الأربعاء03 يناير2007

جيفري جيتلمان

بعدما انسحبت قوات quot;المحاكم الإسلاميةquot; من آخر معاقلها يوم الإثنين الماضي، تحركت الحكومة الصومالية المؤقتة بسرعة وحزم لبسط سيطرتها على المناطق المختلفة وحددت مهلة ثلاثة أيام لتسليم جميع الأسئلة إلى الحكومة، فضلاً عن دعوتها المجتمع الدولي لإرسال قوات لحفظ السلام إلى البلاد على نحو فوري. ورغم أن الصومال كانت دائماً مكاناً مفتوحاً لعرض مختلف أنواع الأسلحة في شوارع المدن منذ فترة بعيدة، فإن الانهيار السريع quot;للمحاكم الإسلاميةquot; أوجد فائضاً من الأسلحة، بحيث انخفض سعر بندقية الكلاشنيكوف، إحدى آلات القتل الأكثر انتشاراً في العالم، إلى 15 دولارا للقطعة. وقد أعلن quot;علي محمد جديquot;، رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية خلال مؤتمره الصحفي الذي يعقده يومياً بأنه لن يسمح بهذا الوضع وبأنه أعطى تعليماته لتسليم الأسلحة وجمعها من الشارع قائلاً على الأشخاص والجماعات التي كانت تملك شاحنات تضع فوقها أسلحة رشاشة أن تعيد تلك الآليات إلى ميناء مقديشو القديمquot;.

وبينما عبر الكثير من زعماء العشائر عن تشككهم في قدرة الحكومة الانتقالية على جمع السلاح، أظهر البعض الآخر معارضة شديدة إزاء عملية تجريدهم من السلاح. وهو الرأي الذي عبر عنه quot;محمد دونوquot;، وهو رجل عاطل عن العمل بقوله quot;إنهم يريدون تحييدنا، وهو ما لن يتأتى لهم، فلينتظروا حلول الليل وسيرونquot;. وأيا كانت الأمور في المقبل من الأيام سواء مشجعة، أم تنذر بتدهور الوضع يجمع معظم الصوماليين، بعد أسبوع من الأحداث المتسارعة، على أن ملامح واقع جديد بدأت تتشكل في بلدهم. فلأول مرة منذ فرار الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري، خارج البلاد عام 1991 وانزلاقها في فترة من الفوضى دامت 15 سنة، توجد اليوم في الصومال حكومة ذات مصداقية تتخذ من العاصمة مقديشو مقراً لها وتحظى بدعم خارجي، فضلاً عن عدم وجود تهديد عسكري داخلي يتهددها. ورغم أن أعدادا كبيرة من المسلحين مازالت تجوب الشوارع، ومازال أمراء الحرب يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد ما يهدد باندلاع حرب عصابات، فإنه لحد الآن لم تعلن أية قوة تحديها لسلطة الحكومة الانتقالية.

فالإسلاميون الذين كانوا يشكلون التهديد الحقيقي خسروا آخر معاركهم العسكرية يوم الإثنين المنصرم بعدما سقطت مناطق نفوذهم تباعاً منذ 24 ديسمبر الماضي عندما شنت القوات الإثيوبية سلسلة من الهجمات الجوية على أهداف quot;الإسلاميينquot; ودفعت بجيشها إلى داخل الأراضي الصومالية. وقد عللت إثيوبيا تدخلها العسكري في الصومال بالتهديد الذي تطرحه quot;المحاكم الإسلاميةquot; على أراضيها، لا سيما وأن الكثير منهم مرتبط بالمنظمات الإرهابية مثل quot;القاعدةquot; واحتمال غزوها لأراضيها في المستقبل. ويذكر أن إثيوبيا تتوفر على أحد أقوى الجيوش في أفريقيا، حيث استطاعت خلال أيام معدودة من دخولها الصومال انتزاع مدينة quot;بورهكاباquot; من أيدي quot;الإسلاميينquot;، ثم مدينة quot;جوهرquot; المعقل السابق لـquot;المحاكم الإسلاميةquot;. وبحلول يوم السبت الماضي، حاصر الجيش الإثيوبي آخر فلول قوات quot;المحاكم الإسلاميةquot; التي كانت قبل أيام قليلة فقط تسيطر على رقعة واسعة من الأراضي الصومالية في مدينة quot;كيسمايوquot; على الساحل الجنوبي للبلاد.

وما أن اقتربت القوات الحكومية المدعومة من قبل الجيش الإثيوبي من quot;كيسمايوquot; حتى بدأت تمطرها بقذائف المدفعية الثقيلة طيلة ليلة السبت الماضي. وفي تلك الأثناء كان زعماء العشائر يناشدون الإسلاميين بالرحيل عن مدينتهم خشية إيقاع ضحايا في صفوف المدنيين العزل. وعلى غرار ما حصل في quot;كيسمايوquot; ترك quot;الإسلاميونquot; العاصمة مقديشو بعد سلسلة من التصريحات النارية التي تعهدوا فيها بالقتال حتى الموت. وهكذا وفي صبيحة يوم الإثنين الفائت، خلع العديد من مقاتلي quot;المحاكم العسكريةquot; زيهم العسكري وعادوا إلى منازلهم بين المدنيين بينما اتجه البعض منهم إلى الجنوب في منطقة بها غابات كثيفة على الحدود مع كينيا. وفي معرض وصفه لأجواء ما بعد مغادرة قوات quot;المحاكم الإسلاميةquot; للمدينة قال quot;آدم راجايquot;، رجل أعمال من كيسمايو quot;لا أستطيع أن أصف لك فرحة الناس بعد اختفاء المحاكم الإسلاميةquot;. ورغم انتشار أعمال النهب والفوضى عقب خروج قوات quot;المحاكم الإسلاميةquot; من المدن التي كانت واقعة تحت سيطرتها، حيث قام البعض بتهشيم واجهات المحلات وسرقوا أجهزة التلفزيون والهواتف النقالة، فإنه سرعان ما عم الهدوء بعد دخول القوات الحكومية إلى المدن.

وأفاد سكان quot;كيسمايوquot; أن ما تبقى من quot;الإسلاميينquot; غادروا المدينة متجهين إلى quot;رأس كامبونيquot;، المدينة الصغيرة الواقعة على الحدود مع كينيا التي كانوا يلجأون إليها في السابق كمكان للاختباء. ووفقاً للاستخبارات الإثيوبية استضافت quot;المحاكم الإسلاميةquot; الحالية عناصر من تنظيم quot;القاعدةquot; في 1998 على هامش التحضير لتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا. ولمنع تسلل الإسلاميين إلى داخل الحدود الكينية أكد مسؤولون في نيروبي بأنهم شددوا عمليات ضبط الحدود ومراقبتها. لكن رغم استقرار الوضع لصالح القوات الحكومية في الصومال يحذر رئيس الوزراء في الحكومة الصومالية الانتقالية quot;محمد علي جديquot; من أن الوضع الأمني مازال هشاً في ظل الحضور القليل لقوات الجيش. وتشير التقارير الواردة من الصومال إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية بسبب إغلاق أهم الموانئ في البلاد، فضلا عن استمرار إغلاق المدارس في وجه الطلاب. فقد كانت إحدى أولى الخطوات التي أقدمت عليها quot;المحاكم الإسلاميةquot; هي إغلاق المدارس وإرسال الفتيان اليافعين إلى جبهات القتال، وهو ما أثار استياء الأهالي بعد مقتل العديد منهم خلال المواجهات غير المتوازنة مع القوات الإثيوبية الأفضل تدريباً والأكثر مراساً على خوض الحروب.


الإتحاد