الخميس:26. 01. 2006


عبدالوهاب بدرخان

التجربة التي عاشتها الكويت غير مسبوقة بظروفها وتفاصيلها، لكنها كانت متوقعة. خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومع الأزمات الصحية التي تعرض لها الأمير وولي العهد، كانت وراثة الحكم مسألة المسائل والشغل الشاغل للأسرة الحاكمة ولسائر الكويتيين المعنيين بالشأن العام. وبدا واضحاً أن المعالجة كانت تتطلب كسر الأعراف، وهذا أمر صعب على الكبار الذين ارتبطوا بتقاليد وأعراف مشفوعة بروابط عاطفية قوية، فيما ظل أمراً غير متاح للشباب الذين كانت تجربتهم ولا تزال في طور التكامل والانضاج. لذلك تغلب خيار ترك القدر يقول كلمته ويفعل فعله، وعندئذ ستتمكن الأسرة من مواجهة المشكلة استناداً الى دعامتين أساسيتين: الأولى ان الشعب متمسك بأسرة الصباح في الحكم، والثانية ان النظام ينطوي على ضوابط دستورية محكمة.

ويروي كثيرون أن الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، وبعد اشتداد المرض على الشيخ سعد العبدالله، اعتزم اعفاء ولي العهد وهمّ باصدار مرسوم بتعيين الشيخ صباح الأحمد ولياً للعهد رئيساً للوزراء. كان ذلك عشية تشكيل الحكومة الحالية التي أرفقت بتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء. لكن صباح الأحمد رفض بشدة هذا الاجراء، والأسباب عدة ومتداخلة لعل أهمها ما كان سماه أخيراً laquo;عدم جواز وراثة الأحياءraquo;، أي ضرورة احترام الأعراف وتعاقب الأجيال. لكن وفاة الأمير الشيخ جابر رتبت استحقاقاً يخضع لحسابات مختلفة، فالعرف والدستور حتما المناداة بولي العهد الشيخ سعد أميراً، إلا أن مصلحة البلد لا تجيز تنصيب أمير تحول حاله الصحية دون ممارسة مهماته.

وعندما اشتدت الأزمة في الأيام الأخيرة اختلطت الأوراق بين موجبات الأعراف ومعطيات السياسة، وما لبثت ان اختزلت في ثلاثة اسئلة: هل يستطيع الشيخ سعد أن يقوم بأعباء الامارة، وهل هناك مرشح آخر للامارة غير الشيخ صباح الأحمد، وهل تفضل الأسرة بحل من خارجها؟ كانت الاجابات بـ laquo;لاraquo; تستوجب تغليب الواقعية. ولولا تعقيدات خارجة عن ارادة صانعي قرار الأسرة لنجح الحل التوافقي بتنازل الشيخ سعد عن الامارة، إلا أن الظروف شاءت أن يكون لمجلس الأمة دور محوري في حسم الأزمة. وهو دور حاول المجلس ان يتجنبه، لأن لديه ميلاً فطرياً الى عدم التدخل في شؤون الأسرة ليتمكن من محاسبة الحكم في الشؤون العامة.

لا شك أن هذه الأزمة تتطلب الآن من الأسرة أن تعمد الى ترتيب laquo;استراتيجيraquo; لبيت الحكم. هناك من رأى في الصراع الأخير امتحاناً لـ laquo;عرفraquo; لم يتثبت تاريخياً بتناوب جناحي الأحمد والسالم على الامارة. وهناك من يرى في المرحلة المقبلة امتحاناً آخر لـ laquo;عرفraquo; آخر لم يترسخ بدوره وهو عدم جواز أن يكون الأمير وولي العهد من جناح واحد. لكن مهمة ترتيب البيت تتجاوز ذلك الى وجوب الاهتمام بتأهيل الشيوخ الطامحين في أروقة الحكم لتوسيع الخيارات بين الاكفياء، كما تتطلب تهدئة الصراعات لتصعيد جيل الشباب وتمكينه لأنه سيدعى الى المسؤولية في أجل قريب. ويفترض أن التجربة الأخيرة علمت الجميع أنه لا يجوز انتظار الأقدار.

صحيح أن مسألة laquo;التأهيلraquo; لم تهمل قصداً أو اعتباطاً، لكن محنة الغزو العراقي وظروف المرض أو الموت المفاجئ هزّت استقرار النظام وتوازنات الأسرة وأحدثت خللاً في التقدم الطبيعي لصفوف المؤهلين. يبقى أن هناك من استذكر وسط هذه الأزمة تجربة الأمير عبدالله الثالث الذي شكل مجلساً أعلى للحكم تتمازج فيه الأجيال، وقد استطاع هذا المجلس أن يدفع الى الحكم بعدد من الرجالات. قد يكون مفيداً تجديد التجربة بمعايير العصر ومتطلباته.