6 يناير 2007


سعد محيو


آخر التحليلات التي نشرت عن نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية الاخيرة، تكاد تجمع على أن الديمقراطيين لم يكونوا ليحققوا نصرهم الكاسح لو لم يتبنوا برامج عمل الجمهوريين في مجالين اثنين: الأمن والدين.

المستوى الأول أمره معروف، وهو أفرز ما يطلق عليه ldquo;ظاهرة المحافظين الجدد الديمقراطيينrdquo;. أما المستوى الثاني فهو الأكثر إثارة لأنه يتضمن لغزاً جديداً: كيفية نجاح الديمقراطيين في تكييف الفلسفة الليبرالية الحرة مع اللاهوت التبشيري المسيحي المطلق.

لماذا هو لغو جديد؟ لأنه سبقه لغز آخر: كيفية أقلمة الحزب الجمهوري نفسه لمبادئه الديمقراطية - الليبرالية مع النزعات الدينية الأمريكية المتطرفة.

الإجابة ليست سهلة. لكن مطالعة كتاب، رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق، نيوت غينغريتش الذي حمل العنوان ldquo;كسب المستقبل: عقد للقرن 21 مع أمريكاrdquo;(*)، يلقي أضواء مهمة على الدور الذي بات يلعبه الدين في السياسة الأمريكية.

غينغريتش، كما معروف، سياسي مخضرم ينتمي إلى مؤسسة ldquo;أمريكان إنتبرايزrdquo;. وقد سمّته ldquo;التايمrdquo; رجل العام سنة 1995 لخوض معركة الرئاسة الأمريكية.

في الكتاب، يدعو غينغريتش بوضوح إلى إعلان أمريكا العلمانية ldquo;مجتمعاً مسيحياًrdquo;. وفي فصل بعنوان ldquo;مركزية خالقنا في تعريف أمريكاrdquo;، يطالب بإعلان الحرب على القضاة والمربين الذين يمنعون التعبيرات العلنية عن الإيمان والصلوات التي تذكر الله، والذين يحدون بشكل عام من دور المسيحية في المجتمع. غينغريتش يريد توسيع هذا الدور، ويطالب بقبول أمريكا كمجتمع مسيحي أساساً، مستشهداً بإحصاء يقول إن 80 في المائة من الأمريكيين يعتبرون أنفسهم مسيحيين.

كما أنه يشًدد إلى حد كبير على الفكرة بأن المحاكم تعمد بشكل مستمر إلى تشويه التعديل الأول من الدستور الأمريكي، حين تمنع كل أنواع التعبيرات الدينية في المدارس والجامعات وباقي قطاعات المجتمع.

هذا عن الدين، أما عن الدنيا، فهذا السياسي الطموح يبدأ كتابه بفصل أول يتوقع فيه أن تستمر الحرب ضد الإرهاب حتى العام 2070 (!) وهو يطالب بمضاعفة حجم الاستخبارات الأمريكية ثلاث مرات (مع تركيز على الاستخبارات البشرية)، وبالتوجه إلى الشرق الأوسط بحضور تلفزيوني كبير، وإدخال زيادات كبيرة على الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية.

غينغريتش لا يتحدث عن أكلاف هذه البرامج، لكنه يقول إن المال سيتوافر حتماً إذا نفّذ ldquo;الجهاد الإسلامي كارثة جديدة في أمريكاrdquo;.

وفي فصل آخر يصب الكاتب جام غضبه على المهاجرين المكسيكيين، متبنياً بذلك تحذيرات صموئيل هنتنجتون من خسارة الانجلو ساكسون البيض لهيمنتهم على الولايات المتحدة. هذا برغم اعترافه بحاجة الاقتصاد الأمريكي لهؤلاء العمال.

***

هذا التوَجه، الذي يضع الدين المسيحي في خدمة السياسة، كان يمثل تيارات الأقلية خلال القرون الماضية. لكنه بدءاً مع عهد رونالد ريجان في السبعينات بدأ يتحول رويداً رويداً إلى أغلبية في صفوف الجمهوريين.

والآن جاء الدور على الديمقراطيين، الذين سيكملون رسم دائرة إطباق الأصولية المسيحية على السياسة. وهذا، إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه العولمة في نسف ركائز الدولة الامة (بما في ذلك الدولة - الأمة الأمريكية)، سيجعل من المشروع طرح السؤال: هل بدأ العد العكسي لنهاية الديمقراطية الليبرالية في أمريكا لمصلحة الأفكار الشمولية؟