محمد صادق دياب


لقاضي محكمة laquo;المويهraquo; تلك المدينة الصغيرة في السعودية نقف احتراما، فلقد تجاوز هذا القاضي نمطية العقوبات التقليدية التي تتمثل عادة بالسجن والجلد، فأصدر حكما على اثنين من الأحداث، أحدهما مرتكب لعدد من السرقات بينما الآخر مشتبه في تناوله المسكرات، فحكم على الأول بتنظيف 26 مسجدا بمعدل ساعة لكل مسجد، إضافة إلى خدمة مكتب الأوقاف لمدة 100 ساعة، فيما حكم على الحدث الآخر الذي اشتبه في تناوله المسكر بتنظيف 26 مسجدا بمعدل ساعة يوميا خلال شهر.

هذا الحكم التربوي الناضج الذي أصدره القاضي أنقذ الصغيرين من المصير المجهول الذي كان ينتظرهما لو طبقت عليهما أحكام بالسجن، فهما من خلال الحكم الذي أوجب على الواحد منهما خدمة المجتمع لفترة زمنية معينة، سيتعلمان الكثير من الفضائل، فالسجن مهما تعددت مسمياته لا يشكل الخيار الأمثل لتأديب الأحداث، فلهذا القاضي الرائع كل الإعجاب وكل الاحترام، فهو يستحق بأسلوبه الحضاري أن يكون قدوة ونموذجا ومثالا.

فهذا القاضي لم ينتظر نتائج الدراسة التي تنشغل بها وزارة العدل هذه الأيام مع عدد من الجهات الحكومية لإيجاد بدائل لعقوبة السجن كتقديم خدمات اجتماعية أو حضور دورات تدريبية إصلاحية أو المشاركة في الأعمال الخيرية، وآثر أن يخطو بنزعته التربوية الواعية خطوة البداية ليضيء ملامح النهج للآخرين.

وأتمنى أن تنتقل هذه التجربة من محكمة laquo;المويهraquo; في تلك المدينة الصغيرة إلى مختلف المحاكم في المدن الصغيرة والكبيرة، وأن ينتقل تطبيق هذا الأسلوب أيضا من الأحداث إلى الشرائح العمرية الأكبر في بعض القضايا المحدودة التي ليس لمرتكبيها أية سوابق، فالكثير من الأحكام بالسجن لا يقتصر ضررها على السجين ولكنها تمتد إلى عائلته وأطفاله تربويا واجتماعيا واقتصاديا، فضلا عن أن في تطبيق أسلوب خدمة المجتمع تربية للمذنب وجدوى للمجتمع.

أتمنى حقا أن تثمر الدراسة التي تعكف عليها وزارة العدل حاليا في إيجاد بدائل لعقوبة السجون بحيث تحقق هذه البدائل أغراضها في الإصلاح والتهذيب والتوعية، وأن نستفيد من تجارب دول قطعت شوطا كبيرا في تطبيق مثل هذه الأساليب، ولها وسائلها التقويمية لمثل هذه التجارب، فالسجن كالكي ينبغي أن يكون آخر حدود الدواء.

[email protected]