د. حسن مدن


في حال اتفقنا على أن خيار الحرب ضد إيران، أو أقلها الضربة العسكرية الأمريكية لمواقعها النووية، باتت خيارا مرجحا، وسط أنباء عن إن سيناريو مثل هذه الضربة جاهز منذ مدة، وأن الأمر يتوقف الآن على اختيار التوقيت الذي يراه القادة العسكريون والساسة مناسبا، فعلينا، إذاً، قراءة الاستنفار الطائفي الذي تشهده المنطقة بوصفه ضرورة نفسية من ضرورات تهيئة الأجواء لمثل هذا الخيار العسكري. ويمكن أن يذهب الأمر بالمحللين ليروا أن الكثير مما يدور في المنطقة لا يبدو عفويا، وإنما هناك مساع واعية لتوجيهه في الوجهة التي تجعل من الخيار العسكري في المنطقة، مرة أخرى، خيارا مبررا ومقبولا.

ويساعد في صب الزيت على النار، كما يقول التعبير الدارج، ضيق أفق وتخبط بعض الساسة المحليين الذين دفعت بهم إلى الواجهة نتائج وتداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، الذين برهنوا على فشلهم في ضبط الثارات والنوازع المذهبية الضيقة وكبح جماحها، وهو أمر تجلى في الطريقة الممجوجة التي تم بها تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إن بالنظر لاختيار توقيت تنفيذ الحكم أو في ما أحاط بالعملية من تصرفات وهتافات، وهي أمور نرى بأم العين كيف أسهمت وتسهم في التسعير الطائفي ليس داخل العراق وحده، وإنما خارجه أيضا، خاصة أن ذلك ترافق مع حرص البعض، على الضفة الأخرى، على انتزاع صفحات موغلة في القدم، عن الخطر الصفوي وإعادة توظيفها في بيئة لا تعدم تقديم ذرائع هذا التوظيف بصورة مجانية.

بتوسيع النظرة لما يدور بحيث يدرج في سياقه احتداد وتفاقم المواجهة داخل لبنان، والتي تتخذ للأسف، وربما للمرة الأولى، طابع الاستقطاب السني الشيعي، في بلد عرف بتجاذباته الطائفية خلال العقود الماضية، لكن ليس بهذه الصورة، مع اشتداد تأثير العوامل الإقليمية في إطار المواجهة الأشمل بين أمريكا وإيران، يمكن أن نقدر خطورة المسار الذي تندفع فيه الأمور في المنطقة كلها، إن لم يجر تدارك الأمر بوضع المسائل في نصابها، بتغليب الطابع الوطني للسجالات والتجاذبات الدائرة كونها تتصل بمستقبل هذه الأوطان الكيانات المعرضة للضياع والتفتت لتغرق المنطقة في أتون حروب أو نزاعات وصراعات مذهبية، ستكون مطلوبة لزوم إخضاع المنطقة للنفوذ الخارجي بصورة تتخطى ما عهدته في المراحل السابقة، وهذا يعني إعادتنا إلى ما يشبه نقطة الصفر، خاصة وأن الأفكار والقوى التي كانت روافع للحداثة والتقدم الاجتماعي وللدولة الوطنية الحديثة بصفتها إطارا متقدما يؤسس لكيانات أكبر، تتراجع ويتقهقر نفوذها كما لم يحدث من قبل، وتكشف الطبقة الوسطى عن هشاشتها واختراق وعيها وبناها بالموروثات التقليدية التي تجعلها منزوعة الدور إزاء ما هو معول عليها من مسؤوليات، مما يعني أن الساحة باتت مفتوحة لزعماء الطوائف والعشائر وقادة الميليشيات المسلحة التي لا يمكن أن تتشكل إلا من الدهماء التي تقاد بصورة عمياء نحو المزيد من معارك التخلف.