عبدالرحمن الراشد


لقد مرت أحداث العام المنصرم بشكل متسارع لم تنقطع عنفا، لا صيفا ولا شتاء. ولعله كان أكثر الاعوام أحداثا في اتساع رقعته التي شملت لبنان والعراق وفلسطين والسودان والصومال. فيه حلت برلمانات وعدلت دساتير وأقيمت انتخابات. نصبت مراسم احتفالات ومراسم عزاء. مات أبالسة وزعماء كبار. ملفات معلقة غاز ونفط وذرة. ونحن اليوم نرث في العام الجديد ما ولدته أحداث العام الماضي وما سبقه.

ومن اغتال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق، ربما لم يظن انه يمد في عمر أزمته الى اليوم، ولم يقدر من أسقط صدام في العراق انه قد يقلب ميزان قوى المنطقة، ومن أدخل حماس في الانتخابات كان يظن انه سيخرج بسببها.

لكن ليس مهما ان نستذكر ما حدث في الماضي لأننا عشناه، وكثير منا دفعنا ثمنه غاليا، انما الأهم ان نقرأ ما يمكن ان يصيبنا في العام المقبل حتى مما يبدو لنا في أصله تافها. ولنتذكر ان كثيرا من قضايانا في أصلها تافه لكن اللعبة تكبر على اللاعب، فمعركة على الرعي في إقليم دارفور كبرت الى مذابح مات فيها آلاف الناس وكادت ان تسقط النظام في الخرطوم. وبعض قضايانا ملتبسة الحقائق حيث تصطنع القضايا، فتصبح قضية الفرد الزعيم هي قضية الجماعة، وتصور مشكلة الحكم بانها أزمة الأمة. كلها خطرة والأخطر هي العراق، وهنا أركز بشدة عليه لأنه قد يظل محور الحركة في العام الجديد وبوابة الشرور.

في أفلاكه تدور قضايا سورية وايران والخليج، وفي افلاكها ستدور لبنان وفلسطين والاخوان والمعارضات والديموقراطيات الجديدة. وفي أتون الأزمة سترفع اعلام في غاية الخطورة، ابرزها الصراع السني الشيعي الذي يبدو ان المنطقة باتت مهيأة له.

وهنا يستحق الأمر التوقف والتأمل طويلا. ان فتح جبهات الصراع المذهبي يعني ان المنطقة ستعيش دهرا من الحروب اكثر من صراعات الأرض والكلأ والنفط والعلاقات الدولية. وهنا أخطئ عقلاء السياسة الذين يسمحون لمثل هذه الطروحات ان تسير بلا سياسة ردع صريحة وواضحة وهم سيجدون انفسهم متورطين غدا فيها. حينها لن يكون ممكنا لاحد التراجع او التقدم، ستكون أكبر أزمة في حياتنا المعاصرة، والسؤال لماذا يسمح هؤلاء لها بان تجرهم من اعناقهم نحو الصدام؟

وبكل أسف ما نراه في أقوال وردود افعال كلها تقودنا نحو الصدام المذهبي الذي اظنه سيكون المعركة الأكبر في المنطقة، معركة واسعة على خريطة متشابكة ستأكل الأخضر واليابس. وبكل أسف فإن من يقودونا اليها هم رجال كبار في السن، وليسوا شبابا بلا عقل او تجربة. قادة وشيوخ كثر مثل عبد العزيز الحكيم الذي يتحدث عن المعادلة الظالمة كما لو انه يبرر الإبادة المذهبية. وشيخ آخر مثل حارث الضاري الذي يريد توسيع دائرة الصراع على مواصفاته وجر المنطقة وراءه في حرب محلية بل وشخصية. ان الركض وراء مثل هؤلاء يعني الانسياق وراء الدمار، في وقت يفترض ان نرفض بصراحة لا لبس فيها دعوات المذهبيين ونحمي بلداننا من الفتنة المذهبية.

[email protected]