الثلاثاء02 يناير2007

د. أحمد البغدادي

لعله ليس من المبالغة في شيء القول إن العالم العربي والإسلامي يعيش نكبات ومآسي قل نظيرها في التاريخ الحديث. وللأسف فإن معظم هذه النكبات هي من صنع العرب والمسلمين أنفسهم! نعم, نحن العرب نصنع مآسينا بدم بارد وقلوب صلدة لا تعرف الرحمة, لذلك هناك من يسرق العيد وأفراحه من وجوه الأطفال والكبار معاً. هل نشير إلى لبنان الجميل الذي يصر شعبه على حرمان الأطفال من فرحة العيد, بالإضراب المتواصل بدون هدف أو معنى سوى الاستكبار والإصرار على ارتكاب الخطأ تلو الخطأ بضمير ميت؟ هل ننظر إلى فلسطين المحتلة التي عجز الكبار فيها عن تشكيل حكومة وحدة وطنية توفر للإنسان الفلسطيني لقمة عيش شريفة ونظيفة؟ لماذا يسرق السياسيون بتكالبهم على المصالح الدنيوية الفرح والبسمة من وجه الطفل الفلسطيني؟ هل نتجه بأنظارنا نحو العراق البائس والمنكوب بشراذم الأصوليين وبقايا البعثيين, حيث يقتل الطفل وهو ذاهب إلى المدرسة أو وهو يلعب في الشارع؟ أم ننظر إلى أحدث المآسي والنكبات العربية في الصومال حيث القتال ثم القتال, وحيث يحرم الطفل من المدرسة والفرح الطفولي والأعياد التي يفترض أنها مجال فرحته بملابس جديدة, وألعاب ومرح وهرج بلا حدود؟ هل يوجد في هذا العالم اليوم من يضاهي الطفل العربي في مآسيه وظلمة حياته؟ وهل من معنى للعيد وأفراحه في عالم عربي تمتلئ سجونه بالمعارضين السياسيين, وتنشغل ساحاته بالمعارك السياسية والقتال الدموي؟ هل من أحد, كائناً من كان, يملك الحق في أن يسرق الفرح من وجوه الأطفال؟
حين أنظر إلى أحوال العالم العربي بوجه خاص, أتساءل: من المسؤول عن سرقة الفرح في هذا العالم؟ أعياد بلا طعم, وحفلات ورقص على الجروح, وثراء بلا حدود, لكن دون فرح حقيقي, وحتى في البلاد التي لا تعاني من المشاكل السياسية أو القتال في الشوارع, لا تجد أطفالها فرحين بما يلبسون من جديد أو بما يحصلون عليه من الكبار. وأتساءل: لماذا غابت الفرحة عن ديارنا؟ كان العرب قديماً فقراء, ولكن كان للعيد معنى, وفرح بلا حدود. لم يكن هناك قتال ولا أحزان مستديمة كالتي نشاهدها اليوم. من المسؤول عن كل هذا الغياب للفرح من حياتنا؟ لن ألقي كل المسؤولية على الجماعات الدينية, بل نحن كشعوب, يجب أن نتحمل المسؤولية الكاملة عما يحدث في بلداننا من مآسٍ وكوارث بشرية, لأننا لا نملك الإحساس بالمسؤولية الإنسانية تجاه مجتمعاتنا وأطفالنا, ولأنه لا يوجد من يحاسب المخطئ فينا.
هذا هو العيد يأتي ومن قبله جاءت أعياد وذهبت دون فرح حقيقي, بل لقد زادت المآسي أكثر مما سبق بسبب أسلوبنا في الحياة القائم على العنف والتشدد, وستأتي أعياد أخرى سنكذب فيها على أنفسنا بأننا نعيش فرحة العيد, ولكن الحقيقة التي نحاول أن نخفيها, هي أننا لسنا فرحين, بل ولا يجب أن نكون فرحين, وهناك أطفال محرومون من هذا الفرح بسبب النزاعات الداخلية. ومن المؤلم أن المتسببين في كل هذه الآلام لا يفكرون حتى في أخذ هدنة ولو مؤقتة بمناسبة العيد يتوقفون فيها عن سفك الدماء. في هذا العالم العربي المجنون يجب على العالم المتحضر أن يسن قانوناً عالمياً لمعاقبة سارقي الأفراح على غرار مجرمي الحرب. ولا عزاء للطفل العربي وهو يلهو والمآسي تحيط به من كل حدب وصوب, والكبار يلهون بمصائرهم.