الأربعاء:25. 01. 2006
سعاد المعجل
يشكل الانتماء القبلي على وجه التحديد، نقيضا للديمقراطية، ومعوقا أساسيا لمؤسسات المجتمع المدني، لكننا وخاصة في المجتمعات الخليجية، لا نتوقف عن ترسيخ مثل هذا الانتماء وبصورة أصبحت تتعارض مع طموحاتنا الرامية الى اللحاق بركب المدنية وتيار الحداثة السائد، ولا يختلف في ذلك مثقف أو سياسي، أو مواطن عادي لا شأن له بما يحيط به من أمور.
مؤخرا نشرت جريدة laquo;الوطنraquo; الكويتية تحقيقا مع أحد laquo;شيوخraquo; القبائل الممتدة جذورها فوق أرجاء منطقة الخليج، يتحدث فيه عن تاريخ قبيلته ونسبها وأصلها بفخر، وكيف أن الزعيم الراحل laquo;جمال عبدالناصرraquo; ينحدر من فخذ ينتمي مباشرة الى قبيلة ذلك laquo;الشيخraquo;.
الانتماء بشكل عام، يعتبر حاجة غريزية تغذيها طبيعة تكون المجتمعات البشرية، لكنه ليس مفهوما جامدا، وإنما يتحرك ويتشكل وفقا لطبيعة الحياة وحركتها، لذلك فقد تحولت مسألة الانتماء في المجتمعات الغربية مع تحول تلك المجتمعات من مجتمعات زراعية تتحكم في علاقات أفرادها بعضهم ببعض مساحة الأرض الضيقة.
وهرمية العلاقة في المجتمع الزراعي، الى مجتمعات صناعية تضاعفت معها رقعة العلاقات جغرافيا وانعكست بصورة مباشرة على شروط وحاجة الانتماء لدى الفرد.
قد لا تزال هنالك صور للانتماء القبلي في الغرب، لكنها تبقى صورا محايدة أي أنها لا تتدخل في معايير تقييم الأفراد، ومن قلب مثل هذا التغيير شق الغرب طريقه في التحول الى مجتمعات حديثة وديمقراطية وحرة.
مشكلة مجتمعاتنا الأزلية أننا نصر على البدء من نقطة النهاية ندرك بأن الديمقراطية هي الحل، وأن الحرية هي الملجأ لكننا نفشل في كل بداية لأننا نجهل استخدام الأدوات ونمارس التغيير الشكلي البحت، بل وحتى في الكويت الدولة المعقل لأول تجارب الديمقراطية في المنطقة، لا تزال الانتماءات الشكلية من قبلية وطائفية هي التي تحدد أو تقرر أهلية الفرد للوظيفة وللقبول الاجتماعي.
إن أولى خطوات التحول الى مجتمع ديمقراطي حديث، ومساير للثورة البشرية الراهنة التي طالت كل المجالات، تكمن في إعادة النظر في عقلية وأسلوب تقييم الفرد بصورة لا تترك مجالا لأساليب التقييم التقليدية السابقة، والتي ربما كانت فاعلة في ظل ظروف مرحلية لم تعد قائمة إطلاقا.
أبناؤنا اليوم هم أبناء مستقبل يرسم شروطا مختلفة لأهلية الفرد في المجتمع، هؤلاء الأبناء هم الآن ضحايا لفوضى معايير الانتماء التي أصبحت تتقاذفهم، وتربك حساباتهم وأحلامهم المستقبلية.
قد لا يكون من السهل تغيير مفاهيم وشروط الانتماء خاصة في المجتمعات الخليجية التي شهدت قفزة مفاجئة من مجتمعات تتحكم في هوية الانتماء فيها هرمية العلاقة التي أفرزها اقتصاد صيد اللؤلؤ والتجارة، الى مجتمعات ثرية استهلاكية بفعل ثورة النفط.
على المجتمعات الخليجية أن تبدأ في تحديث شروط انتماء الفرد وأهليته، لأن ذلك هو منفذها الوحيد للحاق بركب الحداثة وتياره الجارف.
التعليقات