جهاد الخازن


أبقى مع الاصلاح يوماً آخر، وأعتقد أنني متفائل بطبيعتي، غير انني لا أجد أسباباً للتفاؤل على مدى المستقبل القريب، وليست عندي اقتراحات أو حلول أو مخارج منطقية. مع ذلك أريد أن اطلع بشيء، فأختار من آراء خبراء ومعلقين، وأبدأ مع ريتشارد هاس في مقال له نشرته laquo;فورن افيرزraquo; في عدد تشرين الثاني ndash; كانون الأول (نوفمبر ndash; ديسمبر) ٢٠٠٦ تحت العنوان laquo;شرق اوسط جديدraquo;. هو قال ان الاسلام سيملأ الفراغ السياسي والفكري في العالم العربي وتتبعه غالبية شعوب المنطقة، فالقومية العربية والاشتراكية العربية من مخلفات الماضي، والديموقراطية تبقى للمستقبل البعيد، هذا ان تحققت.

ريتشارد هاس، وهو معتدل يرأس مجلس الشؤون الخارجية النافذ جداً، اخذ القارئ في سياحة تاريخية، كما فعل برنارد لويس قبل سنة ليصل الى ما يعتبره الآن المرحلة الخامسة من الشرق الاوسط الحديث. وهو يقول ان على رغم غياب اتفاقات سلام رسمية فإن الشرق الاوسط يستطيع تجنب صبغة الارهاب والنزاع والحرب الاهلية، ويقترح لذلك ان يتجنب صانعو القرار الاميركيون خطأين، وان يستغلوا فرصتين.

الخطأ الاول هو المبالغة في الاعتماد على القوة العسكرية، وقد دفعت الولايات المتحدة ثمن ذلك في العراق. والخطأ الثاني الاعتقاد ان الديموقراطية ستنشر السلام في المنطقة.

أما الفرصتان، فالأولى ان يزداد التدخل في الشرق الأوسط بغير الوسائل العسكرية، وهو يقترح تشكيل محور إقليمي لجيران العراق أهم أعضائه تركيا والمملكة العربية السعودية، ولكن، على ان يضم إيران وسورية، مع العمل على إحياء الديبلوماسية في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. أما الفرصة الثانية فهي ان تبعد الولايات المتحدة نفسها، ما أمكن عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بتخفيف الاعتماد على الطاقة من المنطقة، وذلك بكبح جماح الاستهلاك الاميركي في الداخل.

بعد هاس اكمل بمقالين موضوعهما واحد الا انهما يسيران في طريقين مختلفين يعكسان خلفية الكاتبين.

مايك روبن من معهد اميركان انتربرايز، معقل المحافظين الجدد، كتب مقالاً بعنوان laquo;هل تأييد الولايات المتحدة للمنشقين في الشرق الاوسط قبلة الموت لهم؟raquo; سأل فيه ان كان التأييد الاميركي يفيد المعارضين، او الاصلاحيين، او يضرهم، وان كان الدعم المالي الاميركي يعوق الاصلاح او يفيده؟

روبن ينطلق من موقف مسبق ويحاول ان يبني حجة له من دون ان تربكه معلومات يقدم بعضها بنفسه. وهو يستشهد بالمعارض الايراني البارز اكبر غانجي الذي قام بجولة في الولايات المتحدة بعد اطلاق سراحه حذر فيها تكراراً من تمويل نشاط المعارضين الايرانيين بالمال لأن هذا سيصبح حجة ضدهم في بلادهم، كما حدث عندما طلبت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس دعم المعارضة الديموقراطية الايرانية، فأصبح طلبها حجة داخل ايران ضد المعارضين تلطخ سمعتهم.

واستشهد روبن كذلك بالصحافي الايراني اوميد ميماريان الذي يعمل استاذاً زائراً في جامعة كاليفورنيا، فهو أيضاً أبدى موقفاً شبيهاً بموقف غانجي وقال ان التأييد الاميركي يسيء الى سمعة المعارضين الايرانيين، ويسهل قمع السلطات لهم.

هذه الآراء من أهل المنطقة لم تمنع روبن من ان يكمل قائلاً: laquo;في حين ان تأييد المنشقين يزيد تعقيد الديبلوماسية فأنه اساسي للاصلاح...raquo;. وهو يقترح ان تهدد الادارة الاميركية الانظمة المعنية (اذا اضطهدت المعارضين)، وهو رأي قد ينطبق على بلد يحتاج الى مساعدة اميركية، ولكن حتماً لا ينطبق على ايران التي تراها الولايات المتحدة جزءاً من محور الشر، في حين ترى ايران الولايات المتحدة شيطاناً اعظم. وروبن هنا يعكس تفكير المحافظين الجدد كلهم، ولا أزعم أنهم يتعمدون تقديم نصائح تضر بالاصلاحيين، فأنا لست داخل عقولهم، وانما اقول انهم يراوحون بين الجهل والغطرسة، وبعضهم يعمل لايقاع الضرر بالعرب والمسلمين لحساب اسرائيل.

وجدت حجة أقوى عند محمد سحيمي، وهو ايراني وأستاذ للهندسة الكيماوية في جامعة جنوب كاليفورنيا، فقد كتب مقالاً بعنوان laquo;الاصلاحيون الايرانيون يقولون: اتركونا وحدناraquo; ذكّرنا فيه بأن هجوماً اميركياً على ايران لا يخالف شرعة الأمم المتحدة وحدها، وانما الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران الذي وُقّع في الجزائر سنة ١٩٨١، فأول نقطة في أول فقرة فيه تقول ان الولايات المتحدة تتعهد ان تكون سياستها من الآن فصاعداً عدم التدخل في شكل مباشر أو غير مباشر، سياسياً او عسكرياً، في الشؤون الداخلية لإيران.

رأي الكاتب من رأي غانجي الذي يسجل له قوله: laquo;افضل ما يمكن ان تعمل الحكومة الاميركية للديموقراطيين في ايران هو ان تتركنا وشأنناraquo;. وأيضاً من رأي شيرين عبادي، الايرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام سنة ٢٠٠٣، فهي قالت: laquo;الديموقراطية لا تستورد، ولا تقدم الى شعب بغزو بلاده او قصفه بقنابل عنقودية، بل يجب ان تنبع من الداخلraquo;.

ومحمد سحيمي ينتقد الرياء في السياسة الخارجية الاميركية التي تركز على برنامج ايران النووي وتهمل برامج دول اخرى، ويقول ان هذا الموقف اغضب الاصلاحيين الايرانيين ودعاة الحقوق المدنية.

ما ينطبق على إيران ينطبق على كل بلاد الشرق الاوسط، حكومات وشعوباً. واسأل هل تريد الولايات المتحدة فعلاً نشر الديموقراطية والحرية والعدالة في الشرق الاوسط؟ أتصور انها تريد، ثم أجدها تتخذ كل إجراء يعرقل مسيرتها، ما يعني كذباً مقصوداً او جهلاً مطبقاً، والنتيجة واحدة، هي ان نبعد عن الاصلاح كلما حاولنا الدنوّ منه.