صالح القلاب

التدخل العسكري الأثيوبي في الصومال، الذي إتخذ طابع الإجتياح الشامل ووصل حتى آخر نقطة على الحدود مع كينيا في الجنوب ، له دوافع كثيرة والأزمة الصومالية بالأساس لم تكن مجرد خلافات عشائرية ومناطقية بعد إنهيار الدولة التي حكمها سياد بري بالحديد والنار وأوصلها الى ما وصلت إليه وأصبحت مضرب مثل على التشظي والتمزق في العالم كله .. إنها بالإضافة الى كل هذا كانت نتيجة تعارض وتصادم المصالح الإقليمية والدولية في هذا البلد السيىء الحظ.

وبداية لابد من الإشارة الى ان ميلس زيناوي ، الذي ورث نظام مانغيستو هيلا ماريام بكل عيوبه وسوءاته ، وآسياس أفورقي ، الذي بدأ ماركسيا وإنتهى حليفا للغرب وإسرائيل والذي سرق بيرق الثورة الأرتيرية من عثمان صالح سبي ، كانا رفيقي درب واحد وهما من منطقة تيجراي الأثيوبية نفسها وناضلا طويلا في خندق واحد قبل أن يفترقا وينخرطا في حروب مدمرة آخرها الحرب الصومالية المحتدمة الآن .

أراد آسياس أفورقي ان يطوق نظام رفيق الأمس وعدو اليوم بجغرافيا تمسك بعنقه من الجنوب فهداه الله الى المحاكم الإسلامية فاعتمدها ومعه بعض الدول العربية حتى غدت قوة مرعبة ، على غرار ما كانت عليه طالبان في بداية إنطلاقتها ، إقتربت إنتصاراتها من الحدود الأثيوبية حيث كانت الحكومة المؤقتة تختبىء وتنتظر هذا الخطر الزاحف كالقطة المذعورة .

وأراد ميلس زيناوي ان يعتمده الأميركيون في منطقة القرن الإفريقي فتحرك بسرعة مستغلا الظروف الدولية والإقليمية التي غدت ملائمة وأرسل دباباته التي ورثها من مانغيستو هيلا ماريام لتطارد ميليشيات المحاكم الإسلامية وتطارد معها نفوذ آسياس أفورقي الى ما بعد العاصمة الصومالية مقديشو .

لقد أراد زيناوي ، الطموح والذكي والشاطر ، أن يعيد لأثيوبيا (الحبشة) أمجادها الإمبراطورية فارتمى مبكرا في الحضن الأميركي الدافىء وأراد أن يكون شرطي هذا النتوء القاري المطل على البحر الأحمر وعلى مضيق هرمز وعلى طرق النفط نحو الغرب فاستغل ظهور المحاكم الإسلامية التي ذكرت العالم بحركة طالبان وبتنظيم القاعدة فضرب ضربته في اللحظة المناسبة وجعل حلفاءه الصوماليين الأتباع يستعيدون حكمهم الذي كان بالأساس أوهى من خيوط العنكبوت .

هناك أكثر من هدف حققه ميلس زيناوي فهو أولا أصبح شرطي القرن الإفريقي وراعي طرق النفط وممراته ، من إيران ومنطقة الخليج الى الغرب ، وهو أضعف خصمه اللدود آسياس أفورقي وهو أيضا زعزع معنويات الإسلام الأصولي في بلاده الذي كان ينتظر زحف المحاكم الإسلامية كما أنه ضمن إطلالة على البحر الأحمر لبلاده التي بعد تحرر أريتيريا في مطلع التسعينات غدت دولة مغلقة ومحرومة من آية نافذة بحرية .

إنها إنتصارات في غاية الأهمية وهي جاءت بينما هذا الجزء من العالم يشهد إعادة رسم خرائطه من جديد لكن ما يجعل فرحة زيناوي بإنتصاراته هذه الهامة جدا مهددة بأن تتحول في أي لحظة الى كوابيس مرعبة ان دولا كثيرة قريبة وبعيدة لا يمكن ان تستسلم لما حصل ولا يمكن أن تسكت على إمتداد نفوذ أثيوبيا كل هذا الإمتداد ، الذي هو نفوذ أميركي ، في منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية والحساسة ولهذا فقد يتم إستدراج الأميركيين الى هذه المنطقة كما تم إستدراجهم الى أفغانستان والعراق وليبدأ إستنزافهم هنا كما هم يستنزفون الآن في هاتين الدولتين اللتين باتتا رمالا متحركة تغرق فيها القوات الأميركية .