الجمعة:27. 01. 2006
يوسـف إبراهيم
لقد جاءت بداية هذا العام وهي تحمل من الحزن أكثر مما فعلت نهاية العام الماضي middot;2005 وهناك الكثير من الشواهد والأدلة على أن منطقة الشرق الأوسط الكبير، ستشهد المزيد من الاضطرابات والكوارث، بسبب مواقف وتوجهات القيادات السياسية فيهاmiddot; ففي طهران، كرر الرئيس محمود أحمدي نجاد مجدداً خلال الأسبوع الماضي، تحدياته ودعوته لأوروبا لاستعادة مهاجريها اليهود الذين شقوا طريقهم إلى إسرائيلmiddot; وفي الاتجاه ذاته أنشأ الرئيس الإيراني منتدى جديداً لمناقشة ما إذا كانت جرائم الهولوكوست قد وقعت بالفعل، وما إذا كان النازيون قتلوا نحو ستة ملايين يهودي بالفعل أم لا؟ وفي الجانب الآخر هدد الرئيس الإيراني برفع أسعار النفط أكثر مما هي عليه الآن، وذلك عن طريق خفض الإنتاج الإيراني من النفطmiddot; وما دام الحال هكذا، فإن على المرء أن يتساءل حقاً: إلى أين يريد أن يمضي، بكل هذه التصريحات والنوايا؟!
فهل يعتقد الرئيس نجاد أن الإسرائيليين البالغ تعدادهم نحو 5,5 مليون نسمة وأفراد جيشهم -الأكثر قوة في المنطقة كلها، والجيش الرابع عالمياً- سيلبون نداءه ويحزمون أمتعتهم ليودعوا الشرق الأوسط في طريق عودتهم إلى الدول الأوروبية التي جاءوا منها؟ وهل يدرك السيد نجاد أن العالم الثالث وليس الغرب هو الذي سيتحمل وزر وتبعات وآلام ارتفاع أسعار النفط العالمي؟ وبالطبع فإن في كل هذه المواقف والتصريحات ما يدفع بإيران إلى جبهة المواجهة مع الغرب، علماً بأن المتضرر الأول فيها هو الاقتصاد الشرق أوسطي، واستقرار المنطقة، وبالتالي استقرار إيران نفسهاmiddot; أما في دمشق، فقد أدلى الرئيس بشار الأسد بخطاب شديد آخر أمام اتحاد المحامين العرب يوم السبت الماضي، تعهد فيه بتحديه للجنة التحقيقات الدولية في الملابسات والاتهامات المنسوبة إلى بلاده في حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريريmiddot; والواقع أن سوريا تستند على حليف واحد تقريباً اليوم هو إيرانmiddot; وليست في طهران وحدها قاعدة تحالفية تكفي دمشق، على رغم الخطابية ولغة الشعارات التي سادت اجتماع المحامين العربmiddot; والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن سوريا لم تعان من ظرف إقليمي ودولي صعب مثل الذي تعانيه اليوم، خاصة وهي بحاجة إلى القوة التي تلزم لخوض معركة بكل هذا الحجم والشراسةmiddot;
ولعل الأكثر أهمية من كل هذا، أن الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية المقبلة، ستجري لأول مرة في غياب الثنائي القيادي التقليدي، ياسر عرفات وأرييل شارونmiddot; ويعني هذا عودة الطرفين إلى نقطة البداية، بكل ما في عودة كهذه من خسارة على الجانب الفلسطيني، على نقيض الفائدة التي يحققها الإسرائيليونmiddot; والأسوأ بالنسبة للفلسطينيين أن معظم الأصوات الانتخابية ستكون لصالح حركة ''حماس'' التي لا تزال تتبنى سياسات ''الكفاح المسلح'' ضد إسرائيل وترفض إبرام أية صفقة سلام معها في حين يتردد على ألسنة الكثير من قادتها، ما يؤكد رغبة الحركة وعزمها على تحرير كل شبر من تراب فلسطينmiddot;
غير أن كل عربي واقعي يدرك اليوم أنه ليس لـ''حماس'' من الوسائل ولا السلاح ولا القوة ولا الدعم العالمي ما يمكنها من تحقيق أي من طموحاتها ومبادئها الخيالية الحالمة هذهmiddot; أما الأمر الثاني الذي يدركه الواقعيون العرب، فهو أن لإسرائيل من القوة والسلاح والإرادة السياسية، ما يمكنها من تشديد قبضتها على أراضي الضفة الغربية، بل ومن إعادة احتلال قطاع غزة الذي انسحبت منه انسحاباً أحادي الجانب قبل بضعة أشهر مضتmiddot; ولما كانت هذه هي الحقيقة الساطعة التي لا سبيل لتجاهلها، فما هو المنطق الذي تستند عليه ''حماس'' وما هي الأهداف التي يصوت من أجلها الناخبون الفلسطينيون؟
وعلى امتداد ما يزيد على 50 عاماً، من تنامي القوة العسكرية الإسرائيلية واستمرار التأييد الغربي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واستعمار الفلسطينيين كشعب، فقد واصلت كل من حركتي ''حماس'' و''فتح''، عجزهما عن بلورة استراتيجية واضحة ومتماسكة، أو تبني خطط وتكتيكات من شأنها تمكين الفلسطينيين من إبرام صفقة سلام مع عدو، ثبتت استحالة هزيمته عسكرياًmiddot; وبدلاً من ذلك فقد سادت ثقافة سياسية في أوساط الفلسطينيين، قوامها الجأر بالشكوى والتظلم، مقترناً بمصاعب المسؤولية وعبء القيادةmiddot; وللأسف فقد أصبحت هذه الثقافة بمثابة استراتيجية فعلية محركة للسياسات الفلسطينيةmiddot; وعلى الرغم من كثرة وتتالي القرارات الدولية التي تدعم الموقف الفلسطيني، إلا أن الحصيلة النهائية لتلك القرارات هي أن أياً منها لم ينفذ مطلقاً على أرض الواقع، والمؤسف أنها لن تنفذ يوماً، لا في المستقبل القريب ولا البعيدmiddot; وبالقدر ذاته يدرك العالم كله حقيقة أن الفلسطينيين هم ضحايا العدوان والاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الذي ينقص ويقلل من أهمية هذا الاعتراف بالحق الفلسطيني السليب، هو غياب التأييد الفعلي والثابت لهذا الحق، والعمل من أجل استرداده لأهلهmiddot; وفي هذه الحالة، فإنه لا يكفي الضحية أن تتدثر بثياب الضحية والحق الجريح، دون أن تكون لها استراتيجية واضحة تدافع بها عن نفسها وحقوقها المسلوبةmiddot; وفي هذا فإن الذي يستعصي تماماً على الفهم، ما يردده قادة كل من حركتي ''حماس'' و''فتح'' المتنافستين، من حديث قليل الجدوى والمردود عن استراتيجية الكفاح المسلح!
فالحقيقة هي أن الكفاح المسلح لم يكن سوى كارثة في غالب الأحيانmiddot; وعلى رغم صحة بعض ما تقوله ''حماس'' عن أن السلاح هو الذي أرغم الإسرائيليين على الانسحاب من قطاع غزة، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن بنادق ''حماس'' نفسها، ألحقت ضرراً فادحاً بحياة المجتمع الفلسطيني وبصورة الفلسطيني في المرآة العالميةmiddot; وبسبب العمليات التفجيرية التي ينفذها مقاتلو ''حماس'' وغيرها، توطد التحالف الأميركي- الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، إلى جانب تعاطف الأوروبيين أيضاً مع إسرائيل بسبب الهجمات التفجيرية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليينmiddot;
هذا ولا يزال القطاع خارجاً عن السيطرة الإدارية والأمنية والسياسيةmiddot; وفي وسع الفلسطينيين أن يتجهوا بأنظارهم شرقاً باتجاه الضفة الغربية، ليروا كيف تتناثر وتنتشر فيها المستوطنات الإسرائيلية، وكيف أصبحت اليوم مدينة القدس العزيزة على نفوسهم، تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى! وربما لا تزال تسيطر على خيال ''حماس'' وفكرها وآيديولوجيتها وعقيدتها العسكرية، سابقة طرد ''حزب الله'' للإسرائيليين من لبنان وتحريره من الوجود الإسرائيليmiddot; وبالاستراتيجية ذاتها، ربما تفكر ''حماس'' في طرد إسرائيل من القدس، وتحريرها من أي وجود إسرائيلي فيهاmiddot; غير أن الحقيقة التي لابد من مواجهتها والاعتراف بها، هي أن حركة ''حماس'' ليست ''حزب الله'' وأن فلسطين ليست لبنانmiddot; فهل تكف العناصر الفلسطينية المتشددة عن استراتيجية الوهم، وتشرع في تبني ما يفضي إلى إيجاد تسوية سلمية لنزاع لا سبيل لتحقيق فوز عسكري فيه على العدو؟
التعليقات