كوباديباتي الكوبية
ترجمة: باسل أبو حمدة

أجرت صحيفة laquo;كوباديباتيraquo; في هافانا مؤخرا حوارا مطولا مع الكاتب الأميركي الشهير غور فيدال تطرق فيه إلى موضوعات عدة يتصدرها موقفه الناقد للإدارة الجمهورية الحالية في بلاده. لكن أبرز ما يلفت الانتباه هو حرص فيدال على أن يتذكره الناس كمؤرخ أكثر من كونه روائيا رغم أن أعماله تضاعف من عمره.

ففي سيرته الذاتية هناك روايات وأعمال تراجيدية وأخرى كوميدية ومذكرات وأبحاث وقصص سينمائية وتلفزيونية. بيد أن هاجسه الوحيد هو ضلال الجمهورية، إذ يؤكد أن laquo;القطعة الرئيسية من الحكمة التي تعلمتها من توماس جيفرسون الذي تعلمها بدوره من مونتيسيكيو هي أنه من غير الممكن الحفظ على جمهورية وإمبراطورية في الوقت عينه، فمنذ العام 1846، أي منذ الحرب مع المكسيك، ونحن إمبرياليون كواسرraquo;.

وفيما يلي نص الحوار:

* في كتاب laquo;ابتكار أمة: واشنطن، آدمز وجيفرسونraquo; تتوقف عند الحرب الإمبريالية الأولى في التاريخ الحديث مع تدخل الولايات المتحدة في كوبا. هل كانت الجزيرة غنيمة تشد الأطماع إليها؟

ـ التاريخ الإمبريالي الأميركي بدأ قبل ذلك التاريخ بكثير. فلقد كان حتميا أن يتطلع المهجرون الإنجليز الأصليون، كما الهولنديون والفرنسيون الذين احتلوا الساحل الشرقي للولايات المتحدة، باتجاه الغرب حيث توجد ثروات أكثر. وإنه لمثير للفضول أن الرئيس الأميركي الوحيد الذي راقت له الديمقراطية وهو توماس جيفرسون كان أول من قفز على حدود الدستور.

ولابد من الإقرار بأن عظماء استقلالنا كرهوا الديمقراطية بمقدار ما مقتوا الطغيان. ففي ظل حكمهم لم نشهد بين ظهرانينا أبدا شخصا مثل هتلر ولا laquo;فوضىraquo;. ومن السخرية بمكان أن الرئيس الثالث، توماس جيفرسون، الذي أعطانا الهوية إلى جانب إعلان الاستقلال، هو الذي دعا إلى حمل السلاح أيضا. وهو لم يقل لنا إن laquo;جميع الناس قد نشأوا متساوين ومستقلينraquo; فحسب، بل قال لنا أيضا إن لهم حقوقا غير قابلة للتصرف بالحياة الحرة والبحث عن السعادة.

علما بأنه لم يكن هناك أي حكومة قد عبرت عن هذا الجانب على هذا النحو. ومع ذلك، فبفضل جيفرسون أيضا لم تصل هذه الروعة بعيدا. فلقد اشترى الولايات العشرين وعقد صفقة كي يقتني الفرنسيون لويزيانا. وبفضل الأراضي الشاسعة التي اشتراها فلقد انضم إلى الولايات المتحدة كذلك ملايين الأشخاص.

هذا الترتيب أطلقنا نحو الغرب بعد أن استحوذنا على ما كان يمتلكه جيراننا وكان حتميا أن نتحول بذلك إلى أمة امبريالية. والجار الأول الذي هاجمناه كان المكسيك في عام 1846 وذلك على طريق ما كنا نبتغيه حقا في تلك اللحظة ألا وهو كاليفورنيا. في تلك الحقبة كان الأكثر عدوانية من بين توسعيينا الرئيس جيمس بولك.

* حتى ذلك الحين كانوا مجرد غزاة أراضي هائجين، لكن داخل قارتهم فقط...

ـ إن رئيسنا الإمبريالي الأول كان ثيودور روزفلت، فلقد كان يتطلع إلى ما هو أبعد من إضافة ممتلكات إلى الولايات المتحدة، وهنا تحديدا تدخل كوبا في تاريخنا، عندما تم إغراق سفينة حربية تابعة للولايات المتحدة قبالة سواحل كوبا وحملت الصحافة الصفراء المسؤولية للكوبيين ومن بعدهم للإمبراطورية الاسبانية، التي مثلت في واقع الأمر هدفنا الحقيقي. فلقد استغلت كوبا لتشجيع الشعور المعادي لاسبانيا الذي برر دخول الولايات المتحدة في الحرب على طريق الوصول إلى مناطق أخرى من العالم وتحديدا إلى ما وراء المحيط.

* هل تحمل هاري ترومان مسؤولية تحويل الولايات المتحدة إلى بلد شمولي، وهي وجهة نظر يبدو أن الكثير من الأميركيين يتقاسمونها في يومنا هذا، لا سيما وأن الرئيس جورج دبليو بوش قال، على سبيل المثال، إن الرجل الذي أطلق القنابل على هيروشيما وناغازاكي كان رئيسا جيدا.؟

ـ إن غالبية الأميركيين ليس لديها معلومات حول التاريخ والجغرافيا وما يحدث في العالم. روزفلت قام بكل الترتيبات اللازمة حتى نتمكن من انتزاع المستعمرات من فرنسا وهولندا والبرتغال بعد الحرب العالمية الثانية والأميركيون لم يدروا بذلك حتى الآن وجل ما يعرفونه عن ترومان هو أنه كان رجلا طيب القلب ويعزف على البيانو. وبالفعل فهو لم يكن يعرف شيئا عن أي شيء وكان يقف خلفه وزير الخارجية دان أشيسون، المحامي الدولي الذي كان يعرف كل شيء.

وكان هو الذي صمم الدولة العسكرية التي برزت اعتبارا من عام 1949 مع هاري ترومان والسي آي إيه كذلك. كل شيء كان يدور حول وثيقة واحدة: المذكرة رقم 68 الصادرة عام 1950 عن مجلس الأمن القومي والتي ظلت طي الكتمان حتى عام 1975 وبتت مسألة البقاء في حرب مفتوحة ضد جهة ما. ورحنا نحارب ضد الشيوعية في أي مكان لها تواجد فيه حول العام رغم أن هذه لم تشكل أي تهديد لنا. كما تم تثبيت مفهوم الحرب المقدسة كتلك التي نخوضها حاليا ضد الإرهاب والإسلام.

* laquo;الاعتداء الإرهابي الذي جرى في أوكلاهوما عام 1995 يفسر على ضوء قوانين فيزيائية: لا يوجد فعل بدون ردة فعلraquo;, هذه الكلمات لك وتلمح فيها إلى الكراهية التي تزرعها الولايات المتحدة في العالم وفي بلادكم نفسها. هل كانت نبوءة؟

ـ ما كنت لأربط هذا الحدث مع ما جرى في الـ 11 سبتمبر، على الأقل ليس بصورة مباشرة. فنحن نعلم الآن أن تيموثي ماكفي لم يكن وحده وأنه كان هناك المزيد من الأشخاص المتورطين. لكن إدارة كلينتون أقرت تدابير جدية حول الإرهاب فقط لطرد شبح تيموثي ماكفي. لكن عندما حدث اعتداء الـ 11 من سبتمبر أخرجوا من الدرج هذه الأوراق وفعلوها جميعا. ذلك هو قانون الوطنية الذي ألغى عمليا جميع حرياتنا المقدسة.

فبوسع طفل صغير عمره خمس سنوات أن يدرك أن الحل الخاص بالهجمات الإرهابية هو مجرد حل بوليسي، إذ أننا هوجمنا من قبل عصابة للمافيا، فأنت لا تستطيع الدخول في حرب بدون بلد منافس. أما إذا ما حاولت شرح هذا الأمر للأميركيين فإنك ستجدهم لا يعلمون حتى ما نعني بكلمة بلد ولقد تبين أن 80% منهم لا يعرفون حتى الآن أن صدام حسين ليس هو بالضبط أفضل صديق لأسامة بن لادن.

يعتقدون بأنهما يعملان سويا كشخص واحد وبأنهما هاجمانا في الحادي عشر من سبتمبر. كل شيء عبارة عن حماقة كبرى. إذ لم يكن هناك أي صلة بين صدام وبن لادن، لكن بوش الابن أراد استكمال عمل والده وإظهار أنه الأكثر جسارة، بحيث أراد أن يتذكره الناس على أنه laquo; بوش بغدادraquo;, أي شيء من قبيل لورنس العرب.

* سجل استطلاع للرأي أجرته مؤخرا laquo;سي بي إسraquo; أن 75% من الأميركيين لا يتفقون مع إدارة الحكومة للأزمة في العراق، بينما هبط مؤشر قبول بوش إلى مستوى تاريخي. هل سيكون بوش الحاكم الأكثر كرها في تاريخ الولايات المتحدة؟

ـ حين قلت إنني لست متنبئا لم يكن ذلك يعني أنني لا أستطيع بين الفينة والأخرى التكهن بما سيحدث. فالمحافظون الجدد ـ الكلمة التي استخدمتها سابقا للإشارة إليهم كانت الفاشية ـ أرادوا السلطة كلها كي يتمكن تجمع الغاز والنفط من التصرف بحرية مطلقة وجعل الشركات الكبرى أكثر ثراء والتلاعب بالدستور، إلى درجة يفقد هذا الأخير معها أي معنى له. أرادوا السلطة العليا وحصلوا عليها لصالحهم في ظل ظرف آخر، فلقد اخترنا رئيسا غير مؤذ لهم، رئيس أبله بالفعل، أبله بكل ما للكلمة من معنى.

لو كان للشعب الأميركي وسائل إعلام حرة ويقظة بصورة حقيقية لما تم انتخاب هذا الرجل قط. إنه شخص غير كفء. صحيح أنه مر علينا الكثير من الرؤساء الأغبياء، لكن بوش حتى لا يجيد القراءة، فأنت تسمعه يتكلم لمدة عشر دقائق ويتبين لك بوضوح أنه لا يدري عما يتكلم وهو يائس محاولا تتبع السطور التي تظهر أمامه، فضلا عن أنه لا يستطيع الرد على الأسئلة من دون أن يكون بجانبه أحد مستشاريه.

لو كان لدينا وسائل إعلام مهتمة بالجمهورية وليس بالأرباح، لكان التاريخ مختلفا ومع ذلك فإنه يبقى هناك أمل. فعلى الرغم من كل شيء إلا أن ألبرت غور فاز في انتخابات عام 2000 عن طريق الصوت الشعبي وتقدم على بوش بنحو600 ألف صوت، لكن تدخل المحكمة العليا والغش في تعداد الأصوات كانا كفيلين بتزوير نتيجة الانتخابات. وتحولنا بين ليلة وضحاها إلى جمهورية موز ليس لديها موز للبيع. تلك هي مشكلتنا الكبرى الآن.