الأربعاء:25. 01. 2006
ناصر الظاهري
كنت مخلصاً لوصايا الصديق، لكنني لم أستطع أن أتخلص من الفضول القصصي، فالنظرة البانورامية الفاحصة للوجوه طالت، لأنه لا يمكنك أن تقدّر أن هذا الصوت ذا الرنين النقدي، هو لذلك الجالس في طرف الطاولة أو لذلك السمين المتصدر، كانت أصواتهم تحمل النبرة ذاتها، ربما هو صمت المكاتب المصرفية التي يعملون فيها، فرض عليهم مع الوقت تلك النبرة المتشابهة والمحترمة، المهم بعد التقديم وأهمية الشركة والأهداف الاستراتيجية المنشودة، جاء دور القانونيين والمادة 17 والبند الثالث والنقطة ك وعطفاً على ما جاء في المقدمة والحيثيات وغيرها من الأمور التي تشعرك بالنعاس الذي عادة ما يأتي بعد ساعتين من الإفطار، فكيف إن كانت ترويئة لبنانية، بعدها جاء أصحاب الأرقام وفجأة تحولت تلك الطاولة إلى آلات حاسبة، فشعرت بغبن وكأنني في حصة الحساب المملة وشرح الأستاذ فايز، والتي تتمنى أن تمضي ساعتها دون أن تسأل أو يطلب منك الحضور إلى السبورةmiddot; كانت مهمتي واضحة والتعليمات الصادرة إليّ دقيقة وحاسمة، ولأدعهم في غيهم يعمهون، لكن الخوف أن يطرح عليك سؤال خارج النص، خاصة من ذلك الأشيب الذي يبدو أنه اشتغل محامياً لشركات عديدة أفلست من قبل، ونظراته غير المقتنعة بي كثيراً، محاولاً مراراً التودد له بابتسامة كاذبة والموافقة على آرائه غير الصائبةmiddot; تصنعت الصمت والوقار وهز الرأس خاصة إذا ما مر مصطلح اقتصادي إنجليزي أو أثناء شرح جوقة الجيل الجديد الوارم عبر برنامج باور بوينت وهو أمر لم يمنعني من استراق النظر إلى أحذيتهم العريضة وذات المقاس 45 وفوق والتي أرى أنها لا تتناسب وبدلهم، وتبدو مشتراة من محل واحد أو من دكانين متجاورينmiddot; أسهل شيء كان رفع اليد بالموافقة أو المعارضة، طبعاً كنت من حزب الموافقين على الدوام، لأن المعارضة تتطلب منك طرح فكرة مغايرة أو المدافعة عن لا النافية، ولما أحس الحضور بحماسي الزائد وأني مالئ يدي من الموضوع، أثنى عليّ بعضهم لتفهمي ويقيني من جدوى الدراسات التي قدمت بشأن المشروع، فرددت الشكر بأحسن منه، وبكلمات مضللة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل: يا أخوان كلنا جئنا هنا اليوم من أجل مصلحة واحدة مشتركة، يحدونا الأمل جميعاً أن نترجمها إلى نجاح لنا ولمشروعنا المستقبلي، الواعدmiddot; خرجت بعض الهمهمات وعبارات المديح والحماسة، وحده الأشيب ظل غير مقتنع، فشعرت حينها أنه يكرهني من بعيد لبعيد، لأنني ربما أشبه ابن عمه الذي يغار منه والمهاجر إلى البرازيل والذي توفق وكوّن ثروة يحسد عليها أو بسبب شيء من هذا القبيل، فرماني بجملة كالجمرة الخبيثة قائلاً: ولكن الأستاذ لم ينورنا بما يحمله في جعبته لمشروعنا، فأحسست أنه قليل الأدب وطفس، وإلا ما دخل الجعبة في مشروع اقتصادي استثماري، فصمت طويلاً، وقلت: يا أخوان نحن معكم قلباً وقالباً، ولكنني رجل عملي وكذلك في اعتقادي أنتم جميعاً، لذلك حينما حضرت اجتماعكم هذا ممثلاً عن مجموعتنا وكدت أقول القابضة، ثم تداركت الأمر، لأنها ربما لا تكون في محلها أو يمكن أن تلقي علينا بأعباء مالية إضافية، فاكتفيت بـ مجموعتنا حافة، وأردفت قائلاً: يا أخوان لقد جئت إلى هنا ومعي 30 شخصية اعتبارية لها وضعها المالي والاجتماعي ويريدون أن يشتروا في مشروعنا، وهؤلاء سيجرّون وراءهم شخصيات أخرى، فليت كل الأخوة المؤسسين لديهم مثل هؤلاء الزبائن المهمينmiddot; استبشر الجميع، وخرجت من الأشيب لأول مرة بسمة حامضة، استغللت الوضع الذي أحسب أنه كان في صالحي، وقلت: أتمنى أنني استطعت أن أجيب على تساؤل الأستاذ، والآن أعتقد أن الجميع وبعد هذه الساعات بحاجة إلى أمريكان كوفيmiddot;middot;
التعليقات