سركيس نعوم

لا شك في ان الجمهورية الاسلامية في ايران تعرف الصعوبة الكبيرة لوضعها النفطي وتعرف ان تأكّله لا بد ان يعطل الكثير من مشروعاتها المستقبلية وان يشكل خطراً على النظام الحاكم فيها. لكن هذه المعرفة لم تدفعها على الأقل حتى الآن الى الانفتاح على الدول المتقدمة في العالم بغية اصلاح الوضع المذكور ربما لأنها لا تحتمل دفع الثمن السياسي الباهظ الذي قد تطلبه منها هذه الدول في مقابل ذلك.

هل هذا السبب لإحجام ايران عن طلب مساعدة الغرب المتقدم لاصلاح وضعها النفطي quot;المهلهلquot; صحيح؟

انه صحيح من حيث المبدأ يجيب متابعون اميركيون لايران من واشنطن وللشرق الأوسط عموماً. لكن هناك سبباً آخر في رأيهم يجعل طهران محجمة عن التعاون المشار اليه هو امكان التعويض عن تأكّل الوضع والمدخول النفطيين لايران بالنفط الموجود في العراق وتحديداً في جنوبه. فهذه المنطقة تعوم على بحر من النفط السهل الاستخراج. وهي تقع تحت سيطرة وإن غير مباشرة لايران الاسلامية. ومن شأن ذلك وخصوصاً بعد التفاعل الوثيق الذي نشأ بين أهل الجنوب العراقي وايران ان يؤدي الى أمر من اثنين. الأول، تحوّل هذا الجنوب جزءاً رسمياً من ايران. والثاني بقاؤه عراقياً ولكن مع احتفاظ النظام الايراني بسيطرة عليه. وفي الحالين لن تجني ايران الا المكاسب التي تمكنها من تعويض خسائرها المتوقعة بسبب quot;اهتراءquot; الوضع النفطي فيها وذلك اما بتحوّل النفط في جنوب العراق ملكاً لها او بامكان حصولها عليه من اصحابه العراقيين باسعار رخيصة جداً.

هذا الاحتمال، يضيف المتابعون أنفسهم، كان ولا يزال أحد أبرز اسباب امتناع اميركا عن التطوير الذي يحتاج اليه الوضع النفطي العراقي. علماً ان هناك اسباباً أخرى لامتناعها هذا. منها عدم استقرار الاوضاع في العراق. وتعرض انابيب النفط العراقي للتخريب على نحو شبه مستمر. وعدم وضوح مستقبل العراق وتحديداً أي عراق سيخرج من الكارثة التي يتخبط فيها حالياً. وعدم الوضوح هذا لا يزال مستمراً ذلك ان الاميركيين عجزوا حتى الآن عن تهدئة العراق ولا يعرفون اذا كانوا سينجحون في تهدئته او اذا كانوا سيضطرون الى الانسحاب منه قبل التهدئة. ومنها ان المخرج الاساسي للنفط العراقي المصدّر الى الخارج لا يبعد كثيراً عن حدود ايران مع العراق. وامكان الايحاء الى الموالين لها في العراق لتخريب الوضع النفطي وخصوصاً اذا قام الاميركيون بتحسينه عبر ضخ رساميل ضخمة فيه بغية تطويره وتحديث بنيته التحتية واقامة مخارج اخرى لتصديره الى الاسواق العالمية.

ومنها العلاقات المتوترة بين عدد من دول المنطقة وايران الاسلامية. فاثناء حرب صدام حسين على ايران سمحت المملكة العربية السعودية للأول بوصل انابيبه بمخرج للنفط على اراضيها في منطقة البحر الأحمر. والسؤال الذي يطرح اليوم هو: هل ستستمر في سماحها هذا أم تعود عنه؟ وهل ستكون المملكة مستعدة للتعاون مع ايران ومع quot;العراق الايرانيquot; في الموضوع النفطي وخصوصاً اذا مارس هذا الاخير قمعاً واضطهاداً للاقلية العربية السنية في العراق؟ وهل ينفذ الاردن اتفاقاً سابقاً مع العراق لتصدير نفطه عبر مرفأ البتراء الاردني ام يتخلى عن ذلك؟ علماً انه quot;قطع سيرةquot; هذا الموضوع منذ مدة طويلة.

هل من وسيلة تستطيع بها ايران تحديث وضعها النفطي مباشرة؟

يعترف المتابعون الاميركيون انفسهم بان النظام الاسلامي الحاكم في ايران يشعر بخوف من جيرانه العرب ومن اسرائيل القوة العسكرية العظمى في الشرق الاوسط مماثل للخوف الذي يشعر به هؤلاء منها. ويعترفون ان مخاوفها هذه وطموحاتها الاقليمية قد تكون وراء قرارها بناء قوة عسكرية تقليدية وغير تقليدية كبيرة وامتلاك الطاقة النووية. لكنهم يؤكدون رغم ذلك ان دولاً عدة في مقدمها اميركا واسرائيل لن تقبل امتلاك ايران سلاحاً نووياً. ولذلك فانهم يتساءلون عن السبب الذي يمنع ايران هذه من التوجه الى اميركا للمساعدة وخصوصاً في مجال اصلاح الوضع النفطي فيها. واميركا ستكون جاهزة لتقديم المساعدة في مقابل تخلي ايران عن تخصيب الاورانيوم ودعم الاصوليين الفلسطينيين واقناعها quot;حزب اللهquot; في لبنان بالتحول حزباً سياسياً. اما ما يمكن ان تقدمه اميركا في مقابل ذلك فهو مساعدة ايران على تطوير الطاقة التي تحتاج اليها لتطوير حقولها النفطية كما تساعد الهند منذ الاتفاق الاخير بينهما على ذلك. وهو ايضاً الاستثمار بمبالغ ضخمة في البنية التحتية للنفط الايراني.

وفي معرض بحثهم عن اسباب الامتناع الايراني عن طلب مساعدة الولايات المتحدة يقدم المتابعون انفسهم سؤالين معبرين. الأول: هل ينتظر حكام ايران انتهاء ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش؟ والثاني: هل يجد هؤلاء انفسهم عاجزين عن التحول نحو اميركا؟ علماً ان اي تغيير محسوس وايجابي في السياسة الايرانية لا بد ان يلقى صدى ايجابياً داخل اميركا ولا سيما في ظل مناخات الدعوة الى حوار بين واشنطن وطهران والتي اطلقها تقرير مجموعة بايكر ndash; هاميلتون اخيراً. وان يرسي اسساً صلبة لعلاقة استراتيجية متينة مع اميركا ويجعل ايران جزءاً مهماً من المصالح الحيوية الاستراتيجية الاميركية في هذه المنطقة من العالم.

لماذا اثارة هذا الموضوع الان؟

لأنه موضع درس عميق في واشنطن يجيب المتابعون الاميركيون أنفسهم. ولأن العالم سيحتاج الى المزيد من النفط في الاعوام المقبلة. ولأن هناك ضرورة لزيادة انتاج النفط بغية المحافظة على اسعاره أو بالأحرى منعها من الارتفاع أو خرق quot;السقوفquot; الموضوعة لها.