6 يناير 2007

(2)


د.عبدالله خليفة الشايجي


كما أشرنا في مقالنا الأخير، فان اعدام صدام حسين فتح المزيد من الاسئلة حول الوضع المذهبي والاحتقان الطائفي في العراق، والذي صور والبس أبعادا مذهبية تصفه النيويورك تايمز laquo;بالاعدام البشعraquo;، بالتأكيد لن يساهم الزمان صبيحة العيد ولا مكان الاعدام شعبة الاستخبارات المسؤولة عن إيران، ولا الهتافات التي صاحبت الإعدام بمعانيها الطائفية ولا الشريط المسرب الذي صاحب الإعدام في التسريع بلم شمل العراقيين المشتت.
بل سيستفز ذلك كله فئة من العراقيين وسينظرون اليه كانتقام وليس احقاقا للعدالة، بينما ما كنا نتمناه نحن وضحايا صدام العديدين وأهاليهم هو ألا يحصل صدام على ذلك الشرف وتلك الصفة التي لا يستحقها، وهذا أمر مؤسف لم يكن ليحدث لو غلب منطق العقل والتعقل وتم اعدام صدام بسبب جميع جرائمه ومجازره واعتداءاته، ولو تم ذلك في ظروف وبيئة مختلفة مما آلت اليه الاوضاع.
رحل صدام مع أطنان الأسرار ولن يحاكم على غزوه واحتلاله واستباحته للكويت، والسؤال الكبير الذي يطرحه اعدام صدام هو الى أين نذهب من هنا في علاقتنا المستقبلية مع العراق الذي يتشكل أمامنا بصبغته وانقسامه على خطوط وتضاريس طائفية ومذهبية وعرقية وأثنية.
وهكذا يتحول صدام حسين من طاغية ومجرم حرب الى بطل وشهيد لدى الكثير من الشارع العربي، حيث ينظر المواطن العربي الذي يحكم بقلبه وعاطفته اكثر من عقله بأن صدام وقف مع العرب وتحدث عن عروبة فلسطين وتحدى أمريكا وذهب الى المقصلة بخطوات لم يعترها الخوف بل برباطة جأش وهدوء اعصاب، مما يعني ان اسهمه في العقل العربي قد ارتفعت لتلك الاسباب، وبسبب اخطاء وتخبطات طائفية ومذهبية اختصرتها منصة الاعدام وردود الفعل داخل وخارج العراق على الاعدام وزمانه وتوقيته ومكانه ومعاني ذلك كله. فيما نسي او تناسى الكثيرون طبيعة وشخصية والسجل الدموي لذلك الديكتاتور الذي حوله البعض الى بطل وشهيد، وهذا كله كان من الممكن تجنبه لو تعاملت أمريكا بالدرجة الأولى والحكومة العراقية مع اعدام صدام حسين بطريقة اختلفت فيها البيئة والزمان والمكان.
بقي صدام مثارا للجدل في مماته كما كان في حياته واعدامه لن يساهم سوى بزيادة فرقة وانقسام العراقيين، اعدام صدام بسبب جريمة الدجيل مع فداحتها ووحشيتها والتي تتقزم امامها جرائمه من غزوه واحتلاله للكويت وحربه لأعوام ثمانية دامية مع ايران والمقابر الجماعية ومجازر الأنفال التي كان لا يزال يحاكم عليها وحلبجة وتجفيف الأهوار وابادة عشرات الآلاف من العراقيين واجبار ثلاثة الى أربعة ملايين عراقي على اللجوء السياسي والحرمان من العودة لبلدهم وأهلهم، لن يحاكم ولن يدان صدام شخصيا بسبب كل تلك الجرائم البشعة، الدجيل اختصرت جرائمه ووحشيته، وهذا ما يؤسف له.
صحيح ان صدام حسين اعدم في النهاية، ولكن ذلك الاعدام لم يشف غليلنا في الكويت ولا أعتقد ان ضحاياه وذويهم قد شفي غليلهم سواء كانوا كويتيين أو ايرانيين او عراقيين او غيرهم، لم يحاكم ويدن صدام حسين على جريمة العصر لغزوه واحتلاله الكويت ولجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية العديدة التي ارتكبها خلال احتلاله للكويت طوال سبعة أشهر.
والسؤال الكبير الذي يطرحه اعدام صدام هو الى اين نذهب من هنا في علاقتنا المستقبلية مع العراق الذي يتشكل أمامنا بصبغته وهيكله المنقسم على خطوط وتضاريس طائفية ومذهبية وعرقية وأثنية؟
وماذا عن الملفات التي لا تزال مفتوحة والأهم من ذلك عن الجراح التي لم تندمل والتظلمات والهواجس المحقة التي نشعر بها ونعيشها ككويتيين، حيث على الرغم من اقترابنا من الذكرى الرابعة من الحرب العراقية وتطبيع العلاقة مع العراق، الا ان الحذر والترقب والتخوف من تحول العراق الى دولة مفتتة والانعكاسات المقلقة لذلك، يبقى الهاجس الذي يؤرقنا.
لا يزال البعض او العديد من العراقيين يؤمنون بتبعية الكويت للعراق وظلم التاريخ وجور الجغرافيا، والعديد يرفض ترسيم الحدود الذي تم بقرار من مجلس الأمن عام 1993، ويرون ان الديون وأموال التعويضات التي لم يشفع للكويت اسقاط %80 منها حسب ما اوصى به نادي باريس للدول الدائنة للعراق، انما تعاقبهم مرات عديدة على جرائم وخطايا لم يكن لهم دور فيها، انما كانت من نتاج سياسات صدام حسين الذي سقط نظامه وولى الى غير عودة.
انها حقائق مؤلمة في نظرهم ولكنها لا ترقى الى ابعد من الخيال والأوهام في نظرنا. وهكذا تستمر الامور على ما هي عليه. ونبقى مع صدام او عدمه مع اعدامه ومن دونه في المربع الاول من العلاقات المأزومة، والتي نمني النفس ان تكون غير ذلك مع العراق الجار والشقيق الذي نشاهده يتشظى وينهار امام ناظرينا دون أن نملك الكثير من القدرات والخيارات للتعامل مع وضعية الجار الكبير والذي تلعب دول اقليمية مثل ايران دورا مؤثرا على مجريات الامور وخواتيمها، فيما تبقى الحقيقة المؤلمة بأن مخاض العراق الطويل والمؤلم وما يجري فيه وما يؤثر في استقراره وأمنه من عدمه يؤثر فينا في الكويت والمنطقة أكثر مما يجري ويتفاعل في أي كيان آخر من حولنا، وللحديث تكملة....