سمير عطا الله


تذكر اعدامات حكومة نوري المالكي المتلاحقة باعدامات كوبا في السنوات الأولى للثورة، واعدامات الثورة الايرانية لرجال السافاك وعهد الشاه، وطبعا laquo;بوجباتraquo; الاعدام في بدايات صدام حسين. على ان الفارق هو لحساب السيد المالكي، ويستحق التقدير، أو بالأحرى التثمين، بلغة الثورات، وهو ان الاعدام هنا يتم بعد المحاكمة لا قبلها، وأقوال المحكومين تدون وهم أحياء.

كانت الولايات المتحدة تسارع الى ادانة احكام الاعدام والمحاكمات الصورية. وكانت تذكر الدول بحقوق الانسان. وكانت ترسل صحافييها تحت الخطر الشديد لكي يسجلوا كيف تخرق الثورات تلك الحقوق. لكن اميركا اكتفت الآن بالقول ان الطريقة (وليس الاعدام نفسه) شأن عراقي. وهي تستنكر laquo;الفوضىraquo; في الاعدام وليس مظاهرها ومضامينها ودلالاتها والهتاف لمقتدى الصدر رمز حقوق الانسان في العراق الجديد.

هناك ما هو أسوأ من السقوط السياسي: المسخرة في تبريره. ونحن نعرف ذلك في لبنان أكثر من سوانا. فالقاموس السياسي عندنا لا يقضي بإعطاء الكلمات معانيها ومفرداتها بل بإعطاء المساخر تبريراتها. لم تعد هناك كلمة تعني ما تعني، ولا عادت هناك لغة واحدة ولا مفهوم واحد ولا معايير واحدة.

لقد فقدنا في العالم العربي ما كان ذات يوم أس التراث وركن التخاطب: الشهامة والفروسية والصدق. ويبدو ان بعض الشعوب تستطيب الخدر أكثر من مخدريها. وتتعاظم ظاهرة اتباع الغوغائيين وانحسار الاوادم والعمارين ودعاة الحرية. ويعم الفساد السياسي والمالي والضمائري وسط تصفيق الجماهير وتهليلها. وثمة جماهير على مدى الامة منقسمة الى فريقين: واحد يلطم وينوح، وآخر يهلل ويهتف ويرقص حول الجثث المعلقة مثل آكلي لحوم البشر.

اذا كنا قد سلمنا منذ زمن بأن العقل العربي قد قضى، فماذا حدث للضمير العربي ومعايير الأخلاق وموروثات السلوك والعادات، ولماذا اصبحت الحال القومية بلا خيار. وصارت في ايد لا هموم قومية لها ولا مشاعر انسانية حتى في قعر الحد الأدنى. فالعربي القتيل والعربي الحي والعربي المشرد والعربي الجائع والعربي المجوع، هو مجرد رقم احصائي في خدمة laquo;المقاومةraquo; أو laquo;السلطةraquo;، أمة بلا مستقبل وبلا خيار. تدعي انها تخاف المحتلين والمستعمرين، لكنها في حقيقة دواخلها لا تخاف سوى نفسها وأهلها ونواياهم وما أظهروا وما يضمرون.

وها هو الناطق الاميركي يقول laquo;لو تولينا نحن تنفيذ الاعدام لكان الامر مختلفاraquo;. كأن يكون أكثر حنانا ورأفة. وكان يمحى عن الشريط التهليل لمقتدى الصدر، كأنما صدام حسين لم يرتكب سوى جريمة واحدة في العراق هي قتل والده.

ويسعدنا في هذه المناسبة تثمين موقف الاخوة الاكراد. انهم غائبون عن السمع. ولا شأن للرئيس بما يقرره رئيس وزرائه ولا بصورة العراق ولا بمظاهر المشنقة والشنق واحجام الجلادين. وقد خسر صدام حسين كل معارك عمره، التي تميزت بالبلطجة والمسدس المربوط الى حزامه مثل رجال الكاوبوي، وربح معركة واحدة في الثواني الاخيرة من حياته، عندما بدا ارقى كثيرا من جلاديه، واهدأ اعصابا، وأرقى مظهرا. لقد فات حكام العراق اليوم ان يحولوا لحسابهم مشهدا مثيرا امام العالم ويظهروا كم انهم خليقون بنشر العدالة، لكن الارجح ان هذا أقصى ما يستطيعون.


العنوان الأصلي للمقال : مساخر مؤلمة