الأربعاء03 يناير2007

خيري منصور


ما ان تحل كارثة بالفقراء خصوصاً تلك التي تنتج عن جهلهم بالتكنولوجيا حتى نتذكر سخرية ldquo;هانكوكrdquo; المريرة عندما قال إن معالجة الفقر جذرياً تتطلب إبادة جماعية لفقراء العالم، والرجل الذي عمل خبيراً في البنك الدولي رأى عن كثب عشرات المليارات من الدولارات وهي تتسرب في الشقوق، وإن ما يصل من الشمال إلى الجنوب هو أقل من العُشر في أحسن الأحوال، وكان قد سمى الوسطاء والجنرالات الذين احترفوا السطو ممرات الاسفنج، بسبب مقدرتهم الهائلة على الامتصاص، ولأن الاسفنجة لها آلاف الأفواه الفاغرة.

بالأمس قضى أكثر من مائتي نيجيري بسبب الثقوب التي أحدثوها في أنابيب النفط، ومن قبلهم قضى مئات آخرون وهم يشربون ويطبخون في الأواني التي استخدمت لأغراض نووية، هذا اضافة إلى الآلاف الذين يموتون بالقرب من المناجم أو على فوهاتها.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية مات عدد كبير من الناس الذين لا ناقة لهم ولا بعير في تلك الحرب وهم يحاولون تفكيك الألغام لبيع محتواها، أو لاستخدامها لأغراض أخرى.

ان عدد الفقراء الذين يموتون بالأوبئة، وبسبب الفاقة والجوع الكافر والجهل الصحي، وأخيراً الجهل التكنولوجي يصعب احصاؤه، لهذا تبدو هذه الدراما الافرو آسيوية بامتياز كما لو أنها بدأت بالنحر ثم انتهت إلى الانتحار، لكن ما الذي يدفع هؤلاء إلى المجازفة بأجسادهم سواء في الهجرة الانتحارية أو العبث بالأنابيب الناقلة للنفط؟ انه ليس النزوع إلى المغامرة لأنهم عندما يصعدون الجبال بأجساد هزيلة ورئات تالفة لا يفعلون ذلك من أجل الترشيق أو بحثاً عن ازهار وطيور نادرة، بل يفعلون هذا وسواه لأن الحاجة تصيب أصحابها بالرعونة كما يقال وأحياناً بالجنون.

وبالرغم من كل محاولات ردم الفجوة بين العُسر واليُسر في هذا الكوكب الأعرج إلا ان عدد الفقراء يزداد، كما ان الفقر ذاته يتفاقم بحيث اصبح بحاجة إلى تعريف جديد لأن التعريف الكلاسيكي للفقر لم يعد صالحاً لرسم الخطوط أو تحديد النواقص.

فالاستهلاك المحموم، ضاعف من الفقر، وأصبح من كان مستوراً قبل ثلاثين عاماً شديد الفقر في هذه الأيام، لأن ما كان كمالياً ومن مستلزمات الرفاهية أصبح مدرجاً في خانة الضروريات.

والعالم الذي أنتج الفقر بهذه الكميات الوفيرة بخل على الفقراء حتى بالتثقيف كي لا يموتوا بالجملة نتيجة اخطائهم.

بالأمس براميل ملوثة باليورانيوم، وصحارى مليئة بأفخاخ الألغام، واليوم أنابيب نفط تنفجر وتحدث مجازر بين الحالمين بقليل من الدفء في هذا الصقيع الإنساني، والباحثين عما يبلّ الريق، أو يسد الرمق.

إن عالماً بهذا الاختلال، لن يتماسك ويتوازن ويقف على ساقيه إذا لم يتنبه الأقوياء والأثرياء فيه إلى ما يتصورون أنه مجرد أعراض جانبية لقوتهم وثرائهم، فالسلم الأهلي أو حتى الكوني لم يعد متاحاً أو قابلاً للتحقق إذا استمر الحال على ما هو عليه، فالجرائم، والمجازر الناتجة عن سوء التعامل مع التكنولوجيا هي من افراز هذا التفاوت الكارثي في العالم.

ولكي لا تتحول سخرية السيد ldquo;هانكوكrdquo; الذي دفع ثمن شهادته وافتضاحه لمصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر بحيث تصبح معالجة الفقر ابادة الفقراء، على العالم ان يكف عن جري الوحوش ولو ليوم واحد.. كي يرى ما الذي فعله بنفسه وبغيره؟ وأي ثمن سيدفع إذا أزفت لحظة الحساب والمساءلة؟