جهاد الخازن


اللبناني قد يخاف من الأكثرية أو المعارضة على بلده، والفلسطيني قد يخاف من حماس أو فتح، والعراقي قد يخاف من الجميع، غير ان الخوف الأكبر في الشرق الأوسط العربي يجب ان يكون من مواجهة مسلحة بين ايران والولايات المتحدة (أو اسرائيل)، أو اتفاقاً.

إذا ضربت الولايات المتحدة (أو اسرائيل) المنشآت النووية الايرانية فالحرب مع ايران ستفيض عن حدودها لتشمل العراق والخليج وسورية ولبنان وفلسطين. واذا اتفقت الولايات المتحدة مع ايران، فالاتفاق سيكون على اقتسام الشرق الأوسط كمنطقتي نفوذ، واحدة للأميركيين والأخرى للإيرانيين، كما حدث عندما اقتسم فرانكلين روزفلت وونستون تشرتشل الشرق الأوسط سنة 1945.

ربما عدت الى كتاب laquo;الجائزةraquo; من تأليف دانيال بيرغن في الأيام المقبلة، فهو يستند الى وثائق رسمية في شرح المساومة على طريقة laquo;البازارraquo; بين القائدين الأميركي والبريطاني، حتى توصلا الى اقتسام الشرق الأوسط، كمناطق نفوذ نفطية، قبل أي اعتبار آخر. وإن كان من شيء منذ 1945 فهو ان أهمية النفط زادت أضعافاً، وزادت بالتالي الأخطار المرافقة، فالحرب على العراق نفط قبل ان تكون سياسة، ومثلها أي حرب مقبلة مع ايران أو اتفاق. ويبدو ان حكومة المالكي في العراق أعدّت قوانين تسلم نفط العراق للشركات الأجنبية، الا ان هذا موضوع آخر ليوم آخر.

ايران تواجه مشاكل نفطية كبرى، ربما يبرر ان يقول الرئيس محمود أحمدي نجاد ان بلاده في حاجة الى الطاقة النووية بديلاً من النفط.

غير ان الموضوع ليس أبيض وأسود وإنما هناك ظلال من الرمادي تحيط به، فبعض مشاكل ايران النفطية من صنع النظام هناك، لأن الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة يجرى ضمن أضيق نظاق ممكن منذ سنوات، وقد زادت الصعوبات في رئاسة أحمدي نجاد لأن تطرفه السياسي جعل الولايات المتحدة تخوض حملة ناجحة لمنع الشركات الأجنبية من التعامل مع ايران، وتهديدها بعقوبات اذا فعلت. وقد نشرت laquo;لوس أنجليس تايمزraquo; خبراً في صدر صفحتها الأولى على الانترنت الأحد الماضي يشرح أبعاد الحملة الأميركية.

وكنتُ نقلت الأسبوع الماضي معلومات سمعتها من وزير خارجية خليجي في اتصال هاتفي، فلم يمضِ يومان حتى كنتُ أراجع ما نشرت مع مسؤول خليجي بارز، اختصاصه الأول صناعة النفط، في الخليج والعالم.

هو أكد الضغوط الأميركية لمنع التعاون مع ايران، وقال ان شركات يابانية وفرنسية انسحبت من مشاريع نفطية في ايران، وما يزيد من مشاكل الحكومة هو ان البرلمان غير مقتنع بفائدة عقد صفقات مع شركات أجنبية، وقد بدأت هذه الشركات تنسحب تباعاً لأنها تجد العقود الايرانية غير مجزية.

المسؤول الصديق أصرّ على ان ايران تبقى الدولة الثالثة في المخزون النفطي المعروف، وهو شرح حديث العجز ونفاد النفط في شكل آخر وقال ان استهلاك النفط في داخل ايران هو في حدود 1.2 مليون برميل الآن، والاستهلاك هذا يزيد بمعدل 10 الى 12 في المئة سنوياً، في وقت ينخفض فيه الانتاج ثمانية في المئة (عندي أرقام أخرى للانخفاض السنوي تصل الى 12 في المئة)، لذلك فالحديث عن ان النفط الايراني laquo;سينتهيraquo; سنة 2015 معناه ان الاستهلاك المحلي سيعادل الانتاج، ما يترك ايران من دون صادرات نفطية.

لا أتصوّر ان ايران ستترك الوضع يتطور بهذا الشكل من دون ان تحاول وقفه، أو عكسه، لذلك أعود الى ترجيح مواجهة عسكرية أميركية مع ايران أو اتفاق، على حساب الدول العربية.

جورج بوش وأحمدي نجاد وجهان لعملة واحدة في التطرّف، وكما ان الأول خسر الحرب في العراق والانتخابات في أميركا، ولا يزال يكابر ويعاند، ويضع خططاً تزيد حجم المأساة، بدل حلّها، فإن الثاني خسر أيضاً انتخابات بسبب سوء ادائه السياسي فردّ بالتصعيد مهدداً بسلاح النفط غير الموجود فعلاً.

الأميركيون لا يفهمون معنى زيادة القوات الأميركية في وضع خرج نهائياً عن نطاق السيطرة، أو إنفاق بلايين أخرى على الحرب، او لايجاد وظائف. والايرانيون لا يفهمون ان يتخبط بلد نفطي كبير في ضائقة اقتصادية متواصلة، وبدل ان تحاول الحكومة تحسين أداء الاقتصاد أو تطوير تكنولوجيا النفط تنفق مبالغ كبيرة على تحالفات خارجية مع laquo;حزب اللهraquo; و laquo;حماسraquo; وغيرهما، تزيد العداء الغربي، خصوصاً الأميركي، للسياسة الايرانية.

مع تطرّف حكومة أحمدي نجاد لا أستبعد شيئاً. فهي قد تخوض مواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة (والتطرّف هذا ينطبق أيضاً على جورج بوش) أو تسعى الى بسط سلطتها على العراق لزيادة مخزونه النفطي الى مخزونها ومواجهة العالم الخارجي كقوة يجب ان يحسب لها حساب. والموضوعية تقتضي ان نزيد احتمالاً آخر هو ان تكون الحكومة الايرانية تعتقد بأن النفط سينتهي فعلاً، عاجلاً أو آجلاً، وانها في حاجة الى طاقة نووية تؤمن الكهرباء وتخفف من استخدام الغاز والنفط.

ربما كان من حسن حظ العرب ان في الحكم في واشنطن وطهران رئيسين صِداميين جاهلين، فالمنطق يقول ان الولايات المتحدة وإيران تستطيعان الاتفاق، وان من مصلحتهما الاتفاق، وهذا لا يزال احتمالاً قائماً، وان كان ضعيفاً، خصوصاً ان اسرائيل تخشى قدرة نووية عسكرية ايرانية، ولها من النفوذ في واشنطن ما يقنع ادارة بوش بخوض حروبها نيابة عنها بأموال الأميركيين وأرواح أبنائهم.