منتصر الزيّات

لم يكن مقصودا تبرير كل المخالفات التي ارتكبها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، وسط كل خيم ومجالس العزاء التي نصبت في عواصم عربية وإسلامية مختلفة ، وإن اختلفت المقاصد ودرجات التعاطي مع الحدث بقدر ما قصد التعبير عن التحدي في وجه المحتل البغيض الذي يحاول أن يعبر أزماته وورطته في العراق علي حساب كرامتنا وكبريائنا لا يختلف اثنان أن مشهد الاعدام علي النحو الذي شاهدته البشرية صبيحة يوم عيد الأضحي أصاب الانسانية في مقتل وقد قصد به معني واحد طائفي شامت عبر عنه أحد كبار ساسة النظام العراقي بأنه توقيت مقصود إفراد صدام بتنفيذ الاعدام في صبيحة عيد الأضحي ؟ وما تم كان بموافقة المحتل ومباركته الذي سلم صدام إلي الطائفيين ليمثلوا به ويهينوه ويهتفوا هتافات عنصرية بغيضة ولو زعم كبيرهم النائم في البيت الأبيض أنه لم يشاهد وقائع تنفيذ الاعدام أو الشريط الذي سجل تلك اللحظات.

إذا الاحتلال قصد إغاظة الأمة العربية التي شئنا أو أبينا صدام رمز من رموز نظامها الرسمي كرئيس عربي اطاح به الغزو عنوة ولم يعامله كأسير حرب ، بل شكل بقرار من الحاكم الامريكي لبغداد محكمة خاصة لمحاكمته كانت مسرحية هزلية أجبر قاضيها الأول علي الإستقالة وأقيل الثاني وكان أداة الاحتلال والطائفيين ثالثهم بما فعل ونطق ، أرادوا كسر إرادة الأمة وإضعافها بمشاهدة صدام حسين علي هذا النحو كما قال الشاعر : في عيد الأضحي بالبهايم مضحين ..وبوش يضحي للعروبة فحلها.

استيقظنا صبيحة عيد الأضحي علي مشهد الاعدام بدلا من أن نذهب لصلواتنا وأضحياتنا ، كان الحرص باديا علي إيلامنا ، علي إغاظتنا حتي نحن الذين لم نقر يوما صدام علي ما فعل أبان كان في أوج سلطته وحكمه يقول قائل إنه القصاص إذا ؟ القصاص توقعه الأمة إذا قدرت عليه ، الأمة هي التي تحاكم وفق محاكمات عادلة تتاح فيها كل ضمانات الدفاع ومعايير المحاكمة المنصفة ، ومتي قدرت الأمة المعاصرة علي محاسبة حاكم مستبد من حكامها علي كثرتهم علي مر العصور ، كنا يمكن أن نقبل محاكمته بمعرفة قضاة عدول تتوفر فيهم النزاهة والعدالة والحيدة ، والقضاة ثلاث كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم واحد منهم فقط في الجنة عرف الحق وقضي به واثنان في النار ، أما أن تجري محاكمة تحت ظلال الاحتلال ودون ضمانات عادلة ، لقد حاكموا الذين ارتكبوا جرائم إبادة ضد المسلمين في البوسنة والهرسك أمام محكمة دوليه !!

أمام قضاة دوليين ، أما صدام فيحاكم بمعرفة المحتل والطائفيين !!

لم تكن مجالس العزاء بالأساس تتنكر لجرائم صدام في قمع معارضيه أو مناصبة إيران العداء والحرب أو غزو الكويت ، فهو لم يحاكم أيضا بسببها في قضية الدجيل ، أسرار كثيرة لم نعرفها ولم نسمعها من مصادرها كان من الممكن أن نعرف حقائقها لو جرت محاكمة دولية نزيهة ، لكنها تصدت للاحتلال وتابعيه. قد يصور البعض وقد يرمي المحتل أيضا ما حدث علي أنها منازلة بين الشيعة والسنة ، واظن أن الأمر ليس علي هذا النحو علي الأقل بالنسبة للكثرة الغالبة من النخب والمثقفين الذين لم يكونوا رقما من عدد الأزمة داخل العراق بعد سقوط صدام واحتلال العراق ، والصدامات الطائفية التي تقع كل يوم منذ ذلك الحين ، ولا للذين لا تتوفر لهم المعلومات بشكل دقيق عما يجري داخل العراق ، تلك الكثرة الغالبة من الأمة أحاطت الثورة الايرانية بدفء أحضانها وهي تقتلع شاه ايران ونظامه الشاهنشاهي ، و أمدت شيعة لبنان بغطاء سياسي وشرعي لمقاومته الاحتلال الصهيوني لمزارع شبعا واقتحامه أراضي لبنانية ، الموقف إذا ليس من الشيعة بل من الاحتلال فمن كان مع الاحتلال فالأمة تجتمع علي منابذته كان شيعيا أو سنيا او قوميا ومن نابذ الاحتلال وقاومه فالأمة تحيطه بحمايتها ومباركتها.إن المسلمين الأوائل حزنوا حزنا شديدا لهزيمة الروم المسيحيين علي يد الفرس المجوس ونزل قرآن يتلي (غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ، في بضع سنين ، لله الأمر من قبل ومن بعد ) فكيف نقبل أو نفرح أو نمرر إعدام حاكم عربي وإن كان مستبدا علي يد بوش وبلير وحفنة من الطائفيين العنصريين المتعصبين.

لا شك يحسب لصدام أنه تلقي عروضا بتوفير ممر آمن يخرج به من العراق غير أنه أبي وبقي داخلها ، يحسب لصدام أنه رفض إعلان تنازلات للمحتلين مقابل العفو عنه وبدا في مشاهد التحدي لجلاديه في كل جلسات محاكمته ، يحسب لصدام أنه حمل المصحف الشريف وعكف علي تلاوته طوال ثلاث سنوات هي مدة أسره وسجنه ومحاكمته وقبيل قتله ويحسب لصدام شموخه وإباءه وثباته أثناء تنفيذ القتل به ، يبتسم لشامتيه مستنكرا فعلهم مستبعدا رجولتهم !! ونطقه الشهادتين في علو واستعلاء سألني سائل لم يبد صدام ندما علي جرائمه التي ارتكبها ؟ اتصور أن محاكمته بمعرفة الاحتلال تجعل من ذلك أمرا غير مقبول فكأنه يسترضي جلاده وغازيه ومحتل أرضه وشعبه ، أما سره فهو بين يدي ربه ومن ذا الذي يتألي علي الله أنه لن يغفر له.

إن المشهد الذي توقف عند إعدام صدام حسين يفرض علي حكام العرب والمسلمين واجب التحصن بشعوبهم ، وأن الشعوب لن تقاتل عن الحكام المستبدين ، وتفرض عليهم ضرورة العدل في الحكم واستلهام شرع الله ومبادئه قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، كما تفرض علي الأمة ألا تستقوي بالعدو الخارجي الأجنبي في أي شأن من شؤوننا الداخلية حتي علي الحكام المستبدين ، فإما أن نقوي علي مقاومتهم أو نصبر فلا نسمح بتقسيم الأمة وتفتيتها لدويلات ونستنسخ حكاما أجانب محتلين مرة أخري لبريمر وغيره ، فالحاكم المستبد الذي يوحد الأمة ويحافظ علي لحمتها أفضل من الحاكم المؤمن الضعيف الذي تذهب لحمة الدولة وتتفتت بسبب ضعفه.