الثلاثاء02 يناير2007

خيري منصور

قبل فترة قصيرة، كان ستة رؤساء أمريكيين على قيد الحياة، وحين حضر ثلاثة منهم مناسبة بروتوكولية علق أحد الصحافيين بمرارة وهو يتساءل عن الرؤساء العرب السابقين الذين قلما نجا منهم أحد، لحظة نجاح الانقلاب، فالمصائر تتراوح بين السجن والقبر والمنفى.

وحين رحل قبل يومين جيرالد فورد وهو أكبر الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة سناً، كان يزحف ببطء نحو الرابعة والتسعين، أي انه عاش عدة عقود في منزله، وهو الرئيس الوحيد الذي وصل الى البيت الأبيض من دون انتخاب، لأنه كان نائب نيكسون الذي أقصته عن الرئاسة ووترغيت. وهذا ليس مديحاً للديمقراطية الأمريكية لأنها عوراء، تماماً كالديمقراطيات المماثلة لها التي تصدر بطبعتين، إحداهما محلية وأخرى للتصدير ورغم ان العالم نسي جيرالد فورد، وأصبح اسم سيارة أمريكية شهيرة معروفاً أكثر منه، إلا أن الرثاء الذي قدمه الرئيس بوش له، يفصح عن تقاليد خاصة بالولايات المتحدة، لكنها تحاول ان تحرم الشعوب الأخرى منها، فهي التي غذت جنرالات وطغاة من طراز بينوشيه، وأدخلت من كان ضعيفاً ومصاباً بالأنيميا السياسية منهم الى غرف الانعاش، ولم تحرص يوماً على الدفاع عن حق الشعوب في محاكمة طغاتها إلا عندما تكون من هذه المحاكمات تحت رايتها وفي ظل دباباتها، ومن أجلها هي فقط.

وأذكر أنني سمعت ذات مساء ممطر في عمان من جوليوس نيريري عبارة أثارت شجوناً لا آخر لها، كانت عن الرئاسة والدبابات ولم يكن هذا الرجل الأخضر رغم سواده إلا استثناء إذا أضفنا إليه ليوبولد سنجور، فالأول إنساني فاعل، وأسهم في أنشطة دولية من خلال الأمم المتحدة والثاني كان شاعراً مرموقاً سماه جان بول سارتر في إحدى مقالاته أورفيوس الأسود.

قال نيريري وعيناه محتقنتان: لماذا لا يعترف الكثيرون ممن يتيح لهم الحظ فرصة الزعامة بأن لهم صلاحية محدودة، وأن تسليم الراية أو الشعلة على الطريقة الأولمبية هو بمثابة هزيمة؟

وقد عاش العرب عقدين على الأقل هما الأخطر والأشد حساسية في تاريخهم المعاصر وفق هذه الأعراف، بل تحت سطوتها، وأحياناً كان البيان الثاني يصدر في الظهيرة شاجباً بيان الصباح الأول، لأن الناس خارج المدار والحلبة مكرسة فقط لمن شهر المسدس.

الرؤساء السابقون في العالم، قد يتفرغ بعضهم لكتابة المذكرات في منزله الآمن، وقد يسعى آخرون للكسب من خلال وظائف استشارية وهم على الأغلب يموتون بالسرطان أو بالشيخوخة ولم يحدث أن تدخل الرصاص أو النفي لإقصائهم والتخلص من أحلامهم بالعودة.

أما الصحافي الذي علق بأسى على حضور ثلاثة رؤساء أمريكيين أحياء إحدى المناسبات فقد نسي ثلاثة آخرين، هم فورد وريجان وكارتر لأن ذاكرته لم تسعفه لاستحضار الأسماء كلها، أو لأنه رفض أن يصدق أن هناك ستة رؤساء سابقين لا يزالون على قيد الحياة رغم أنهم ليسوا على قيد الرئاسة والسلطة.

إن الديمقراطية خصوصاً عندما تكون ذات بصيرة وغير عوراء، هي الضمانة الوحيدة لا لتداول السلطة فقط، بل لقبول الخارج من قصر الرئاسة الأمر الواقع دون أن يضرب كفاً بكف أو أخماساً بأسداس بحثاً عن الأصدقاء القدامى والمتضررين الذين يبحثون عمن يعيد لهم الاعتبار ويوزع عليهم الغنائم.

ولو كان الحال على غير ما هو عليه، وما آل إليه، لكان بإمكان العرب أن يحشدوا خمسين رئيساً سابقاً في مناسبة واحدة.. لكن المخفي أعظم.