هدى الحسيني
عندما قامت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في السادس عشر من الشهر الجاري بزيارة الى موسكو، طلبت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الا يستهين بمواقف الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، إذ ان سياسياً غريب الاطوار وصل يوماً الى سدة الحكم في المانيا، ولم يأخذه احد في البداية على محمل الجد، كانت بالطبع تشير الى ادولف هتلر، وذلك السياسي الالماني تحالف مع الروس قبل ان يهاجم بلادهم. ثم سألت بوتين عن نوع الضغوط التي سيمارسها على ايران بدل نقل ملفها الى مجلس الأمن؟ قال بوتين انه متخوّف من ان تحويل ايران الى مجلس الأمن قد يدفعها الى الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، كما انه قلق من تحريك الحرس الثوري الايراني للمناطق الاسلامية في روسيا مما يسبب تداعياً سلبياً في الاوضاع الدولية.
قبل توجهها الى موسكو كانت ميركل تلقت اتصالا هاتفيا سريا من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، ابلغها فيه ان اي رفض بالتعاون من قبل روسيا والصين، سيشجع الايرانيين على الاستمرار في خططهم النووية، لأن طهران ستفسر بالتأكيد الفشل في صدور قرار دولي عن الامم المتحدة، بأنه بطاقة مجانية لمستقبل نووي.
لكن اثناء لقائه ميركل، قال بوتين،: إن الملالي غيرّوا رأيهم، او على الأقل صاروا يعتمدون استراتيجية مزدوجة، وانه على هامش احتفالات كازاخستان بالفترة الرئاسية الجديدة للرئيس نور سلطان نزارباييف، اكد له وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي ان الاقتراح الروسي لتخصيب اليورانيوم لايران فوق الاراضي الروسية، لا يزال من الاحتمالات الممكنة. ومع عودة ميركل الى برلين بلغها تطور آخر، فيوم الخميس الماضي كان وزير خارجيتها فرانك والتر شتايميير في مصر للقاء الرئيس المصري حسني مبارك والقاء كلمة في معرض للكتاب، وكون المصريين يعملون كمفوضين عن الايرانيين، فقد ابلغت الخارجية المصرية الوزير شتايميير عن استعداد ايران لمواصلة المفاوضات مع الترويكا الاوروبية (المانيا، وفرنسا، وبريطانيا)، خصوصاً حول الاقتراح الروسي لكن بشرط واحد ان يتم اشراك الصين!
في لقاء جرى الاسبوع الماضي مع مسؤول اميركي من مساعدي وزيرة الخارجية الاميركية، سألته عما اذا كانت الولايات المتحدة فاعلة بعد بدء انسحابها من العراق. قال الجنرال كيسي انه سيتم سحب فرقتين، ستركز على ايران، فأجاب: ان واشنطن لا تملك ترف تكتيف الايدي والانتظار. واستعرض المسؤول الاميركي كيفية التوجه الدولي والتفكير بإشراك دول عربية في الأزمة الدولية من الملف النووي الايراني، وأكد ان موسكو تعارض بشدة حصول ايران على السلاح النووي، ولكنها مع برنامج نووي لأغراض سلمية بسبب ما يدرّه ذلك عليها من المال، ولفت الى تصريحات وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل التي تعبّر عن قلق الدول الخليجية من امتلاك ايران للنووي ولو لأغراض سلمية، مذكِّرا بمفاعل تشرنوبيل. وتقوم الخطة الآن بتولي الدول الاوروبية واميركا إقناع روسيا والصين بطرح المسألة على مجلس الأمن، في حال عدم تراجع ايران، لإصدار قرار دولي يُحذر طهران من امكانية فرض عقوبات عليها اذا لم توقف وفي فترة محددة انشطتها النووية، وبذلك تصبح روسيا والصين ملتزمتين بإقناع ايران او العودة الى مجلس الأمن لفرض العقوبات. وتحث الدول الاوروبية واميركا الوكالة الدولية للطاقة النووية على اعداد تقرير يوصي بطرح المسألة الايرانية على مجلس الأمن.
الملاحظ ان تطورات كثيرة تحدث على جبهات متعددة، فالرئيس احمدي نجاد توجه الى سوريا لتأكيد العلاقة الاستراتيجية بين طهران ودمشق، وحزب الله اللبناني، والمنظمات الاسلامية الفلسطينية، اما اسرائيل فقد تبين ان رئيس الاستخبارات العسكرية الجديد الجنرال آموس يادلين كان قائد سرب الطائرات في الغارة الاسرائيلية على مفاعل اوزيراك العراقي، وذُكر في البحرين ان الحكومة هناك صارت على قناعة تامة بأن ايران تحث الشيعة البحرينيين على العنف في المملكة، وتبين ذلك بوضوح في التظاهرات التي جرت في التاسع عشر من الشهر الجاري، حيث اطلق المتظاهرون المقنعّون القنابل الحارقة على رجال الشرطة، ونشبت معارك عدة اضطرت بسببها بعض العائلات الى الهرب من بيوتها للنجاة بأولادها.وفاجأ الرئيس الفرنسي جاك شيراك يوم الجمعة الماضي المراقبين بتهديده ان بلاده ستلجأ الى السلاح النووي ضد اي دولة تمارس ارهاباً بمواد كيمياوية ام جرثومية في فرنسا. ليس من دولة مقتنعة بالنوايا السلمية لإيران وسيبدو ذلك جلياً في الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الاميركي جورج بوش في 31الشهر الحالي عن حالة الاتحاد، حيث من المتوقع ان يركّز على الخطر الايراني.
اما لماذا حذر الرئيس شيراك بأنه سيلجأ الى الاسلحة غير التقليدية ضد الدول الارهابية؟ ولماذا لاحقاً وافقت معه المستشارة الالمانية ميركل: laquo;إن ما قاله شيراك يتفق بالطبع مع المبدأ النووي المعمول بهraquo; وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير: laquo;إنني اشاطر شيراك الى حد بعيد ما قاله حول المخاطر الناتجة عن دول مارقة، تطور قدراتها بما يخالف واجباتها النوويةraquo;. إن الجواب عن كل هذه التطورات يكمن في طبيعة الاهداف النووية الايرانية، وحسب مصدر غربي فإن ايران تريد السلاح النووي ليس لمهاجمة اسرائيل بل لدعم توسعها لاحقاً. ذلك ان تصدير ايران للنفط سيتقلص الى الصفر في العشرين سنة المقبلة، في الوقت الذي ستتراكم فيه مشاكلها الديموغرافية مع التكاليف الباهظة لتأمين حاجات سكانها المسنين الامر الذي سيقضي على مالية الدولة. وحسب محدثي فإنه خارج حدود ايران الحالية تمتد منابع النفط في العراق، واذربيجان، وتركمانستان، وأبعد قليلا احتياطي النفط الضخم في المنطقة الشرقية من السعودية.والدول المحيطة بايران قلقة تماماً كما الغرب من تحولها الى قوة نووية. لذلك لم يكن مستغرباً التوافق الدولي الذي بدأ يتكون لإمكانية استعمال القوة ضد ايران، فبعد شيراك قال الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية لمجلة
laquo;النيوزويكraquo;، انه يمكن الاضطرار للجوء الى القوة لمنع ايران من الحصول على القدرات النووية، وقال وزير الدفاع الالماني، إنه لا يمكن التخلي عن الخيار العسكري، ونشرت مجلة laquo;بيلدraquo; الالمانية صورة لاحمدي نجاد الى جانب صورة لهتلر مع عنوان: laquo;هل ستدفع ايران بالعالم الى الهاوية؟raquo;.
لقد وقفت بعض الدول الاوروبية ضد الغزو الاميركي للعراق مطالبة بإثبات وجود اسلحة دمار شامل فيه، لكن، يبدو ان اغلب الدول الرئيسية الاوروبية وقعّت تقريباً على عمل عسكري ضد ايران وقبل حصولها على اسلحة الدمار الشامل، وذلك لأسباب كثيرة كلها تؤدي في النهاية الى النفط.
اولاّ، ان السعودية ودولة الامارات، ستكونان في خانة اكثر الخاسرين من ايران النووية، ولذلك هناك استغراب، انه في الوقت الذي تعمل السعودية ومصر على عدم تهديد سوريا، وتطرحان المبادرة تلو الاخرى لانقاذ نظامها، اختارت سوريا المراهنة مع الطرف الايراني، ويتساءل محدثي ـ المصدر الغربي ـ عما سيحصل في الدول العربية اذا ما نجحت ايران في نشر اللا استقرار في البحرين؟ ويواصل، انه في وقت ليس ببعيد ستبدأ الولايات المتحدة بتقليص او سحب كل قواتها من العراق، وتميل اكثر التكهنات الى نشوب حرب اهلية فيه، عندها ستوفر ذريعة الفوضى فيه الحجة لإيران كي توّسع وجودها هناك، وقد تتدخل عسكرياّ لمصلحة الشيعة. ويشرح محدثي، ان ما يسمى اذربيجان الآن كان ولقرون،المقاطعات الشمالية للامبراطورية الفارسية، ايران النووية قد تعيد احياء التطلعات الفارسية في استعادة جنوب اذربيجان، وحتى اليوم لا تزال ايران تطالب بحصة من نفط بحر قزوين في ظل الاتفاقيات السوفياتية-الايرانية الموقعّة عامي 1921و 1940. حاليا، ان العلاقات الآذرية-الايرانية جيدة، وتوفر ايران الغاز الطبيعي لبعض المناطق الآذرية التي تعاني من الحصار الارمني، وتدافع باكو العاصمة الآذرية عن برنامج ايران النووي، لكن مع الشح في الانتاج النفطي الذي ستتعرض له ايران في العقدين المقبلين، فإن مطالبتها بحصتها من نفط قزوين ستتجدد.
ان احمدي نجاد يعتقد ان المهدي المنتظر سيأتي ليحل كل مشاكل العالم، لكن الاحتمالات المستقبلية الايرانية تبقى متجهمة، من كثافة سكانية وانهيار اقتصادي، وتفكك ثقافي وربما اثني، وللقفز فوق المشاكل،ستلجأ ايران الى عمليات تدميرية ضد اسرائيل (هنا تأتي اهمية الجنوب اللبناني)، وضد الدول التي تمنعها من تحقيق طموحها النووي، لذلك جاء تحذير الرئيس الفرنسي. ويؤكد المصدر ان واشنطن ستقوم بعمل عسكري ضد ايران، إلا اذا تم اسقاط احمدي نجاد، ومع الاحتمالات بأن يصبح سعر برميل النفط 100دولار، ورغم ما سيسببه ذلك من عبء اقتصادي، فلا خيار آخر. في التسعينات اراد صدام حسين ان يسيطر على آبار النفط في الخليج واحتل الكويت، فكانت النتيجة المعروفة. ولا شي سيمنع تكرار السيناريو نفسه مع ايران، اذا اصرت مجموعة احمدي نجاد على احياء الامبراطورية الفارسية مطعمة بثورة اسلامية.
التعليقات