أ. د. فلاح عبدالله المديريس


مقدمة
تستعد الحركات والجماعات السياسية في الكويت، بمختلف اتجاهاتها السياسية التي تتمثل باتجاهين رئيسيين الاتجاه الديني والليبرالي لخوض معركة الانتخابات المقبلة في 29يونيو 2006، على خلفية الحل الدستوري لمجلس الأمة السابق، بسبب اشتداد المواجهات بين الحكومة والنواب الموالين للسلطة من جهة، وبين ما أطلق عليه 'مجموعة 29 نائبا' الذين يمثلون التوجهات الدينية والليبرالية والذين أصروا على استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح على خلفية تعارض وجهات النظر حول قانون تعديل الدوائر الانتخابية. وتهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على هذه الجماعات والحركات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية منذ الاستقلال وحتى الوقت الحاضر. بعض هذه الحركات والجماعات السياسة له برامج سياسية وقاعدة شعبية صلبة منتشرة في جميع محافظات الكويت والبعض الآخر عبارة عن جماعات صغيرة ليس لها أي فاعلية على الصعيد الشعبي. كذلك هناك العديد من هذه الحركات والجماعات السياسية قد اختفت من على الساحة السياسة وبعضها انضم إلى حركات وجماعات أكبر حجما.

أولا: الحركات والجماعات الدينية السنية

عرفت الكويت الحركات والجماعات الدينية السنية المنظمة منذ أواخر الأربعينات في القرن الماضي وتتمثل بالآتي:
جماعة الإخوان المسلمين

في عام 1947 استطاع عبد العزيز العلي المطوع، بعدما التقى بمرشد 'جماعة الإخوان المسلمين' حسن البنا في مكة المكرمة، تأسيس أولى خلايا ل 'جماعة الأخوان المسلمين' في الكويت. وبتوصية من البنا أصبح المطوع ضمن أعضاء المجلس التأسيسي 'لجماعة الأخوان المسلمين'(1). ويذكر الشيخ محمد محمود الصواف في كتابة الموسوم 'من سجل ذكرياتي'، أن المطوع 'كان على صلة كبيرة بإخوان مصر ومع الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله. وأخوه وأخونا عبد الله العلي المطوع يرأس اليوم جمعية الإصلاح' (2). وفي هذا الصدد يقول عبد الله العلي المطوع: 'وكان أخي الأكبر المرحوم عبد العزيز المطوع له صلة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي حيث كانت صلته بالإخوان المسلمين تحديدا ومكتب الإرشاد في مصر آنذاك قوية ووطيدة، وكانت مطبوعات الإخوان تصل إلى الكويت.. ولما كان أخي عبد العزيز له صلة بهذا العمل الإسلامي المنظم وهو عمل جماعة الإخوان المسلمين. فقد تأثرت بهذا التوجه'.. وكنا نسير وفق آليات مستفيدين من مناهج الإخوان المسلمين في التربية والتوجيه التي مردها الى الكتاب والسنة، ووجدنا في تجمع الإخوان المسلمين آنذاك نموذجا يحتذى مما جعلنا نتبنى طروحاتهم الطيبة ومسيرتهم الخيرة' (3).
وكان المعهد الديني مركزا لعملية الاستقطاب لأعضاء جدد في الجماعة حيث نجحت الجماعة باستقطاب بعض طلبة المعهد وغيرهم من المواطنين(4)، خاصة أن هيئة التدريس التي تشرف على إدارة شؤون المعهد معظمهم من البعثة الأزهرية وينتمون ل 'جماعة الأخوان المسلمين' في مصر. وفي عام 1952، أرسلت 'جماعة الإخوان المسلمين' مجموعة من أعضائها إلى الكويت للمساهمة في العمل التنظيمي للجماعة وفي العام نفسه تم إشهار 'جمعية الإرشاد الإسلامي' من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل(5). وفي هذا الصدد يقول أحد رموز 'جماعة الأخوان المسلمين' في الكويت ورئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت: عبد الله العلي المطوع حاليا عن الأسباب التي أدت إلى تأسيس أول تنظيم سياسي إسلامي في الكويت: 'بدأت حركتنا الإسلامية منذ أوائل الخمسينات مع اشتعال هجمة الغرب الشرسة ليس على الكويت فحسب، بل على المنطقة العربية والإسلامية بأكملها، طرحوا لنا أفكارا ومبادئ دنيوية، وجيء بالقومية العربية ومنبعها الجامعة الأميركية في بيروت، وجيء بالبعثية ومنبعها ميشيل عفلق والغرب من ورائه، وجيء بالاشتراكية والحداثة، وكلها تصرف هذه الأمة عن دينها وعقيدتها، فقمنا نحن أبناء الكويت بتأسيس عمل إسلامي سياسي لنتصدى لهذه الهجمة الشرسة'(6).
جمعية الارشاد الاسلامي
تم انتخاب عبد العزيز العلي المطوع مؤسس 'جماعة الإخوان المسلمين' في الكويت كأول مراقب عام ل 'جمعية الإرشاد الإسلامي'، في حين تولى رئاسة الجمعية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الذي ينتمي عائليا للمؤسس. كانت الأهداف المعلنة 'لجمعية الإرشاد الإسلامي' تتمثل في نشر الثقافة الإسلامية وبعث روح التدين وعرض الإسلام على أنه عقيدة ونظام عالمي صالح لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية(7). ورغم أن قانون الجمعية يدعو إلى عدم التدخل في الشؤون السياسية على أساس أنها جمعية دينية(8). إلا أنه يمكن القول إن الجمعية هي واجهة اجتماعية ودينية يمارس من خلالها أعضاء 'جماعة الإخوان المسلمين' في الكويت نشاطهم السياسي، كم أنها غطاء لعملهم التنظيمي، حيث تعمدت العناصر الحركية من 'جماعة الإخوان المسلمين' أن تغلف نشاطها الحزبي بالدين الإسلامي مثلها مثل بقية الأندية والهيئات الشعبية المشهرة من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك. تزامن تاريخ تأسيس 'جمعية الإرشاد الإسلامي'. مع توافد أعضاء من 'جماعة الإخوان المسلمين' في مصر وبقية فروع 'جماعة الإخوان المسلمين' في البلاد المشرق العربي والعالم الإسلامي إلى الكويت بهدف العمل سواء في السلك التعليمي أو في المرافق الأخرى.
عضوية العرب
وكانت العضوية في الأندية والهيئات الشعبية الكويتية التي تم إشهارها في الخمسينات تسمح بالعضوية العاملة للمواطنين والعرب الوافدين. وقد استغلت 'جماعة الإخوان المسلمين' هذه الفرصة ودفعت بأعضائها إلى الانتساب لهذه الجمعية وكان من بينهم زهدي أبو العز والشيخ عبد العزيز السيسي وغيرهما من المنتمين لجماعة الإخوان من المصريين الذين هربوا إلى الكويت بعد مطاردتهم من قبل النظام الناصري، وقد كان لهؤلاء دور كبير سواء على مستوى التثقيف أو التنظيم (9).
على الرغم من التنظيم الجيد الذي يتميز به الإخوان المسلمون إلا أن انتشارهم الجماهيري كان محدودا، إذ تفوق عليهم القوميون العرب في هذا المجال، وأصبحت جميع الأندية الرياضية والثقافية والهيئات الشعبية الأخرى تحت سيطرة فرع 'حركة القوميين العرب' في الكويت(10).
نشر 'الايديولوجية' وكسب الأعضاء
خلال الفترة 1952-1959 التي اتسمت بالليبرالية استغلت 'جماعة الإخوان المسلمين' مرحلة خمودها الاجتماعي لنشر فكرها الأيديولوجي وكسب عدد من الأعضاء. في فبراير عام 1959 أقدمت الحكومة الكويتية لأسباب سياسية على إغلاق جميع الأندية الرياضية والثقافية والهيئات الشعبية، واستمر الوضع حتى عام 1961 عندما حصلت الكويت على استقلالها عن بريطانيا وإنهاء معاهدة 1899، باستثناء 'جمعية الإرشاد الإسلامي' التي لم يشملها قرار الحل الذي أصدره الشيخ عبد الله المبارك نائب الأمير في ذلك الوقت، على اعتبار أنها جمعية دينية وليست سياسية. لكن كان الهدف الحقيقي لعدم حلها هو إضعاف الحركة القومية التي كانت أكثر شعبية ومتسيدة الساحة السياسة والتي كانت تتخوف منها السلطة بسبب الزخم القومي في الكويت المؤيد للرئيس جمال عبد الناصر، وقد استفادت الجماعة من هذا الوضع باستمرار نشاطاتها (11) .
مرحلة عبدالله السالم
بعد حصول الكويت على الاستقلال شهد المجتمع الكويتي نوعا من الانفراج السياسي والعودة إلى السياسة الليبرالية التي اعتمدها الشيخ عبد الله السالم الصباح بعد تنصيبه حاكما للكويت عام 1950 حيث اتسم المناخ الديمقراطي بعودة النشاط السياسي. لذا نجد أن الخطوة الأولى التي اتخذها الشيخ عبد الله السالم الصباح هي الموافقة على عودة الأندية الرياضية والثقافية والهيئات الشعبية إلى مزاولة نشاطها. وفي ظل هذا المناخ السياسي الذي تزامن مع توافد بعض أعضاء وقيادات 'جماعة الإخوان المسلمين' من العراق وخاصة من منطقة الزبير على أثر انقلاب عبد الكريم قاسم الموالي للاتحاد السوفيتي آنذاك، وتضييق الخناق على الجماعة في العراق، مما أعطى الجماعة نوعا من النشاط. ومما هو جدير بالذكر يذكر أن أحد قياديي 'جماعة الإخوان المسلمين' في العراق وهو الشيخ محمد محمود الصوف يقرر، بأن العلاقات التي تربط إخوان الكويت وإخوان العراق علاقات قديمة تعود إلى الأربعينات من القرن المنصرم ومن هذا المنطلق يقول في كتابة الموسوم 'من سجل ذكرياتي': 'وبعد أن توسعت الدعوة في العراق امتد عملنا إلى الكويت، وكان أخونا عبد العزيز العلي المطوع بارك الله فيه وأخوه الأخ عبد الله العلي المطوع وفقه الله من خيرة وأصدق من اتصل بنا واتصلنا به، وكنا على صداقة وأخوة تامة وكنت في كل شهر أو شهرين أقوم بزيارة الكويت وكانت المجلة - مجلة اخوان العراق الموسومة 'لواء الإخوة الإسلامية' - تصلهم بانتظام.. وأسسنا بالتعاون مع رجال الكويت جمعية الإرشاد وفيها كبار رجال الكويت، وكان الشيخ العلامة يوسف القناعي رحمه الله يؤيدنا.. وكان إمام الكويت ورجلها وعالمها الفذ صاحب كتاب 'الملتقطات' وكان أمة في رجل.
وكان الشيخ عبد الرزاق المطوع قد فتح مكتبة وأصبح من أنشط العاملين في الدعوة الإسلامية رحمه الله.. ومن الكويت أيضا شاركنا وناصرنا اخوان كرام منهم الأخ يوسف الحجي، والأخ أحمد بزيع الياسين، والأخ يوسف النصف، والأخ أحمد الجاسر، والأخ علي الجسار، والأخ صالح الشائع، والأخ عبد اللطيف الشائع والأخ محمد النصف رحمه الله تعالى، والأخ عبد الرحمن العتيقي وزير المالية الكويتي الأسبق والأخ محمد العدساني الذي كان رئيسا لمجلس النواب.. وخيرة شباب الكويت كانوا من رجال الدعوة ومن شباب 'الإرشاد' ورأس الجمعية، وكان المسؤول عن الدعوة فيها الأخ عبد العزيز العلي المطوع '.. وهي علم الدعوة وركيزتها المجاهدة الصادقة هناك' (12).
جمعية الاصلاح الاجتماعي
بعد استقلال الكويت، اجتمع ثلاثون شخصا من أعضاء 'جماعة الإخوان المسلمين' في الكويت و'جمعية الإرشاد الإسلامي' التي تم حلها، ومناصريهم في ديوانيه فهد الخالد وهو من العائلات التجارية المعروفة في الكويت، وقرروا تأسيس 'جمعية الإصلاح الاجتماعي'. وتعد هذه الجمعية استمرارا 'لجمعية الإرشاد الإسلامي'، وقد تولى رئاسة الجمعية السيد يوسف النفيسي، وبعد ذلك أصبح السيد يوسف الحجي وزير الأوقاف السابق، ورئيس الهيئة الخيرية العالمية حاليا، رئيسا لها. ثم تولى رئاسة الجمعية السيد عبد الله العلي المطوع الذي لا يزال رئيسا لها.
1170 عضوا
وقد بلغ عدد الأعضاء المسجلين رسميا في سجلات الجمعية حتى عام 1989 -1170 عضوا (13). ولم تختلف الأهداف المعلنة ل'جمعية الإصلاح الاجتماعي' كما نص عليها النظام الأساسي للجمعية الصادر في عام 1963 عن الأهداف المعلنة ل'جمعية الإرشاد الإسلامي' (14). وفي هذا الصدد يقول عبد الله العلي المطوع: 'الكويت كانت تحت الحماية البريطانية وقت تأسيس جمعية الإرشاد، وفي عهد الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم طالبت وزارات الدولة ومنها وزارة الشؤون بإعادة تسجيل الهيئات والمؤسسات الموجودة آنذاك، فرأت جمعية الإرشاد أن تغير الاسم انطلاقا من رؤية مدروسة وتشاورية بين أعضائها، فأسست جمعية الإصلاح الاجتماعي في مطلع الستينات وقد سارت الإصلاح على نفس أهداف ومبادئ الإرشاد، وتغييرنا للاسم لا يعني أننا بدلنا أو غيرنا في مناهجنا ورؤانا الاستراتيجية(15)'.
تدريس البنا وقطب والقرضاوي
كانت المادة التثقيفية لأعضاء التنظيم تعتمد على تدريس كتب حسن البنا وسيد قطب والمودودي والندوي وسيد سابق ويوسف القرضاوي ومصطفى السباعي، ويعتمد النظام الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين على مبادئ ثلاثة: الانتقائية في الاختيار، والتدرج في الترقية، والضبط والربط والطاعة بالمفهوم العسكري 'نفذ ثم ناقش' ويماثل هذا التقسيم التنظيمي، تقسيم 'جماعة الأخوان المسلمين' في مصر كما ورد في اللائحة الداخلية للإخوان المسلمين والذي يعتمد على بناء تنظيمي حديدي حيث يعد المرشد العام للجماعة هو الحاكم والحكم، وله القول الفصل في جميع القضايا المتعلقة بالتنظيم. لهذا فأن جميع المراتب التنظيمية ترتبط به. يأتي بعد المرشد العام، المكتب العام للإرشاد، والهيئة التأسيسية. يتكون مكتب الإرشاد من 12-20عضوا، والهيئة التأسيسية من 100-150عضوا.
ويتشكل من المكتب العام للإرشاد والهيئة التأسيسية مجلس الشورى العام وتأتي بعد ذلك المراتب التنظيمية القاعدية ابتدأ من الشعبة ثم يليها المنطقة، ثم المكتب الإداري المسؤول عن الولاية أو المحافظة، بعد ذلك تأتي الأسر التي تضم خمسة أعضاء. وفي نهاية الثلاثينات من القرن الماضي وعلى أثر الخلافات التي حدثت حول تاريخ التنظيم، شكل المرشد العام حسن البنا تنظيما موازيا، اطلق عليه التنظيم السري الذي يعتبر الجناح المسلح والقوة العسكرية الضاربة للتنظيم أو بمثابة ميليشيا مسلحة يخضع أعضاؤه لدورات تدريبية عسكرية سرية لا يعلم عنها من قيادة الجماعة أحد عدا المرشد العام (16).
ضعف الاخوان
شارك ممثلو 'جماعة الإخوان المسلمين' وأنصارهم من التيار الديني في أول انتخابات برلمانية عامة تشهدها الكويت لانتخاب أول مجلس تأسيسي في الكويت عام 1962، وكانت مهمة المجلس الأساسية هي وضع دستور للكويت. وتبين نتائج هذه الانتخابات ضعف 'جماعة الإخوان المسلمين' بشكل خاص وعموم التيار الديني بشكل عام، وتفوق 'حركة القوميين العرب' والعناصر القومية الأخرى على الساحة البرلمانية، حيث سقط السيد يوسف هاشم الرفاعي المؤيد من الجماعة. بينما نجد أن مرشحي 'حركة القوميين العرب' ومؤيديه من المرشحين الذين ينتمون إلى الشريحة التجارية والمحسوبين على الخط القومي العربي، قد حققوا نتائج كبيرة (17). تدل على مدى إيمان الشعب الكويتي بفكرة القومية العربية .
نالت واحد
في انتخابات مجلس الأمة لعام 1963، 'منيت جماعة الإخوان المسلمين' بهزيمة كبرى فلم يصل إلى مقاعد مجلس الأمة سوى السيد يوسف هاشم الرفاعي عن الدائرة الانتخابية الأولى (الشرق)، والتي تعتبر معقل الشيعة في الكويت، وهذا يعطينا مؤشرا على أن نجاح السيد يوسف هاشم الرفاعي ليس راجعا إلى قوة التيار الديني السني في الدائرة الأولى(الشرق)، وإنما يرجع إلى علاقات المصلحة التي نسجها الرفاعي مع الطائفة الشيعية في تلك الدائرة. أما في الدوائر الانتخابية الأخرى فلم يحالف النجاح أيا من مرشحي الإخوان. مثل عبد العزيز القطيفي وعبد الرحمن العمر وعبدالله سلطان الكليب وعبد الله العلي المطوع وأحمد بزيع الياسين(18).
تعتبر فترة السبعينات وحتى بدايات الثمانينات قمة النشاط الفكري والحركي 'لجماعة الإخوان المسلمين' في الكويت. خاصة بعد الركود المزمن الذي اكتنف نشاط 'جماعة الإخوان المسلمين' منذ صدامهم مع قيادة عبد الناصر في الخمسينات وحتى انحسار المد اليساري والقومي في أواخر الستينات وبداية السبعينات، حيث شهدت هذه المرحلة تراجع القوى القومية واليسارية بشكل واضح وتنامي التيار الديني بشكل عام و'جماعة الإخوان المسلمين' بشكل خاص وتحالفه مع السلطة السياسية. واستفاد الإخوان والسلطة معا من هذا التحالف الذي أدى إلى بسط الإخوان هيمنتهم على مؤسسات العمل الشعبي، وتخلص السلطة من قوى اليسار والقوميين الذين استفادوا من هذه المؤسسات كجماعات ضاغطة ضد توجهات السلطة .
انتخابات 1981
عندما أعلنت السلطة عن إجراء انتخابات الفصل التشريعي الخامس في فبراير عام 1981، شاركت جماعة الإخوان المسلمين بعدد من المرشحين، وتميزت نتائج هذه الانتخابات بسقوط معظم مرشحي اليسار والقوميين المنتمين 'للتجمع الديموقراطي' و'التجمع الوطني' ونجاح مرشحي الجماعات الإسلامية. واستطاع الإخوان أن يفوزوا بمقعدين، تمثلا في عضوي مجلس الأمة حمود الرومي وعيسى ماجد الشاهين.
قوانين إخوانية
ودخل الإخوان المعركة الانتخابية تحت شعار تعديل المادة الثانية من الدستور والسعي إلى أسلمة القوانين، وقد نجحت الجماعة في إقرار بعض من مشاريع القوانين مثل:
1- قانون تحريم شرب وبيع الخمور والمسكرات في السفارات والهيئات الأجنبية المقيمة في الكويت.
2- قانون يمنح الجنسية الكويتية فقط للمسلم (19).
شاركت جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الفصل التشريعي السادس التي جرت في يناير من عام 1985 وحصل الإخوان على ثلاثة مقاعد، ولم يستمر هذا المجلس مدة طويلة حيث سارعت السلطة إلى حل المجلس بصورة غير دستورية وتعليق بعض مواد الدستور.
بعد حل مجلس الأمة سادت البلاد أجواء متوترة ما بين المعارضة السياسية والسلطة حيث أقدم جهاز أمن الدولة على ملاحقة نواب المجلس المنحل ومراقبة الجمعيات والهيئات الشعبية والعمالية والطلابية(20). وفي ظل هذه الأجواء انضمت 'جماعة الإخوان المسلمين' إلى المعارضة السياسية التي تضم اليسار والقوميين العرب، حيث أصدرت بيانا يندد بإجراءات الحل وصادقت على هذا البيان أربع مجموعات سياسية، 'التجمع الوطني'، 'التجمع الديموقراطي'، 'التجمع القومي'، و'التجمع الإسلامي'(21).
الحركة الدستورية
في عام 1989، ساهم الإخوان المسلمون في تأسيس 'الحركة الدستورية' (حد) التي ضمت جميع القوى السياسة، ومما جاء في البيان التأسيسي ل'الحركة الدستورية': أنها 'حركة شعبية كويتية تضم في صفوفها جميع المواطنين الكويتيين المؤمنين بالشرعية الدستورية وبالدستور الكويتي باعتباره الإطار القانوني لنظام الحكم والتشريع'(22). على الرغم من أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قد ساهمت في تأسيس 'الحركة الدستورية'، إلا أنهم لم يحركوا قواعدهم للمشاركة الفعلية في التجمعات الجماهيرية(23). بل وقفوا من هذه التجمعات موقف الريبة والحذر حيث رأوا أن هذه التجمعات الجماهيرية ذهبت إلى حد أبعد من أهدافهم الضيقة(24).
وفي ظل الاحتلال العراقي للكويت، انخرط أعضاء 'جماعة الإخوان المسلمين' في الداخل في المقاومة المدنية ولعبوا دورا في التنظيم والإشراف على الجمعيات التعاونية، وحث المواطنين على الصمود، كما تعاونوا مع القوى السياسية الأخرى على تأمين المواد التموينية للمواطنين. وفي الخارج شاركت قيادات الجماعة التي خرج معظمها من الكويت أثناء الاحتلال في المؤتمر الشعبي في جدة الذي عقد في الثالث عشر من أكتوبر عام 1990. بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي على يد قوات التحالف تم تأسيس 'الحركة الدستورية الإسلامية'، التي تعتبر امتدادا 'لجماعة الإخوان المسلمين' في الكويت، والتي لا تزال فاعلة في المجتمع والنظام السياسي الكويتي، وبشكل متنام بفضل التحالف مع السلطة السياسية.

هوامش

1-مقابلة للباحث مع إسماعيل الشطي، أحد قياديي 'جماعة الإخوان المسلمين' في الكويت والممثل السابق ل'الحركة الدستورية الإسلامية' في مجلس الأمة، ورئيس تحرير مجلة المجتمع لسان حال جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت سابقا ووزير المواصلات حاليا. الكويت، 22 مارس 1983. كذلك راجع مجلة 'المجلة'، 26فبراير 1990 .
2- محمد محمود الصواف، من سجل ذكرياتي، القاهرة: دار الخلافة، 1987 . ص 136. و المزيد من التفاصيل حول بداية العمل التنظيمي ل'جماعة الإخوان المسلمين' في الكويت انظر: فلاح المد يرس، جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، الكويت: دار قرطاس للنشر، 1990، ص 12-13. مذكرات عبد الله العلي المطوع، منشورة في جريدة 'الحركة' 19ديسمبر2005. ومجلة 'المجلة'، مرجع سابق.
3- مذكرات عبد الله العلي المطوع، منشورة في جريدة 'الحركة'، 26ديسمبر 2005.
4- انضم إلى الجمعية في بداية تأسيسها عدد كبير من الشباب الكويتي مثل عبد الله بودي، ومحمد بودي، وعبد الرحمن العتيقي، وعبد الله سلطان الكليب، ومحمد العدساني، وعبد العزيز المزيني، وخالد عبد اللطيف المسلم، ويوسف الحجي، وخالد العيسى الصالح، وعلي الجسار، وعبد الرزاق العسكر، وسعود السميط، وغانم الشاهين، وسليمان ما جد الشاهين، وعيسى ماجد الشاهين، وإبراهيم ماجد الشاهين، وخالد الرويشد، وعبد اللطيف الرويشد، وأحمد سعد الجاسر، وأحمد الدعيج، ويوسف هاشم الرفاعي، وعبد الرزاق صالح المطوع، وخالد الجسار، وخالد المسعود الفهيد، ومحمد جاسم السداح، وعلي عبد الرحمن البحر، و سليمان عبد الرزاق المطوع، وفاضل الجاسم، وسليمان الحداد، وحسين الراشد، وعبد الله الياقوت، ومبارك العنزي، ونوح بورسلي، وبدر العجيل، وسالم المسلم، وعبد العزيز الشاهين، ويعقوب مندني، وعبد الله الفارس، وخالد النصف، ومحمد النوري، وخالد مبارك، و فاضل خلف وغيرهم ممن استمر في العمل التنظيمي في جماعة الإخوان المسلمين من خلال جمعية الإرشاد الإسلامي، والبعض الآخر تخلى عن عضويته في الجمعية وغير قناعته وتوجهاته السياسية مثل خالد المسعود الفهيد ومحمد جاسم السداح وبدر العجيل وسليمان الحداد وغيرهم. راجع: مذكرات عبد الله العلي المطوع منشورة في جريدة 'الحركة'، 19ديسمبر 2005. فلاح المد يرس، جماعة الإخوان المسلمين،مرجع سابق، ص 13-14.
5- أحمد الشرباصي، أيام الكويت، القاهرة: دار الكتاب العربي، 1953، ص 314.
6- مقابلة مع عبد الله العلي المطوع، رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، منشورة في جريدة 'الرأي العام'، 12 أبريل 1997.
7- أحمد الشرباصي، المرجع السابق، ص 314-315.
8- المرجع السابق،
9- سامي الخالدي، الأحزاب الإسلامية في الكويت: الشيعة الإخوان السلف، الكويت: دار النبأ للنشر والتوزيع، 1999، ص 164.
10- فلاح المديرس، جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، مرجع سابق، ص 20-21.
11- مجلة 'المجلة'، مرجع سابق.
12- محمد محمود الصواف، مرجع سابق، ص 135-136.
13-إحصائية مستخرجة من سجلات 'جمعية الإصلاح الاجتماعي' في الكويت حول عدد المنتمين للجمعية. جمعية الإصلاح الاجتماعي، 25 عاما من تأسيس، (د.ت). عبد الله.
14- النظام الأساسي ل'جمعية الإصلاح الاجتماعي'، ص5-6.
15- مذكرات المطوع، مرجع سابق.
16- مجلة 'المجلة'، 26فبراير 1995. رسلان شرف الدين، مدخل لدراسة الأحزاب السياسية العربية، بيروت: دار الفارابي، 2006، ص 229-230. ولمزيد من التفاصيل حول الهيكل التنظيمي ل 'جماعة الإخوان المسلمين'، انظر: R.P.Mitchell, The Society of the Muslim Brothers, London, 1969. Ishak Musa, Husaini, The Moulim Brethern : The Greatest of Modern Islamic Movement, (Beirut, Khayats, 1956.
17- فلاح المديرس، جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، مرجع سابق، ص 26.
18- المرجع السابق، ص 27-29. عبدالله النفيسي، الكويت: والرأي الآخر، لندن: طه للنشر، 1978، ص 78-79.
19- سامي الخالدي، مرجع سابق، ص 176.
20- هادي راشد، حل مجلس الأمة والحركة الدستورية في الكويت، (د.ن.)، 1992، ص18.
21- المرجع السابق، ص 19.
22- برنامج 'الحركة الدستورية'، مكتوب على الآلة الكاتبة، غير منشور (د.ت).
23- هادي راشد، مرجع سابق، ص 37. 'أوراق من مفكرة مشارك: الذكرى الرابعة لا نطلاقة أثنيات الديموقراطية'، مجلة 'الطليعة'، 8 ديسمبر 1993.
24- هادي راشد، مرجع سابق، ص24-25.