المعلوماتية وإشكاليات جديدة في الحقوق والحريات
إبراهيم غرايبة
هل من الممكن نشوء مجتمعات إلكترونية؟ وهل هذه المجتمعات المرتبطة بالفضاء الإلكتروني بإمكانها أن تحكم نفسها بطريقة ديمقراطية؟ إن العمليات التي يقوم بها مستخدمو الإنترنت تقع في المجالات التالية على الترتيب: بريد إلكتروني (72%) البحث لأغراض العمل (47%) البحث عن الأخبار والمعلومات الجديدة (38%) الدردشة عبر الإنترنت (22%) وكان عدد الذين شاركوا في الدردشة حول قضايا سياسية يساوي 4% فقط، وهي أرقام تشير إلى أن قيام مجتمعات عبر الإنترنت مازال مستبعدا، وقد ساعدت الإنترنت في تقوية العلاقات الأرضية (الانتماءات الجغرافية والسياسية والثقافية) ولكنها لم تنشئ مجتمعات وعلاقات قائمة على أساسها بالقدر الذي يمكن اعتبارها مجتمعات قائمة بذاتها، ولكن المجتمعات العادية تتغذى علاقاتها بالروابط الإلكترونية، ويمكن أن تضيف وسائل اتصال وعلاقات إدارية وشخصية، مثل التجمع وتحديد المواعيد وتبادل المعلومات، وأما المجتمعات الإلكترونية البحتة فهي نادرة جدا.
ومازالت نسبة استخدام الإنترنت على العلاقات والأنشطة اليومية والعادية كالجلوس مع العائلة وقراءة الصحف ومشاهدة التلفزيون ومقابلة الأصدقاء تبدو ضئيلة وغير مؤثرة، وقد وجدت دراسات أن استخدام البريد الإلكتروني عزز العلاقات والتواصل مع العائلة والأصدقاء.
ويتوقع أن تستخدم الإنترنت في المستقبل للتصويت والانتخاب والتشاور وجمع الآراء والتمهيد لاتخاذ قرارات، وهو إجراء مازال مشوبا باحتمالات الخطأ والتزوير ولكن يمكن مواجهة هذه المشكلة بدرجة تفوق التصويت من خلال الصناديق والمكاتب المخصصة لذلك.
ومازالت قضايا وتداعيات العولمة والمعلوماتية تثير قضايا وإشكاليات جديدة منقطعة الصلة بالماضي، وتفرض على الجيل الحالي تحديات كبيرة، فالعولمة مازالت مقتصرة على الاقتصاد والتكنولوجيا ولم تعن بالشؤون الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، نتيجة لذلك فإن قدرة الأشخاص في العالم على السيطرة على مصائرهم قد تضاءلت، فالحكومة الوطنية تصدر القوانين المختلفة، ولكن هذه القوانين تبدو غير فاعلة في عهد الإنترنت، مما يستدعي وجود هيئات دولية سياسية واجتماعية وأخلاقية تؤيد وتعزز هذه القوانين، ويكون مداها ونطاق عملها منتشرا بقدر انتشار التحديات، وتبدو القومية عقبة في طريق تطور هذه المؤسسات.
وفي كتابه quot;الخير العام: إشكاليات الفرد والمجتمع في العصر الحديثquot; يثير أميتاي إتزيوني قضايا جدلية بالغة الأهمية تحتاج المجتمعات والدول إلى التفكير بها والبت بشأنها، كيف يمكن لهذه المجتمعات أن توفق بين العام والخاص، وبين الدولي والمحلي، باعتبار أن هناك quot;خيرا عاماquot; مشتركا للجميع بين درجتي التسلط والاستسلام لما تفرزه هذه العولمة؟ كيف ستتعامل المجتمعات والدول مع قضايا مثل حق استهلاك المعلومات، وتداخلاتها مع حرية التعبير وحماية الطفولة، وحقوق المواطن وحقوق المجتمع تجاه ما تفرضه منتجات الاتصال الحديثة كالهاتف المحمول والإنترنت، وحدود المراقبة على الأفراد، ومدى ما يتسبب به اكتشاف الحمض النووي من تقييد لحريات الأفراد؟
بالطبع ثمة جدل قديم بين أنصار الحقوق والحريات المدنية والخصوصية وبين أنصار الصالح العام ومصالح المجتمعات وهما في كثير من الأحيان لا يختلفان، ولكن ثمة مناسبات كثيرة تدعو إلى النزاع والخلاف، ولكن هذه النزاعات أخذت منحى آخر بعد التسهيلات والفرص والإمكانيات الهائلة التي تتيحها الفضائيات والإنترنت وشبكات الاتصال وإمكانية تخطي القوانين والحدود الوطنية وتراجع فرص سيطرة الحكومات على تدفق المواد الثقافية والإعلامية والأموال والاتصالات.
وتستطيع المجتمعات أن تنشئ كثيرا من القيم والسلوكات التي وإن كانت تبدو أخلاقية فإنها تعزز الإنتاجية وتقلل من الجريمة وترشد الإنفاق الحكومي والمجتمعي.
ولكن يبقى ثمة مطالب واختلافات بين النزعة الفردية والخصوصية وبين المجتمعات، وحين تتعارض حرية التعبير مع حماية الأطفال، كيف يكون الحل لهذا الصراع؟ إن الإجابة السائدة والمبنية على استنتاجات علم الاجتماع هي أنه يوجد بالفعل مواد ثقافية مؤذية للأطفال، ومن ثم فيجب منع وصول هذه المواد إلى يد الأطفال.
ويميل دعاة التحرر المدني إلى اعتبار الأطفال راشدين ومعاملتهم على هذا الأساس، ولكنه موقف لا يمكن اعتناقه، فالقوانين السارية لا تتسع لتشمل الأطفال، بيد أنها تأخذ بعين الاعتبار واقع أن قدراتهم لا تزال في طور النمو، ولا مبرر للتعاطي مع الحق بحرية التعبير على نحو مختلف، فمن الجلي أن الأطفال مخلوقات قيد النمو، وهم في البدء يمتلكون القليل، إن لم نقل لا شيء البتة من مزايا الأشخاص الراشدين، ولكي ينمو الأطفال نموا سليما لا يملك الأهل والمربون والمجتمع الحق وإنما الواجب لتشكيل المحيط الثقافي حيث سيكبرون، أما التعرض غير المقيد للمواد الثقافية المؤذية ولا سيما تصوير العنف كما تثبت بعض البيانات بغض النظر عن العنف نفسه، فتقوض أسس نموهم السليم.
وفيما يكبر الأطفال وتتعزز قدراتهم يمنحون حقوقا أوسع نطاقا للتعبير، لكنهم يبقون في حاجة إلى بعض أشكال الحماية، وبالتالي فإن الطرق المثلى لحماية الأطفال وبدرجة أقل المراهقين هي تلك التي تفصل بين التحديدات بحسب الأعمار والتي تتداخل بأقل قدر ممكن مع حق الراشدين بالإطلاع على أي مواد.
ويجري استعمال مكثف لاختبارات الحمض النووي لبناء قاعدة معلومات واسعة عن الناس بهدف الدفاع عن السلامة العامة، وهو أمر موضع جدل بين أنصار الحقوق والحريات المدنية وبين أنصار السلامة العامة، فيرى مؤيدو الحريات المدنية أن الحقوق الفردية يجب حمايتها بحزم فتخص إجراءات السلامة العامة للمحاسبة والاختبار، ولكن الرأي المقابل يدفع باتجاه أن هذه الاختبارات تقلل من الجرائم وتساعد كثيرا في تحقيق العدالة، ويراها بعض الأكاديميين التقدم الأهم في تاريخ الطب والتحقيق الشرعي.
وقد يكون من المخارج ألا يسمح بإجراء الاختبارات على الأبرياء وألا يسمح للسلطة بالوصول إلى المعلومات المتعلقة باختبارات الحمض النووي التي أجريت لأغراض طبية أو عسكرية، ولكن ماذا عن انتهاك الحقوق الأساسية على يد المؤسسات الخاصة؟.
التعليقات