عمار تقي

غريب جدا اصرار بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية في أوروبا والولايات المتحدة على تأجيج حال الكراهية والعداء للاسلام والمسلمين في عيون الرأي العام الغربي، من خلال اتباعهم لمنهج مدروس ومتعمد للربط بين الاسلام والارهاب وابراز الدين الاسلامي، على انه دين عنف من اجل اذكاء مشاعر الكراهية والعداء للاسلام والمسلمين!
فلا يكاد يمر يوم في الغرب (وتحديدا بعد أحداث 11 سبتمبر الارهابية) الا وتتحفنا وسائل الاعلام الغربية المختلفة تحت شعار laquo;حرية الرأي والتعبيرraquo; بهجمات متنوعة ضد الاسلام، كان آخرها ما أقدمت عليه احدى المجلات النروجية بالاساءة البالغة الى مقام الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقد قامت مجلة laquo;ماغازينتraquo; النروجية باعادة نشر 12 رسما كاريكاتيريا (كانت قد نشرتهم صحيفة دانماركية في وقت سابق وأثارت ردود فعل واسعة) تتضمن اساءة بالغة للرسول الكريم (عليه وآله الصلاة والسلام) بدعوى laquo;حرية التعبيرraquo;! وذلك في أول أيام عيد الأضحى المبارك، في توقيت ينم عن اصرار وتعمد هذه المطبوعة المشبوهة على الاستهانة والاستخفاف بمشاعر ملايين المسلمين وهم يحتفلون باحدى مناسباتهم المقدسة, وتعود هذه الحملة القذرة التي شنتها الصحيفة النروجية ضد أقدس الرموز الاسلامية، الى شهر سبتمبر الماضي عندما قامت صحيفة laquo;نيولاندز بوستraquo; الدانماركية بنشر 12 كاريكاتورا في غاية الانحطاط والاستفزاز وبشكل بشع ومهين، لا تتضمن اساءة لمقام رسولنا الكريم (عليه وآله الصلاة والسلام) وحسب، وانما تحمل اساءة بالغة للدين الاسلامي وللمسلمين كافة في أنحاء المعمورة!!
هذا التطاول الوقح، وهذا الأسلوب الرخيص المبتذل، وهذا التجاوز الخطير للحدود والخطوط الحمراء كافة من قبل هذه الصحيفة (التابعة للتيار اليميني المتطرف في الدانمارك) بالتطاول على أقدس المقدسات الاسلامية، قد شكلت ردة فعل عنيفة ومستهجنة لدى أوساط الجالية الاسلامية في الدانمارك (الذين يقدر عددهم بنحو 180 ألف نسمة) مما جعلهم يتقدمون بشكوى جماعية الى الحكومة الدانماركية ضد الصحيفة, الا أن حكومة الدانمارك وللأسف الشديد، رفضت الشكوى المقدمة من الجالية المسلمة هناك، واعتبرت أن ما قامت به الصحيفة الدانماركية يندرج تحت باب laquo;حرية التعبير والرأيraquo;، وانه لم يكن المقصود منه الاساءة أوالتحقير! حتى أن رئيس الوزراء الدانماركي اندرز فوغ راسموسن الذي رفض مقابلة الوفد الديبلوماسي المكون من مجموعة من سفراء الدول العربية والاسلامية في كوبنهاغن للاحتجاج على ما أقدمت عليه الصحيفة الدانماركية، ذكر في معرض تعليقه على حادثة الرسوم الكاريكاتورية بأنه laquo;من حق كل شخص التعبير عن رأيه بحرية من دون أن يخشى التعرض لعمل ارهابيraquo;!
هذا الموقف السيئ والسلبي للحكومة الدانماركية يبدو انه شجع رئيس تحرير صحيفة laquo;نيولاندز بوستraquo; على نشر مقالة افتتاحية في صحيفته بتاريخ 30/11/2005 (بدلا من أن يقدم اعتذاره) استهجن فيها استنكار وغضب المسلمين للرسوم الكاريكاتورية، بحجة أن هذا الاستنكار ــ حسب زعمه ــ يتناقض مع مبادئ وحرية الرأي والتعبير! فقد ذكر رئيس تحرير الصحيفة بأن laquo;المسلمين هم هؤلاء الظلاميون القادمون بأفكار من العصور الوسطى، يعانون من جنون العظمة ويحتكرون سلطة التأويل الديني، ويعانون من حساسية مفرطة تجاه أي نقد يوجه لشخوصهم أو رموزهم او معتقداتهم,,, وهــؤلاء يحــملون ثـقافة دنيا وهي التي تدفعهم الى القتل والخرابraquo;!
أما في الولايات المتحدة، فيبدو أن بعض الشركات الاستهلاكية الاميركية لم تخرج ايضا عن نطاق حملة التشهير (المنظمة) التي يشنها الغرب ضد الاسلام، وذلك من خلال ترويج بعض المنتجات التجارية داخل السوق الاميركي بالشكل الذي يساهم على ترسيخ صورة العداء والكراهية للاسلام والمسلمين لدى الشارع الأميركي! فقد قامت شركة laquo;AaRon's raquo; الاميركية بانتاج مجموعة من المنتجات التجارية المسيئة للاسلام بشكل مقزز ومنحط وبذيء الى ابعد الحدود، وذلك كما جاء في التقرير الذي أعده الزميل حسن عبد الله في صحيفة laquo;الرأي العامraquo; الكويتية بتاريخ 14/1/2006، والذي أظهر فيه بعض الصور لتلك المنتجات الساقطة (ملابس وأكواب وساعات حائط وبلاط حمامات عليها صور لقصف الكعبة المشرفة بقنبلة نووية، وأخرى لخنزير يطلق النار على القرآن الكريم، وأخرى تظهر القرآن الكريم بوضع مهين جدا وغيرها من الصور المشينة)!
غريب حقا هذا التطاول السافر، وهذه الوقاحة التي صدرت من بعض المطبوعات الغربية والشركات الاميركية، تحت مرأى ومسمع حكوماتهم، والتي تعمل بجد ومثابرة على تشويه صورة العرب والمسلمين في عيون الرأي العام الغربي من خلال هجومهم الساقط على مقام الرسول الكريم (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) وعلى الدين الاسلامي من دون أدنى حياء أوخجل! والأغرب من ذلك هو اصرار وادعاء حكومات تلك الدول على أن ما حدث يندرج تحت شعار laquo;حرية الرأي والتعبير والديموقراطيةraquo; التي يتمتع بها المجتمع الغربي laquo;المتحضرraquo;!
ولكن كيف يعتبر هذا الغرب laquo;المتحضرraquo; أن اهانة المقدسات والرموز الدينية هو نوع من أنواع حرية التعبير والرأي؟ وكيف تسمح لهم ديموقراطيتهم laquo;المتحضرةraquo; أن ينالوا ويستهزؤوا ويسخروا بهذا الشكل المقزز بأقدس المقدسات الاسلامية من دون أدنى اعتبار لمشاعر ملايين المسلمين في أنحاء العالم كافة؟
بلا شك أن هذا الغرب laquo;المتحضرraquo; صاحب شعار الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان يعيش اشكالية رهيبة لمفهوم الحرية والديموقراطية، وخير مثال على هذا التناقض الصارخ هو القانون الذي صدر في الولايات المتحدة قبل نحو عامين، والذي يقضي بادراج الأنشطة والممارسات كافة التي تنتقد أو تتعرض في أي بقعة من بقاع العالم الى اليهود ضمن تقرير سنوي تصدره الخارجية الاميركية عن حقوق الانسان، يهدف الى مناهضة السامية ضمن اطار دولي يسمح للسلطات الاميركية بملاحقة أي فرد أو جماعة تنتقد اليهود (مجرد النقد)؟!
نعم ,,, هذا الغرب laquo;المتحضرraquo; الذي يمنع منعا باتا توجيه النقد لأي شخص يهودي عادي، نجده عندما يصل الأمر الى الهجوم السافر والساقط على مقام رسول الاسلام (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) أو الى اهانة كتابنا المقدس laquo;القرآن الكريمraquo; أو التطاول على مقدساتنا ومعتقداتنا ورموزنا الدينية، فانه يعتبر كل ذلك من باب laquo;حرية الرأي والتعبير والديموقراطيةraquo;!
حقا أي اشكالية رهيبة للحرية وللديموقراطية يعيشها هذا الغرب laquo;المتحضرraquo;!

كاتب كويتي