل النووي العراقي أمرا أكثر صعوبة وتعقيدا بل يمكن أن تكون نتائجه غير مجدية.
ثالثا: استخدام الخيار العسكري ضد إيران لن يجبر طهران على الإذعان للمطالب الأمريكية، بقدر ما سيزيد من تشدد النظام واتخاذ ردود أفعال حماسية تضر بمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
رابعا: يمكن أن يؤدي الخيار العسكري ضد الجمهورية الإسلامية إلى ازدياد مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي وإفساد خطط الدبلوماسية العامة للخارجية الأمريكية في معركة كسب العقول والقلوب.
وبناء على هذه المخاوف وغيرها يبدو أن الولايات المتحدة أقرب إلى إتباع نهجا برغماتيا في التعامل مع النظام الإيراني يتمثل في الضغط بالوسائل الدبلوماسية وتهديد إيران من مغبة فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية إذا ما تم تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن وفي المقابل تعرض على الجمهورية الإسلامية إقامة علاقات دبلوماسية وبعض المكاسب السياسية الإقليمية خاصة في العراق مع التعهد بدعمها اقتصاديا وتعويضها عن الخسائر التي ستلحق بها نتيجة تنازلها عن البرامج والأنشطة النووية أو بقبولها خضوع تلك المنشآت لمراقبة إشراف وكالة الطاقة الذرية.
التعليقات