تيد غالن كاربنتر وجوستن لوغان
على الرغم من انتهاء الزوبعة التي أثيرت في الغرب حول الخلاف الذي نشب بين روسيا وأوكرانيا المتعلق بالغاز إلا أنه يبدو ان هناك مشكلة أبعد تتمثل في علاقة الدب الروسي مع الغرب فخلال الأشهر الماضية بدأ حلف الناتو يمد ذراعه الى أوكرانيا وجورجيا وهما من الجمهوريات السابقة فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سعيا لضم الدولتين إلى الحلف ، إلى جانب التلميح باحتمال تدخل الحلف في الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان ونزاعهما على إقليم ناغورنو كاراباخ ولسوء الحظ يبدو أن الروس في طريقهم إلى إظهار الصلابة في التعامل مع مستجدات الموقف .
وفي أعقاب ثورة الألوان في جورجيا وأوكرانيا - وكلتاهما على علاقة شائكة مع روسيا - بدأت الدولتان تمدان يد الصداقة إلى الناتو الذي أظهر حفاوة بالغة وترحيبا واسعا لاستقبالهما وهو ما جاء على لسان سكرتير عام حلف الأطلنطي جاب دى هوب سكيفر في كلمته لزعماء أوكرانيا في أكتوبر الماضي الذي أكد أن باب الناتو مفتوحا دائما في الماضي والحاضر والمستقبل أمام أوكرانيا وبعد أقل من أسبوع وجه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد نداء مشجعا لأوكرانيا شجعها فيه على الانضمام للحلف .
وفي نوفمبر استخدم سكيفر اللهجة نفسها في مناقشة احتمال انضمام جورجيا إلى عضوية الحلف وأن الباب مفتوح أمامها أيضا وأكثر من ذلك فقد ألمح الناتو إلى وجود احتمال قائم بإرساله قوات عسكرية إلى ناغورنو كاراباخ.
وأرى أنه على زعماء الحلف أن يوصدوا أبواب التوسع ، وبعد أن يأخذوا نفسا عميقا يشرعون في تحديد ماهية مهمة الحلف في الوقت الحالي وشئ آخر لا يقل أهمية تلك الحاجة إلى توضيح المبرر بأن مصلحة أميركا الخاصة هي أن يكتسب الحلف أعضاء جدد من دول هشة مايزال الغموض يحيط بمستقبلها تقع على الحدود الروسية .
وكان الهدف وراء إنشاء الناتو قد انتهى مع انتهاء الحرب الباردة ، ولم يعد هناك ثمة خطرا على الغرب من قيام روسيا بشن هجوم ضده وبدلا من حل الحلف راح يضع لنفسه مجموعة متشعبة من المهام لا تمت بصلة إلى الهدف الأصلي الذي أنشئ من أجله دون أن يضع تعريفا محددا لدوره الجديد والواقع أن علاقة الحزب مع روسيا غير جيدة ، ففي أواخر التسعينيات أثار الحلف حالة من الاستياء والغضب لدى روسيا بالتفافه على مجلس الأمن وشنه هجوما على صربيا حليف روسيا والآن يسابق الحلف الوقت في سعيه لاستقطاب دول كانت في السابق أعضاء في الكتلة السوفيتية .
وقد أعرب بعض مؤيدي التوسع في الحلف عن دهشة في غير موضعها إزاء احتجاج روسيا على عملية التوسع فبضمه جمهوريات البلطيق يكون الحلف قد توغل إلى أعماق دول كانت في السابق خاضعة للهيمنة الروسية .
ومن ناحيتهم فقد حذر نيكولاي بورديوزا الناطق باسم منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحت قيادة روسيا من مغبة وجود قواعد للحلف تحيط بروسيا وشدد على أنها تمثل تهديدا للأمن الروسي.
ويبدو أن روسيا كأي دولة أخرى قد أثير قلقها إزاء مساعي القوة العظمى لتوسيع الضمانات الأمنية ومد جسور التعاون العسكري على حدودها ومع استمرار الناتو في توسعاته رحبت الولايات المتحدة بثورات الألوان وقدمت دعما مباشرا في بعض الحالات وهو ما تنظر إليه موسكو على أنه أمر خطير .
والناتو ليس مجرد ناد سياسي ولكنه أيضا تحالف عسكري يتضمن ميثاقه التزامات جوهرية على الولايات المتحدة فالمادة الخامسة تقول إن أي هجوم على إحدى دول الحلف هو هجوم على جميع الأعضاء ، ومعنى ذلك أن الولايات المتحدة ملزمة بالدفاع عن أي دولة في الحلف بصرف النظر عن حجم تلك الدولة أو ثقلها من النواحي العسكرية والاقتصادية وخلافه وهذه الالتزامات ممتدة إلى الأبد ، وهنا مكمن الخطر.
فحقيقة أن حجم خطر الدخول في صراع مع روسيا يبدو ضئيلا على المدى القريب ، كما أن الجيش الروسي لا يسعه بوضعه الحالي مواجهة نظيره الأميركي ناهيك عن السياسة المفاجئة التي نهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتركيز جهوده على تأمين النواحي الاقتصادية وتحقيق الاستفادة السياسية من الولايات المتحدة وحلفائها ، إلا أن أحدا لا يدري كيف ستكون سياسة الرئيس القادم بعد بوتين ، وما هو توجه البيئة السياسية الروسية بعد عقد من الزمن .
ونحن لسنا بحاجة الى التودد الى روسيا بيد أن توخي قدر معقول من الحذر والاعتبار هو امر مطلوب ، والحق في جانب روسيا مع ما يسايرها من قلق حول تحركات الناتو ، فمن بالضبط هو الطرف الذي يقف ضد أوكرانيا وجورجيا وغيرها من الدول المحتمل انضمامها الى ركب الناتو ؟
وقد يكون الغرب قادرا على المضي قدما في توسيع عضوية الناتو وإثارة غضب روسيا والدخول في ضمانات أمنية مع دول تقع على حدودها بيد أن هذا التصرف لن يجد مبررات له إذا ما وضعنا في الاعتبار مسألة التعاون الروسي لمنع الانتشار النووي والإرهاب وقضايا أخرى على قدر من الأهمية للولايات المتحدة وإذا ما قدرت الولايات المتحدة تلك الجوانب ناهيك عن اتفاق سلام طويل الأمد مع روسيا فعليها أن تتقرب إلى روسيا بدلا من أن تثير نوازع غضبها.
التعليقات