الغرب وايران والنفاق ازاء الطاقة النووية
خالد الحروب

أمريكا جورج بوش ومنذ وصول المحافظين الجدد إلى سدة الحكم ضاعفت من استخداماتها للطاقة النووية، ليس فقط في المجالات السلمية، بل في المجال العسكري أيضا. دونالد رامسفيلد ومنذ سنوات أقر سياسة جديدة للولايات المتحدة خاصة بالسلاح النووي محورها ضرورة توسعة الاعتماد على الأسلحة النووية في الاستراتيجية العسكرية الامريكية، سواء الردعية، أو تلك الحقيقية المتجسدة على شكل حروب. وما كشف عن بعض استخدامات اليورانيوم المنضب في حرب العراق هو واحد من التطبيقات المباشرة لتلك الاستراتيجية. في المجالات السلمية الأمريكية كتوليد الطاقة للقطاعات الصناعية يعتبر الاستخدام النووي حيوياً ومركزيا.

في بريطانيا توني بلير الأمر لا يختلف كثيرا. فاحدى توصيات الحكومة البريطانية في هذا المجال هو ضرورة تكثيف الاستفادة من الطاقة النووية كمصدر أساسي من مصادر الطاقة التي هي في غاية الأهمية للعملية التنموية والصناعية البريطانية. في طول وعرض أوروبا لا يختلف الأمر عن ذلك، فالطاقة النووية تدخل في قلب عملية التصنيع والتنمية الأوروبية.

في اسرائيل، حيث القصة الأكثر بشاعة في المنطقة، تحتل الطاقة النووية موقعاً أثيرا في الاستراتيجية الاسرائيلية العسكرية والمدنية على حد سواء. تفوق اسرائيل النووي اقليميا ليس سراً، بل فضيحة تدين كل الغرب الذي يتصايح الآن على ايران وبرنامجها السلمي للطاقة النووية. الغرب الذي يدين ايران ويحاصرها الآن بسبب طموحاتها النووية ويتهمها بأنها تخرق معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، لا يكلف نفسه عناء طرح السؤال الذي يتردد على لسان كل فرد في المنطقة برمتها، وكثيرين خارجها، وهو وماذا عن اسرائيل؟ اسرائيل ليست منضمة أساساً للمعاهدة المذكورة، أي أن جريمتها مضاعفة، فايران في المقابل عضو صادق على المعاهدة وهي منضوية تحت منظومة القوانين الدولية التي ترعى مسألة الحد من انتشار الأسلحة النووية. أي أنها طوعاً واختيارا تقبل بأن تطبق عليها بنود المعاهدة، وتقبل أن تفتح أراضيها للتفتيش الدولي، وقبلت أن تزورها فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن تختم بالشمع الأحمر كثيرا من مواقعها الخلافية. اسرائيل دولة خارجة عن القانون الدولي في أكثر من مجال، وفي المجال النووي تهزأ بكل الاتفاقات الدولية والمواثيق التي تنظمه. وهي بهذا المعنى (مع دول قليلة أخرى في العالم مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية) تستحق ادانة وملاحقة وحصار من النظام الدولي والشرعية الدولية، لاجبارها على الانضمام للمعاهدة ومن ثم فتح أراضيها أمام التفتيش حتى يقف العالم على حقيقة القوة النووية الاسرائيلية التي تضع كل المنطقة على حافة الخطر.

من حق ايران أن تستخدم الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، وليس من حق أحد الاعتراض عليها. وهي وحدها تقرر ما هو مناسب لخططها التنموية وما هي الطاقة الأكثر نجاعة والأقل كلفة والأسهل استخداماً. لكن مسألة تصنيعها لقنبلة نووية وامتلاكها لها أمر أكثر تعقيدا ويحمل منعكسات اقليمية عديدة. في المقام الأول يحمل المنطق الذي يقول ان ايران النووية ستخلق توازنا من نوع ما مع اسرائيل النووية بعض وجاهة. لكن مشكلة ايران المباشرة ليست مع اسرائيل رغم كل الرطانة القادمة من طهران. فايران الاسلامية مثلها مثل ايران الشاهنشاهية لم تستطع أن تخلق أجواء ثقة في محيطها وجوارها العربي. ومن السنوات الأولى للخمينية، سنوات تصدير الثورة، وحتى أيام أحمدي نجادي الحالية، حيث عاد منطق تصدير الثورة وأخواته ليسود التسيس الايراني مرة ثانية، لم تعزز ايران سوى الشك لدى الجار العربي. ليس هذا معناه أن الجار العربي كان ملاكاً ازاء ايران الاسلامية، فقد بادلها الشكوك أيضا، وشن عليها الحرب الصدامية البشعة التي لا مبرر لها. بيد أن جزءا كبيرا من المسؤولية تتحمله ايران في خلق مناخات متشككة في البيئة العربية المحيطة والمجاورة لها يظل كبيراً.

لم ترد ايران أن تخلق رأيا عاما عربيا يرتاح لها ولسياساتها وبالتالي يؤيدها في مواجهتها الحالية مع الغرب. ولم ترد أن تطمئن دول الخليج العربية من أنها لا تضمر الشر ولا الغطرسة اللذين ميزا سياسة ايران ما قبل الخمينية. ولعل المثل الأبرز كان ولا يزال متجسدا في موقفها من الجزر الاماراتية المحتلة، التي سممت علاقاتها ليس فقط مع الامارات بل وأيضا مع كل الفضاء الخليجي. ويُضاف إلى ذلك المثال التاريخي القديم الموقف الجديد ازاء التدخل في شؤون العراق والذي يقرأه العرب على أنه تجسيد للطموحات التوسعية الايرانية وخلق مناطق نفوذ في العراق تشجع على تقسيمه على أسس طائفية.

صحيح أن صناع السياسة في ايران يمتلكون قدرة كبيرة من الدهاء والذكاء بحيث يدركون أنهم يقامرون في المسألة النووية في التوقيت الأفضل بالنسبة لهم. فهم يعرفون أن الولايات المتحدة وأوروبا لا يستطيعان المضي بعيدا في المعركة مع ايران التي تلوي ذراعهم بسهولة في العراق. وصحيح أن ايران تستند إلى قوة المنطق مقارنة بالنفاق الغربي في المسألة النووية، مع وجود اسرائيل النووية إلى غربها. لكن تخطئ ايران ان ظنت أن الرياح قد تظل تهب على ما تشتهيه سفنها، أو على الأقل بنفس القوة التي تهب فيها الآن. فهناك أكثر من معوق موضوعي، أولها أن من يقود السياسة الايرانية الآن مراهق سياسي يوفر لخصوم ايران كل المسوغات التي تسرع وتسهل مهمة محاصرتها. ولسوف يحبط بتصريحاته وتطرفه الذي يوزعه يمينا ويساراً كل الحكمة والأناة والدهاء الذي أشتغل به الايرانيون في السنوات الماضية. ومن ناحية ثانية، ورغم أن اليد الغربية مغلولة وغير منفلتة لتفعل ما تشتهي ضد ايران بسبب نفوذ الأخيرة في العراق، الا أن الغرب بامكانه أن يضيق على ايران ويستصدر قرارات من مجلس الأمن تفرض عقوبات اقتصادية عليها. والعقوبات الاقتصادية، وكما توضح لنا جميعا من مثال العراق، ومثال كوريا الشمالية، تشل البلد والدولة مهما بلغت قوة حناجر السياسيين وتطرفهم في تحدي العقوبات. وعندها قد تنجح ايران في امتلاك القنبلة النووية، لكن ستكون قد اقتربت من وضع كوريا الشمالية التي تقف على شفير المجاعة: قوة نووية لكن مهترئة اقتصاديا وجائعة. وعلينا أن نتذكر دوماً أن الاتحاد السوفياتي لم ينهار لأنه لم يمتلك القنبلة النووية، لكنه انهار لأنه جاع واقتصاده دمر. طبعاً ليست ايران مثل كوريا، والنفط الايراني سوف يظل يوفر ورقة قوية بيد طهران لمواجهة أي تفكير بالعقوبات، أو لاستخدامه كسلاح في حال أقرت العقوبات. لكن ايران بلد ضخم من ناحية السكان أيضا، ولا يحتمل مقاطعة اقتصادية واسعة النطاق وطويلة الأمد. ايران المزدهرة اقتصاديا والمتقدمة علميا وحسنة الجوار لكن من دون قنبلة نووية، أي ايران على نمط كوريا الجنوبية، أفضل ألف مرة من ايران الجائعة حتى لو امتلكت قنبلة نووية، أي ايران على نمط كوريا الشمالية.

Email: [email protected]