داوود الشريان


حفلة التلاوم الكاذبة بين المسؤولين الأميركيين وحكام بغداد على الطريقة التي أعدم بها الرئيس السابق صدام حسين تدين واشنطن وتحملها مسؤولية الممارسة الهمجية في توقيتها وأسلوب تنفيذها وعرضها على الناس، فواشنطن كانت قادرة على التمسك بتنفيذ الدستور العراقي الجديد الذي يشترط مصادقة ثلاثة اشخاص على عملية الاعدام، ويمنع تنفيذ حكم الاعدام في الاعياد، لكنها تساهلت في تطبيق الدستور على طريقة laquo;لم نأمر بها ولم تسؤنا laquo;، واستبدلت الاحتكام الى الدستور والعدالة والحس الانساني بالارتهان لرأي المرجعيات والتعصب، فالإسراع في تنفيذ حكم الأعدام بحق صدام حسين كان مطلباً أميركياً ملحاً مثلما كان شهوة انتقام طائفي لحكومة المالكي، ودليلاً على ان ما قيل من رضوخ واشنطن لضغوط متزايدة من الطبقة الحاكمة في بغداد مجرد ادعاء كاذب، فها هي واشنطن استعادت قدرتها على تسيير حكومة المالكي فور تنفيذ الحكم، فتدخل الاميركيون ومنعوا المالكي وجماعته من اخفاء الجثمان، وسهلوا دفنه، لأنهم ادركوا ان غياب الجثمان كما كان يريد المالكي وجماعته سيصعد الغضب في الشارع السني، وسيحول صدام من زعيم اعدم بطريقة بشعة الى شهيد.

لا شك ان التلويح بالقول إن الاميركيين احسوا بالغضب ازاء التسرع في عملية الاعدام، وشعروا بالأحباط مما يسمونه إخفاق حكومة المالكي والاعتراف بسلوكها التدميري، هو استطراد للتكاذب السياسي بين المالكي والاميركيين، وجزء من حملة الدعاية السياسية التي تمارسها الادارة الاميركية على الشعب الاميركي وعلينا، فواشنطن كانت تسعى لإخراج صدام من المشهد بأسرع وقت ممكن لأغراض سياسية داخلية وتاريخية، فضلاً عن ان القضاء على صدام كان هدفاً بحد ذاته، فقتله يعني سحق وإذلال شوكة الممانعة للمشروع الاميركي، ودفن اسرار مؤامرة بدأت مع غزو الكويت، وهي وجدت الرغبة ذاتها لدى جماعة المالكي التي تعتقد ان القضاء على صدام يعني انهاء حكم السُنة للعراق الى الابد، لكن النتيجة التي لم يتوقعها المسؤولون الشيعة في العراق والاميركيون من خلفهم هي ان اعدام صدام بهذه الوحشية خلق حالاً من الاصطفاف السني والعربي داخل العراق وخارجه، وزاد من ازمة واشنطن التي خسرت بهذه الهمجية السنة العرب وغيرهم، الذين باتت تساورهم شكوك حيال الرؤية الاميركية للتركيبة الطائفية في المنطقة.

إن موقف السعودية ومصر والأردن من عملية الإعدام البشعة يطرح تساؤلات مهمة، فهذه الدول كانت على خلاف مع صدام حسين، وهي وقفت وبقوة مع عملية المصالحة، ورفضت التدخل في العملية السياسية في العراق من زاوية طائفية رغم كل الضغوط، وكانت على الدوام تدير علاقاتها مع جميع الاطراف العراقية من زاوية سياسية هدفها وحدة العراق، وهي دعمت مشروع رئيس الوزراء العراقي الأسبق اياد علاوي لأنه لم يكن في نظرها يمثل أي توجهات طائفية، لكنها اكتشفت صبيحة العيد ان كل الشعارات التي ترفعها حكومة المالكي ومن قبله ابراهيم الجعفري، وبقية المسؤولين الشيعة هي مجرد تضليل سياسي، وان هؤلاء الحكام ينفذون مشروعاً طائفياً تحت دعوى المصالحة والديموقراطية، وان تنفيذ حكم الاعدام بصدام حسين بتلك الطريقة المستفزة هو اصرار على المضي في تنفيذ مشروع طهران التي وصفت عملية الاعدام الهمجية بأنها laquo;عدالة إلهيةraquo;.

واليوم وبعد مباهاة حكومة المالكي بإعدام صدام بتلك الطريقة البربرية، وموافقة الحكومة الاميركية على تنفيذ عملية الشنق وتصويرها بتلك الطريقة التي تتنافى مع القيم الاميركية والانسانية، ينبغي الكف عن الحديث عن اخطاء السياسة الأميركية في العراق، فما يجري في هذا البلد مخطط قذر ومقصود، فواشنطن حلت الجيش وانشغلنا نحن بالبحث عن الاعذار للسياسة الاميركية التي تجهل تاريخ المنطقة وطبيعة تركيبة الشعب العراقي، وسمحت بإقرار دستور يلغي عروبة العراق، فقلنا انها الديموقراطية، ثم جاء اعدام صدام ليكشف لنا ان واشنطن تمارس همجية غير مسبوقة، وتدعم حفنة من الشيعة المتعصبين ليحلوا مكان المحافظين الجدد لتنفيذ مشروع ما يسمى بالعراق الجديد، فأي عراق هذا الذي ننتظر بعد كل ما جرى، وأي ديموقراطية تبشرنا بها اميركا وعصابة المالكي؟