الثلاثاء02 يناير2007

خيرالله خيرالله


ما تحقق في الصومال أنتصار أميركي قبل أي شيء آخر. يأتي الأنتصار في وقت تبدو سياسة الولايات المتحدة أحوج ما تكون ألى أي جائزة ترضية نظراً ألى أنّها في مأزق كبير أكان ذلك في العراق او افغانستان أو فلسطين. حتى في لبنان، هناك مأزق أميركي بعدما بات المحور الأيراني- السوري يعتقد أنه أستعاد المبادرة وأنّ في أستطاعته الأنتقال ألى الهجوم. وقد أقدم على هذه النقلة النوعية بالفعل من خلال تعاطيه بطريقة مختلفة مع الوضع في البلد الصغير. تمثّل التعاطي الجديد مع الوضع اللبناني بالتصعيد من أجل أسقاط الحكومة وخلق فراغ في البلد على الطريقة الصومالية.
ما لا يمكن تجاهله أنّ مؤسسات الدولة الصومالية أنهارت مع أنهيار نظام محمّد سيّاد بري في العام 1991. ومنذ ذلك التاريخ، أي منذ خمسة عشر عاماً لم تعد هناك دولة في الصومال ولا حتى مؤسسات لدولة من أيّ نوع كان. كلّ ما يمكن الحديث عنه هو عن دولة فاشلة في بلد فاشل لا مجال لأعادة تركيبه مجدّداً. هل المطلوب أن تنهار الدولة اللبنانية على الطريقة الصومالية وأن يسود فراغ في البلد وأن تقوم فيه أكثر من حكومة واحدة، بغية القول للعالم أن هذا البلد لا تقوم له قائمة في غياب نظام وصاية يتحكّم بالصراعات الداخلية فيه ويستوعبها على طريقته... أو يوظفها بما يخدم مصالحه؟
في كلّ الأحوال، لا يمكن الحديث عن أنهيار الدولة في الصومال وحدها ولا عن محاولات لتفتيت الدولة في لبنان لأسباب أكثر من معروفة، بل يمكن الحديث أيضاً عن الفشل في أعادة تركيب الدولة العراقية وجمعها. والأكيد أن اعدام صدّام لن يساعد في أعادة تركيب العراق، كما أنه ليس خطوة على طريق أحقاق الديموقراطية في البلد على حدّ الرئيس جورج بوش الأبن. على العكس من ذلك، يمكن القول أن ما جرى ويجري في العراق، يخدم الفكر المتخلّف لصدّام حسين الذي عمل كلّ شيء من أجل أن تنهار الدولة العراقية مع أنهيار نظامه على غرار ما حصل في الصومال بعد رحيل سيّاد بري وسقوط نظامه. ذهب سيّاد بري ألى حيث قبيلته خارج مقديشو وبقي هناك حتى وفاته يتفرّج على التفكّك التدريجي للدولة في الصومال وعلى عدم قدرة الذين خلفوه على أعادة الحياة أليها وأقامة نظام بديل.
بدل التدخل العسكري المباشر في الصومال، على غرار ما حصل في مطلع التسعينات، وهو تدخّل أنتهى بطريقة مذلّة للقوة العظمى الوحيدة في العالم، أستعانت الولايات المتّحدة هذه المرة بالقوات الأثيوبية ونسّقت معها عملية الهجوم على مواقع المحاكم الأسلامية التي أستطاعت السيطرة على مقديشو والتمدد في البلد منذ يونيو- حزيران الماضي. من الناحية النظرية، حققت العملية العسكرية الأثيوبية نجاحاً باهراً. في أقلّ من اسبوع، عادت ألى مقديشو قوات تابعة للحكومة الموقتة التي أتخذت من بيداوة مقراً لها بعد أستيلاء المحاكم الأسلاميّة على العاصمة. أكثر من ذلك، تكبّدت قوات المحاكم الأسلامية التي هي أشبه بالميليشيات سلسلة من الضربات، وقُدّرت الخسائر التي لحقت بها بنحو ألفي قتيل، أن لم يكن أكثر. ومثل هذا الرقم كبير لميليشيات محلّية تمتلك عدداً محدوداً من العناصر المدرّبة تدريباً جيّداً على حرب العصابات والكرّ والفرّ.
لا بدّ من الأشارة ألى هزيمة المحاكم الأسلامية في الصومال، كانت هزيمة لمشروع دولة أصولية ليس معروفاً بالضبط مدى أرتباطها بتنظيمات من نوع quot;القاعدةquot; وما شابهها. لكن الواضح أن دولة مثل اثيوبيا لم تكن قادرة على تحمّل دولة تحكمها المحاكم الأسلامية على حدودها، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ مثل هذه الدولة القادرة على بناء جيش قوي وعلى توفير مأوى لمنظمات اصولية، على غرار أفغانستان في أيّام quot;طالبانquot;. كذلك، كان طبيعياً أن تطالب دولة صومالية فقيرة يحكمها متطرفون سيواجهون عاجلاً أم آجلاً أستحقاق أطعام الشعب وليس الأكتفاء بضبط الأوضاع الأمنية، بفتح ملّفات ذات طابع أقليمي في غاية الحساسية. من بين الملفات التي يمكن أن يفتحها حكم صومالي متشدد دينياً يُخشى من أستعداده المستمر للهرب من أزماته الداخلية ألى معارك في الخارج، ملف أقليم أوغادين الذي تعتبره الصومال جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها.
من الناحية العملية، ردّت أثيوبيا على محاولات تطويقها بالعملية العسكرية في الصومال التي شارك فيها نحو ثمانية آلاف رجل من أفراد قوّاتها المسلّحة الذين يقدّر عددهم الأجمالي بنحو مئة وثمانين ألفاً. لم تكن أثيوبيا ذات النظام العلماني على أستعداد في أيّ شكل لترك الصومال للمحاكم الأسلامية ونظامها، هي التي تعاني من حركات أسلامية متطرفة داخل أراضيها. وما قد يكون أهمّ من ذلك، أن انظمة عدّة في المنطقة كان يمكن أن تشجّع صوماليي المحاكم الأسلامية، الذين تردد أنّهم لديهم دعماً سعودياً ما، أضافة ألى دعم أكيد من أريتريا ومن السودان، على مغامرات في أثيوبيا.
فضّلت اثيوبيا التدخل في الصومال قبل فوات الأوان، أي قبل أن تصبح مطوّقة من اكثر من جهة، خصوصاً أن النظام الأريتري لا يفوّت فرصة ألاّ ويسعى ألى زعزعة الأستقرار فيها. وألتقت مصالح الأثيوبين مع الأميركيين ألى حد كبيرن كذلك مع دول أفريقية عدّة تدعو ألى الأعتدال والأبتعاد عن كل ما له علاقة بالأرهاب مثل مصر وليبيا. والثابت في هذا المجال، أن لا صحّة لكلّ ما قيل عن دعم ليبي للمحاكم الأسلامية في وقت تسعى طرابلس ألى تجنّب كل ما من شأنه توسيع النزاعات في القارة السمراء لأسباب تعود ألى أنّ هذه النزاعات ترتدّ بأستمرار بشكل سلبي على الدول المستقرّة في المنطقة والتي تعاني من بين ما تعاني من هجرة الأفارقة الفقراء أليها مع كلّ ما يؤدي أليه ذلك من مشاكل وتعقيدات لها على الصعيد الداخلي .
تخلّصت أثيوبيا من نظام المحاكم الأسلامية الذي كان قيد التكوّن في الصومال. حصل ذلك بغطاء أميركي مكشوف، من منطلق أن معركة الصومال تندرج في سياق الحرب العالمية على الأرهاب التي تخوضها أدارة بوش الأبن. لكن التحدّي الأكبر يظلّ أيّاه منذ العام 1991، تاريخ سقوط نظام سيّاد بري. يتمثّل هذا التحدي في أعادة بناء الدولة. هل ذلك ممكن؟
تنتهي السنة 2006 ، فيما الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ودول قريبة منهما في مواجهة تحدّيات قديمة وجديدة في آن. أنّها تحديات بناء الدولة وأستمرارها في ظل الصراعات الداخلية والأقليمية. العراق يواجه هذا التحدي، كذلك أفغانستان. وفي الشرق الأوسط نفسه، هناك هجمة لا سابق لها على لبنان- الدولة في وقت يتراجع الطموح الفلسطيني ألى أقامة دولة أثر الفشل الكبير الذي تكرّس في قطاع غزة أثر الأنسحاب الأسرائيلي منه. وفي القرن الأفريقي ومحيطه أزمات لا تحصى محورها الكيانات القائمة وأمكان استمرارها في شكلها الحالي، من السودان وجنوبه وقضية دارفور ... ألى التشاد والصومال وأفريقيا الوسطى، تبدو القضية واحدة. أنها قضيّة الكيانات والدول والحدود الموروثة من الأستعمار والتي لم تستطع بناء مؤسسات قابلة للحياة. ألأكيد أن أميركا حققت أنتصاراً في الصومال، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيعود ألى الواجهة السؤال ذاته: كيف التعاطي مع الدول الفاشلة أو مع الأزمات التي تستهدف كيانات معيّنة. ما قد يكون أبعد من السؤال أن الأحداث المتوقّعة في السنة 2007 ، ستجعلنا نترحّم على أحداث السنة التي أنقضت!