الإثنين: 2006.08.07

د. عبدالله المدني

تزايدت في الفترة الأخيرة الانتقادات الموجهة إلى دول الخليج حول ظروف العمالة الاجنبية الوافدة إلى المنطقة. والحقيقة أن أوضاع هؤلاء، وبصفة رئيسية أوضاع الطبقات الدنيا من العمالة الآسيوية ومن في حكم العمالة غير الماهرة أو شبه الماهرة ممن يشكلون النسبة العظمى، تظل بعيدة عن المعايير الدولية وبالتالي فهي ليست سوية وتكتنفها صعوبات ومشاكل وخروقات كثيرة.
صحيح أن هناك قوانين للعمل والعمال، وصحيح أن هناك تطوراً فيها، من الممكن الاستدلال عليه عبر إجراء مقارنة بين ما هو موجود الآن وما كان موجودا قبل 3 عقود أو نحو ذلك، غير أن الصحيح أيضاً أن جزءاً من المشاكل سببه عدم ارتقاء تلك القوانين إلى مصاف قوانين العمل في العالم المتحضر.
من ناحية أخرى، هناك نسبة كبيرة من العمالة تعمل في المنطقة دون أن تكون مغطاة بقوانين واضحة وصريحة وشفافة. وأقصد بهذه العمالة المنزلية التي لا تخضع لقوانين العمل السارية، باعتبار أن الأخيرة تنظم فقط العلاقة بين المؤسسات والشركات من ناحية والأجراء الذين يعملون لديها من ناحية أخرى، فيما العمالة المنزلية هي علاقة بين رب الأسرة الفرد والخادمة أو الخادم المنزلي.
وفي مجال تطبيق قوانين العمل السارية، تحدث مشاكل وخروقات لا حصر لها. فمن ناحية يمكن للمتنفذين من أصحاب المؤسسات الكبيرة خرق هذه القوانين دون أن يطالهم أي عقاب أو مساءلة بسبب طبيعة المجتمع الخليجي وتفشي مظاهر المحسوبية والواسطة في بعض الإدارات والأجهزة، والتي من نتائجها الانحياز في أغلب الحالات لرب العمل المواطن. ومن ناحية أخرى هناك تقاعس أو غياب كامل في متابعة تطبيق أرباب العمل للقوانين السارية والاشتراطات الرسمية فيما يتعلق ببيئة العمل وحقوق العامل. إذ لا يكفي إصدار القوانين وحده، والتأكد من تطبيقها مرة واحدة عند الاستقدام فقط، وإنما يجب أن تكون هناك عملية مراقبة وتفتيش مستمرة، دورية وعشوائية، من قبل الجهات الرسمية المختصة بهدف التأكد من استمرار أرباب العمل في الالتزام بالقانون، بما في ذلك إجراء مقابلات انفرادية مع العمال بين فترة وأخرى.
أحد أسباب المشاكل أيضاً هو، ليس غياب الوعي في صفوف العمالة غير الماهرة بحقوقها والقوانين المنظمة لذلك فحسب، وإنما خوفه من اللجوء إلى الأجهزة الرسمية لإنصافه، بسبب ما ستؤدي إليه العملية حتماً من غضب الكفيل وبالتالي إلغاء عقده وإعادته إلى وطنه. وهكذا فإن العامل قد يصبر على الضيم والقهر والاستبداد ويتكيف مع البيئة غير الصحية للعمل، كي لا يناله ما هو أقسى وأمر، فهو الذي جاء إلى الخليج محملاً بديون كبيرة تجاه مكاتب التوظيف في بلده أو من استدان منهم. ويزداد هذا النوع من المشاكل بطبيعة الحال في حالة العمالة المنزلية النسوية التي لا تستطيع، بسبب الأعراف الاجتماعية في الخليج، مبارحة منزل رب العمل للجوء إلى الأجهزة الرسمية المعنية استخلاصا لحقوقها أو تحسينا لأوضاع عملها.
هناك سبب آخر للمشاكل، مصدره قلة وعي بعض الأسر الخليجية المستقدمة للعمالة بحقوق العامل الأجير، ولا سيما تلك المدرجة في خانة الأسر قليلة التعليم أو تلك التي كانت أو لا زالت هي نفسها أجيرة بمعنى أن أفرادها يعملون أجراء لدى الآخرين. إذ ثبت في الغالب الأعم أن تدني المستوى الثقافي معطوفاً على تدني الإمكانيات المادية عند بعض الأسر، تسبب في استعبادها لمن يعملون لديها. ولا يستثنى من هذا بعض الأسر الموسرة حالياً والتي قفزت فجأة إلى خانة الأثرياء من خانة الفقر بسبب التحولات الاقتصادية الكبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي تحمل في دواخلها نزعة التبرؤ من ماضيها بالتعسف في استغلال الآخر ممثلاً بمن يعملون لديها. والمؤسف أن الجهات الرسمية ليس لديها برامج توعية لهذه الأسر حول حقوق العامل الأجير، تكون سابقة على عملية التصريح لها بالاستقدام.
في السياق السابق أيضاً، لا توجد ضوابط وقيود على عملية استقدام الأسر للخادمات ومن في حكمهم، وبما أدى إلى انتشار ظاهرة استقدام هؤلاء من أجل التفاخر الاجتماعي أو تحسين الصورة الاجتماعية ليس إلا. حيث نجد أن أسراً بالكاد تستطيع الوفاء باحتياجات أفرادها الكثر، أو لا يتجاوز دخلها الشهري الإجمالي 200 دينار كما في البحرين، لديها خادمة منزلية. ومعنى هذا أن هذه الأسر لم تكتف بما تعانيه من فاقة وحاجة، وإنما أشركت فرداً غريباً جيء به من خلف البحار في معاناتها، عبر التهرب من راتبه الشهري لمدد طويلة والتقتير عليه لجهة السكن والطعام والملبس.
يضاف إلى ما سبق ظاهرة الكبت الجنسي في بعض المجتمعات الخليجية، ولا سيما لدى أفراد الأسرة المراهقين، والتي عادة ما تكون ضحاياها خادمات المنازل من اللواتي لا حول لهن ولا قوة وليس من السهل عليهن اللجوء إلى القانون لحمايتهن. ومن هنا كثرت محاولات الاعتداء والتحرش ضد الخادمات في بعض دول الخليج. ومن يراجع الدراسات ذات الصلة والملفات الكثيرة المتراكمة لدى منظمة العمل الدولية، سيكتشف أن حالات الاعتداء أو التحرش الجنسي تلك تأتي مباشرة بعد حالات تأخير صرف الرواتب ضمن قائمة شكاوى العمالة المنزلية النسوية في الخليج.
وأخيراً، فإن الإنصاف يدعونا إلى التذكير بأن جزءاً معتبراً من المسؤولية في حدوث مشاكل العمالة لا علاقة له بقوانين العمل الخليجية أو تطبيقاتها، وإنما مصدرها مكاتب التوظيف ومافيات العمالة في الدول المصدرة، وبعضها يتواطأ في عملية الاحتيال على العمالة المهاجرة وتزوير البيانات والإكثار من الوعود الجذابة، مع مكاتب الاستقدام الخليجية. صحيح أن هذه المكاتب تعمل جلها بتراخيص رسمية، لكن الصحيح أيضاً أنها بارعة في الاحتيال على القانون واستغلال ثغراته، مستفيدة من عدم وجود رقابة مستمرة وصارمة عليها.
في خليج ما قبل الطفرة النفطية، كانت هناك أيضاً عمالة منزلية تعمل لدى بعض الأسر الموسرة، غير أن العلاقات بين الطرفين كانت سوية وقائمة على الاحترام والولاء والإخلاص، إلى الدرجة التي لم نسمع معها عن أية مشاكل. وأتذكر أنه في الكثير من هذه البيوت الخليجية، كان الخادم يشارك أفراد الأسرة طعامهم ويشارك أبناء الأسرة لهوهم واستذكار دروسهم، لسبب بسيط هو أن أسر ذلك الزمن لم تكن مصابة بالأمراض الاجتماعية التي تسربت إلى مجتمعاتنا بعد الفورة النفطية.