الأربعاء: 2006.05.31


د. رجاء النقاش



في الأسبوع الماضي صدر الحكم في قضية شغلت الرأى العام في مصر لأكثر من عامين، وهي قضية الطفلة laquo;ليناraquo; التي بقيت طوال هذه الفترة دون ان تستطيع امها إثبات نسبها إلى والدها أحمد الفيشاوي، وهو فنان شاب وابن فنان معروف هو فاروق الفيشاوي وجاء حكم محكمة الاستئناف بثبوت نسب الطفلة laquo;ليناraquo; إلى والدها ليصبح اسمها في الأوراق الرسمية بعد صدور الحكم هو laquo;لينا أحمد فاروق فهيم الفيشاوىraquo;.

قد ترك هذا الحكم الذى أصدره قاضي محكمة استئناف الأحول الشخصية المستشار أحمد دبوس في نفوس الناس إحساسا عاما بالراحة والرضا، فقد كان حكم القاضي حكما شجاعا، حيث انه استند إلى الأدلة الموضوعية الموجودة بين يديه، وقام بدراسة شهادة الشهود بعناية ودقة، ولم يستمع إلى آراء المتحذلقين الذين يتمسكون بالشكليات ويقولون إن الزواج لم يكن صحيحا بين أم الطفلة laquo;ليناraquo; وأبيها، حيث لا يوجد عقد زواج مكتوب بينهما، وقد ذكرت الأم أن العقد كان موجودا، وكان قائما على اساس ما يسمى بـ laquo;الزواج العرفيraquo; ولكن الزوج استولى على هذا العقد خلسة وقام بتمزيقه عندما علم بأن زوجته حامل، فهو لم يكن يريد الإعلان عن الزواج، ولم يشأ أن يكون له أبناء منه، ولعله كان يظن ان الزواج وlaquo;الأبوةraquo; هما عقبتان في سبيل نجاحه الفني، خاصة أنه كان في أول الطريق. ولكن القاضي الشجاع صاحب الضمير درس القضية من كل جوانبها وانتهى إلى صحة نسب الطفلة laquo;ليناraquo; إلى أبيها، وهكذا انتصر العدل والحق وانهزم كل هروب من المسؤولية ومن أداء الواجب الذى لا يصح لأي إنسان أن ينكره أو أن يتنصل منه.

ومن طرائف الحكم في هذه القضية أن القاضي العادل الشجاع أحمد دبوس قد قام بتلاوة قصيدة شهيرة وهي لنزار قباني قبل أن يصدر حكمه وهذه القصيدرة هى laquo;حبلىraquo;، وفيها إدانة للرجال الذين يهربون من المسؤولية عندما يجدون أن المرأة التي ارتبطت بهم قد أصبحت حاملا، فهم يريدون من أي علاقة ان يستمتعوا بهذه العلاقة، وعندما تحين اللحظة التي يشعرون فيها أن المتعة مرتبطة بواجب عليهم ان يتحملوه، فإنهم يقررون الفرار والهروب والتنكر لكل شيء، وفي قصيدة نزار قبانى هجاء شديد لهذا الموقف الرجولي الذي يخلو من الرجولة، ويصور نزار في قصيدته موقف الاستبداد والقسوة وانعدام الرجولة عند هؤلاء الذين يطلبون تحقيق المتعة ولا يربطون بينها وبين أي مسؤولية ناتجة عنها وهذا النوع من الأخلاق هو الذي جعل الشرائع والقوانين تحرص على وضع قواعد للعلاقة بين الرجل والمرأة، وفي هذه القواعد تشديد على تحقيق التوازن بين الواجبات والحقوق، لأن المسألة لا تتصل بالمرأة والرجل وحدهما، بل تتصل بالأطفال القادمين إلى الحياة، والذين لم يرتكبوا ذنبا حتى يتعرضوا للأذى منذ اليوم الأول الذي يرون فيه النور.

يقول نزار قباني في المقطع الأول من قصيدته laquo;حبلىraquo;:

لا تمتقع، هي كلمة عجلى

إنني لاشعر أنني حبلى

وهتفت كالملسوع لي:

كلا

سنمزق الطفلا

وأردت تضربني

وأخذت تشتمني

لا شيء يدهشني

فلقد عرفتك دائما نذلا

وكان من الطريف حقا أن يقرأ القاضي هذه القصيدة لنزار قباني أمام جميع الحاضرين في المحكمة، وذلك قبل ان ينطق بالحكم الذي أثبت صحة نسب الطفلة laquo;ليناraquo; إلى أبيها أحمد الفيشاوي، وكأن القاضي كان يتوجه بقصيدة نزار إلى الأب الذي ينكر نسبة ابنته إليه، ويقول لهذا الأب: أنا لا أعتقد أنك نذل وفاقد للرجولة مثل ذلك الإنسان الوحشي الذي حدثنا عنه نزار قباني، بل إني أرى فيك من الخير والاصالة ما يجعلك تتقبل نسبة ابنتك إليك. ولا شك أن هذه القضية سوف تكون لها أهميتها وتأثيرها في مصر والمجتمعات العربية كلها لأنها تنبيه شديد للمرأة بأن تحرص على حقوقها قبل أن تخطو أي خطوة في علاقتها مع الرجل، وتنبه الرجال إلى أن الذين يفصلون بين المتعة والمسؤولية إنما يرتكبون إثما عظيما.