5 يناير 2007


محمد الصياد

كثيرة هي الكتب التي صدرت في السنتين الأخيرتين في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تتحدث عن إشكاليات السياسة الخارجية للولايات المتحدة ومخاطرها على الأمن والسلم العالميين.

إلا أن كتاباً جدياً صدر أخيراً لفت النظر بخلاصته العميقة التي تشرح أسباب هذا الجنوح والجموح في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي أنه ما لم تقم الولايات المتحدة بإعادة النظر في سياستها الخاصة بالطاقة فإن حروب البترول الأمريكية المعمدة بالدم سوف تظل توجه السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل.

اسم الكتاب هو ldquo;الدم والنفط.. كيف ان التعطش الأمريكي للنفط يقتلناrdquo;، والكتاب عبارة عن بحث جديد يضاف إلى مؤلفات أخرى صدرت مؤخراً يؤرخ لقصة النفط ولعبة الأمم الكبرى التي انتظمته في اتصالها بالجيوبوليتيك.

طبعاً بالنسبة للاقتصاديين المتخصصين في مواضيع العلاقات الاقتصادية الدولية ولزمرة المشتغلين والمعنيين والمهتمين بشؤون وشجون سلعة النفط كوقود احفوري مسؤول عن حوالي 40% من الطاقات المتولدة من مختلف مصادر الطاقة غير المتجددة، فإن التحليل والتعليل الذي ذهب إليه المؤلف هو بالضبط ما يوافق انطباعاتهم وتصوراتهم التي تقترب من البداهة بشأن حقيقة الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة والموقع المحوري للنفط وإمداداته فيها.

فالهجمة الدبلوماسية والسياسة الأمريكية باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي في عام ،1991 والتي أسفرت عن حيازة بعض مواقع النفوذ في جورجيا وأذربيجان وتركمانستان، ثم تعززت بصورة جذرية بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001 واحتلالها، حيث نجحت الولايات المتحدة في الحصول على قواعد عسكرية في عدد من تلك الدول مثل أوزبكستان وقيرغيزيا ووجود عسكري صريح في بلدان أخرى مجاورة، كل ذلك كان من أجل تأمين السيطرة الأمريكية على خط إمدادات الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز تحديداً) الذي راجت شهرته باسم نفط بحر قزوين في أجهزة الميديا العالمية.

وكان من النتائج المثمرة التي حققتها دبلوماسية الضغط بالترهيب والترغيب التي تحاكي على نحو ما دبلوماسية البوارج، التي اتبعتها الولايات المتحدة ضد اليابان وغيرها في القرن التاسع عشر على ذلك الصعيد، خط أنابيب نفط باكو (أذربيجان) ميناء جيهان التركي العابر للأراضي الجورجية والذي افتتح قبل بضعة أشهر.

وفي هذا الاتجاه صبت الجهود الدبلوماسية السرية التي بذلتها واشنطن مع تركمانستان وباكستان وحكومة طالبان حينها، من أجل انشاء خط لنقل الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من عشق أباد (العاصمة التركمانية) إلى باكستان عبر الأراضي الأفغانية. وقد اشترك في تلك المفاوضات السرية حينها السفير الأمريكي الحالي في العراق زلماي خليل زاد والرئيس الأفغاني الحالي قرضاي.

يقول كلير في كتابه ان إدارة بوش الحالية، ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ،2001 قد ربطت بين سياستها الخارجية والنفط بصورة أوثق وأعمق من أي وقت مضى رغم محاولات مسؤولي الإدارة نفي وجود مثل هذه العلاقة.

وبما ان النفط الذي يتغذى عليه الاقتصاد الأمريكي بواقع 50% من احتياجاته (تستهلك الولايات المتحدة 20 مليون برميل نفط يومياً) موجود في مناطق تصنفها الولايات المتحدة كمناطق بالغة التوتر وعرضة لعدم الاستقرار، وهي الشرق الأوسط وغرب افريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة بحر قزوين، فإنه سوف يتعين على بلدان هذه المناطق تحمل وزر الأطماع والعطش النفطي الأمريكي المبنية استراتيجية توفيره جزئياً على مغامرات السياسة الخارجية المعضدة بآلة الحرب ldquo;الجوالةrdquo;.

فهل الحرب الأمريكية على الإرهاب إلا غطاء لتطبيقات عناصر استراتيجية تأمين امدادات الطاقة الأمريكية؟ وهل غزو افغانستان ومن بعدها العراق إلا مثالين حيّين على هوس مجموعة ldquo;تشينيrdquo; النفطية المحيطة بالرئيس بوش من داخل الإدارة ومن خارجها، حيث مقار الديناصورات النفطية التي تسمى ترميزاً (The Big Oil) برائحة النفط حيثما كانت مكامنه وطرق إمداداته؟

إلى ذلك، فإن الأمر الأكثر خطورة هنا هو ان منطقة الشرق الأوسط موضوعة، من بين سائر المناطق الأخرى المنتجة للنفط في العالم، على قمة اهتمامات وأولويات الاستراتيجية الأمريكية النفطية وأداة تنفيذها، السياسة الخارجية المتضمنة ذلك الاستخدام المغامر للقوات المسلحة الأمريكية دون أي اعتبار لما تسفر عنه عمليات نشر قواتها في البلدان والمناطق المستهدفة من تداعيات وآثار وخيمة على السلم الاقليمي والدولي، وعلى موازين القوى الدولية وعلاقات المكونات الثقافية المختلفة التي تنتظم الكوكب الأرضي بعضها ببعض.

والغريب ان كل هذا يحدث في الوقت الذي لا يكف فيه مسؤولو الإدارة الأمريكية الحالية، بمن فيهم الرئيس بوش نفسه، عن ترديد الأقاويل حول نيتهم تقليص اعتماد بلادهم على نفط الشرق الأوسط التي يصنفونها على انها منطقة عالية المخاطر ومنعدمة الاستقرار.

والأغرب من ذلك أيضاً، انهم يعلمون قبل غيرهم، بحكم أن أغلبية الطاقم العلوي للإدارة مرتبطة بصورة وثيقة بلوبي شركات النفط الأمريكية الكبرى، ان هذا محض حلم غير واقعي وغير قابل للتحقيق، فأين هي بدائل وقود الطائرات والبنزين والديزل؟ وحتى إن تكللت جهود الباحثين في مجال الطاقة المتجدد (Renuables) بالنجاح، فإن مساهمتها في ميزان الطاقة العالمي لن تزيد بأي حال من الأحوال عن 6%.. ومتى.. في عام 2030.

هي إذاً أحلام يقظة يحاول الجمهوريون تسويقها بين الناخبين لدغدغة مشاعرهم وكسب ود أصواتهم الانتخابية في انتخابات الكونجرس النصفية، خصوصاً بعد تداعي تدهور شعبيتهم اثر الهزائم المتوالية أخبارها من ساحات المعارك في كل من العراق وأفغانستان.