جيفري كمب


لن تفلح محاكمة صدام حسين وإعدامه كثيراً في التئام الجرح العراقي وتحقيق المصالحة الوطنية المنشودة. على عكس ذلك تماماً، فإن الأرجح أن تسفر الطريقة التي تمت بها معالجة الأيام الأخيرة من حياة صدام عن زيادة التوترات والاحتقان الداخلي، وأن تضع المزيد من المصاعب والتحديات أمام الرئيس بوش، وهو يتجه نحو تبني سياسات جديدة إزاء العراق. ففيما لو كانت جرت محاكمة صدام أمام محكمة دولية، لكان مؤكداً أن يظل على قيد الحياة حتى الآن، وكان مؤكداً أن تطمئِن المحكمة المجتمع الدولي على نزاهة وعدالة المحاكمة التي خضع لها.

بل وفوق ذلك وربما أكثر أهمية منه، أن توفر تلك المحكمة من الوقت ما يكفي لتوثيق وتسجيل الكثير من الجرائم التي اقترفتها يداه. ولا تقتصر هذه الجرائم على شعبه العراقي وحده، وإنما طالت دولاً وشعوباً مجاورة أخرى، مثل إيران والكويت، اللتين غزاهما عسكرياً. غير أن الذي حدث هو إصرار إدارة بوش وكذلك الكثير من القادة العراقيين المنتخبين، على أهمية محاكمة صدام أمام هيئة قضائية وطنية. والذي نراه الآن، هو هزلية المحاكمة وإخفاقها في الكشف عن كل الجرائم التي ارتكبها صدام. وبالنتيجة أيضاً، فقد جرى اغتيال عدد كبير من أعضاء هيئة محامي دفاع صدام، بينما جرى تغيير قاضي المحكمة الرئيسي عدة مرات. ومن جانبه لم يألُ صدام جهداً في إهانة المحكمة واحتقارها والحط من شأنها. والأكثر لفتاً للنظر والانتباه، أن محاكمته قد انتهت قبل أن تتمكن المحكمة من النظر في الفظائع الوحشية التي ارتكبها خلال quot;حملة الأنفالquot; سيئة الذكر، التي شنها في عقد الثمانينيات، مع العلم أنها الحملة التي شهدت تشريد مئات الآلاف من الأكراد من قراهم، بينما لقي الكثيرون منهم مصرعهم.

وعلى الرغم من أن الشكوك لا تطال صحة القرار النهائي الذي أصدرته المحكمة بإدانة صدام، فإنه كان من المتوقع أن يتم التعامل مع الطعن الذي تقدمت به هيئة الدفاع، بما يؤكد النزاهة ومراعاة اللياقة اللازمة في النظر فيه. لكن بدلاً من ذلك، فإن الذي حدث هو الهرولة برأس صدام إلى حبل المشنقة، بينما أقدم أحد المشاركين في تنفيذ الإعدام على تصويره، ما أعطى انطباعاً رائجاً على نطاق العالم بأسره، بأن الذي حدث هو طقس انتقام أكثر منه تنفيذاً للعدالة وحكم القضاء. أما السلطات الأميركية التي باشرت من ناحيتها تسليم صدام حسين لحكومة نوري المالكي، فهي لم تعد لها حيلة ولا سيطرة على الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الإعدام، على رغم الاتفاقات السابقة التي توصل إليها أولئك المسؤولون الأميركيون مع الطرف العراقي، على أن يكون التنفيذ لائقاً وحافظاً لكرامة صدام.

غير أن الذي حدث، هو أن العالم كله قد شاهد بأم عينيه، أن ذلك التنفيذ يمكن أن يوصف بأية صفة أخرى، عدا عن كونه لائقاً وحافظاً للكرامة الإنسانية. وكيف له أن يكون كذلك، وقد كان من بين المشاركين في إجراءات التنفيذ، مؤيدون وquot;هتيفةquot; موتورون من الموالين لخصمه الشيعي مقتدى الصدر؟ وبسبب كل الملابسات التي أحاطت باللحظات الأخيرة من حياة صدام، فقد كانت المسألة أقرب إلى الاغتيال منها إلى الإعدام القانوني المشروع. وبين هذا وذاك ظل صدام حسين على تحديه لجلاديه، وواصل سبابه لهم حتى اللحظة التي سقط فيها جسده هامداً متدلياً من الحبل إلى جب بئر المشنقة.

ولكل ذلك، فقد كان تعامل حكومة المالكي الطامحة لرأب الصدع الطائفي في البلاد، ولتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية بين العراقيين، خطأًَ فادحاً، ولا نراها تبذل أي جهد حتى الآن لتصحيحه. أما بالنسبة لإدارة بوش، فقد جاء طقس الإعدام صفعة كبيرة لها، وهي تأمل في تحقيق قدر من المصالحة السياسية هناك، يتوازى وجهودها الرامية لتحسين الوضع الأمني المحتقن.

والآن فقد أصبح هذا الانقسام الطائفي العراقي، واقعاً لا مناص من الاعتراف به، ما يضع تحديات جديدة وكبيرة أمام إدارة بوش، في مساعيها الهادفة لرأب الصدع العراقي.