الجمعة:27. 01. 2006
د.رغيد الصلح
جرت الانتخابات الفلسطينية وسط تنافس شديد بين الحركتين الرئيسيتين اللتين تتقاسمان الساحة الفلسطينية: فتح وحماس. إن قادة فتح يؤكدون، كما فعل محمد دحلان، وزير الشؤون الفلسطينية السابق، في مقابلة مع التلفزيون البريطاني (بي. بي. سي) ان فتح سوف تفوز بأغلبية المقاعد النيابية في المجلس التشريعي المقبل. إلا أن الاستطلاعات التي جرت قبل الانتخابات لا تؤكد هذه التوقعات. أكثرها يدل على أن الحركتين سوف تفوزان بعدد متقارب من الأصوات، بينما لا يستبعد البعض أن تفوز حماس في السباق الانتخابي، كما حصل خلال الأسابيع الفائتة عندما سجلت فوزاً كاسحاً في الانتخابات المحلية.
سواء فازت حماس بعدد متواز من المقاعد النيابية مع فتح او سبقتها في هذا المضمار فإن هذه الاحتمالات تثير أسئلة كثيرة حول مستقبل القضية الفلسطينية. وتذهب هذه الأسئلة في وجهتين رئيسيتين: الأولى، إذا فازت حماس بأكثرية المقاعد النيابية فإنها من حقها ان تقود السلطة الفلسطينية وأن تشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة، فإذا فعلت ذلك- وهنا السؤال المهم- ماذا يكون موقف حماس من الديمقراطية الفلسطينية؟ هل تبني سلطة دينية أم ديمقراطية؟ أم تسعى الى التأليف بينهما؟ هل تعتبر الشريعة مصدراً للتشريع، أم تعتبرها المصدر الوحيد له؟ وإذا استقرت حماس، منفردة او مع حلفاء لها في السلطة، فهل تلتزم بمبدأ تداول السلطة ام تفعل كما فعل الشيخ حسن الترابي في السودان عندما انقلب على النظام الديمقراطي البرلماني بعد ان استقر في الحكم؟
الوجهة الثانية التي تسير فيها مجموعة أخرى من الأسئلة هي: هل تلتزم باتفاقية السلام مع ldquo;اسرائيلrdquo;؟ هل تدخل في مفاوضات معها؟ وكيف يؤثر ذلك كله في المقاومة الفلسطينية؟ هل تستمر المقاومة في عملياتها ضد الأهداف ldquo;الإسرائيليةrdquo; بينما تفاوض، أم تجمد عملياتها أو تحد منها بهدف خلق مناخات تفاوضية؟
الإجابات عن النمط الأول من الأسئلة تندرج في إطار نوعين رئيسيين من التوقعات والسيناريوهات. ذلك بأنه اذا نجحت حماس في الحصول على اكثرية نيابية في فلسطين وإذا تمكنت من تشكيل حكومة موالية لها، تسجل اختراقاً مهماً في المنطقة العربية، حيث أقيمت الحواجز في كل دولة عربية تقريباً للحيلولة دون وصول التيار الديني الى السلطة. وإذا تمكنت حماس من السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية في الاراضي الفلسطينية، وإذا اتبعت السابقة الترابية، فإنها توجه الى العملية الديمقراطية في فلسطين والمنطقة العربية وفي نفس الوقت الى التيار الإسلامي العربي ضربة كبيرة يدفع الفلسطينيون ثمنها المباشر. أما إذا تصرفت حماس كحزب اسلامي ديمقراطي يلتزم التزاما دقيقا بالمبادئ الديمقراطية، فإنها تكون قد فتحت الباب أمام تطور سياسي فلسطيني وعربي مهم، فتدفع بعملية الدمقرطة الى امام وتزكّي دور تيار الإخوان المسلمين فلسطينياً وعربياً وتسقط مخاوف العديدين من ان يؤسس التيار الديني العربي لقيام موجة جديدة من الانظمة الاستبدادية في المنطقة.
النمط الثاني من الأسئلة يندرج أيضاً في إطار توقعات تتراوح بين توقعين رئيسيين. فإذا اسفرت الانتخابات الفلسطينية عن فوز حاسم لحماس مكنها من السيطرة على مواقع القرار، وإذا ما تبع ذلك استمرار في عمليات المقاومة واحتضان لها من قبل السلطة الفلسطينية، تدخل العلاقات الفلسطينية - ldquo;الاسرائيليةrdquo; مرحلة شديدة التوتر، وتحتدم الصراعات المسلحة بين الطرفين. أما إذا التزمت حماس باتفاقيات وبعملية السلام مع ldquo;اسرائيلrdquo; ووافقت على التفاوض معها وبمبدأ دولتين على الأراضي الفلسطينية، وإذا أوقفت أو جمدت عملياتها ضد ldquo;اسرائيلrdquo;، فإنه لا يستبعد ان تخف حدة التوتر بين ldquo;الاسرائيليينrdquo; والفلسطينيين وأن تهدأ الصراعات المسلحة بينهما.
النمط الأول من الأسئلة والتوقعات هو موضع متابعة المعنيين بمستقبل الديمقراطية في فلسطين والمنطقة العربية، وهؤلاء يشكلون عددا محدودا من الفاعلين الديمقراطيين الدوليين والعرب والفلسطينيين، وبينهم منظمات دولية وعربية وفلسطينية، ولكن تأثيرهم يبقى محدوداً، خاصة بالمقارنة مع النمط الثاني من الاسئلة والتوقعات. فهذا النمط الأخير من التوقعات تتداوله عادة القوى النافذة المعنية بالعلاقات ldquo;الاسرائيليةrdquo;- الفلسطينية، وبأمن ldquo;اسرائيلrdquo; واستقرارها تحديدا، وفي مقدمة هذه القوى الإدارة الأمريكية التي صنفت حماس سلفاً على انها منظمة ارهابية، وأعلنت انها ستقاطع السلطة الفلسطينية وتحجب عنها المساعدات، حتى إذا كانت شريكاً في السلطة وليس مسيرا لها فحسب. كما ان ادارة بوش عبرت عن هذا الموقف بتقديم المساعدات المادية الى جماعات انتخابية تنافس حماس منها فتح او بعض مرشحيها على الأقل.
وهذا التصنيف لحماس والموقف منها لم يستندا الى المعايير الديمقراطية، ولا الى منظور مفهوم حول الدمقرطة في المنطقة، ولا الى مسعى لتطوير مواقف الجماعات السياسية والكتل الشعبية من مسألة التحول الديمقراطي. بل إن هذا الموقف لم يكن رد فعل على عمليات مسلحة قامت بها حماس ضد أهداف امريكية، بل أتى في سياق محاربة اية قوة تناهض الاحتلال ldquo;الاسرائيليrdquo; للأراضي الفلسطينية. فالموقف ضد حماس لا يختلف في جوهره عن الموقف ضد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي رفضت ادارة الرئيس الامريكي بوش التعاون معه رغم انه كان يتمتع بتأييد اكثرية الشعب الفلسطيني. وموقف إدارة بوش السلبي ضد حماس لا يستقيم مع موقفها تجاه ارهاب الدولة التي تمارسه الحكومة ldquo;الاسرائيليةrdquo;، ولا مع موقفها تجاه منظمات يصح تصنيفها بالمنظمات الإرهابية مثل بعض المنظمات الشيشانية التي اتهمت بالقيام بأعمال ضد المدنيين في روسيا، او منظمات ايرانية تتهمها الحكومة الإيرانية بالقيام بأعمال مماثلة في إيران.
اذا كان الالتباس في تقييم نتائج الانتخابات الفلسطينية والتوقعات حول مستقبل علاقة حماس بالسلطة يؤثر سلبا في التطور الديمقراطي في فلسطين والمنطقة العربية، فإنه من مصلحة المعنيين بهذا التطور ان يميزوا مواقفهم من هذه الأحداث بصورة صريحة وحازمة عن مواقف الإدارة الأمريكية وأن يشددوا على المعايير الديمقراطية والوطنية في قياس نتائج الامتحان الكبير الذي دخلته القوى السياسية الفلسطينية، وأن يقيموا هذا الحدث من زاوية تأثيره في التحول الديمقراطي في المنطقة، أي من خلال تأثيره في مستقبل حرية الفلسطينيين والعرب شعوباً وأفراداً.
* كاتب لبناني
التعليقات