الأربعاء 10 يناير 2007


يواجه الدولار الأميركي، باعتباره عملةً دولية، أكبر تحد له منذ عقود؛ حيث تعمل بعض البنوك المركزية حالياً على تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية القوية، مع إقبال خاص على اليورو الذي يعد العملة الموحدة لـ13 بلداً أوروبياً. ويُعتقد أنه من العوامل التي ساهمت في هذا الوضع، الورقة النقدية من فئة 500 يورو (التي تعادل نحو 660 دولاراً) والتي تنافس الورقة النقدية من فئة الـ100 دولار، باعتبار الأولى وسيلة سهلة لتهريب المال عبر الحدود.
ومع ذلك، فإن معظم الخبراء لا يتوقعون تراجعاً جذرياً عن استعمال الدولار؛ ذلك أنه من المرجح أن يهيمن على العالم لعدة سنوات مقبلة، إن لم يكن لعقود. غير أن انخفاض قيمة الدولار العام الماضي في أسواق العملات الأجنبية واستمرار العجز التجاري الأميركي الكبير يضران كثيراً بسمعة العملة الأميركية. وفي هذا الإطار، يقول quot;بيتر بيتشquot;، الخبير الاقتصادي في مصرف quot;كوميرزبانكquot; في فرانكفورت بألمانيا، quot;إن اليورو بصدد اللحاق بالدولار قريباًquot;؛ ذلك أنهما يمثلان اليوم العملتين المهمتين الوحيدتين في العالم، وquot;لذلك فثمة تنافس محتدم بينهما، غير أن المنافسة أمر محمود دائماًquot;.
وقد تمكن اليورو من تحقيق مكاسب كثيرة في الأشهر الأخيرة؛ من ذلك أن قيمة جميع أوراق اليورو النقدية المتداوَلة عالمياً فاقت، ابتداء من الخريف الماضي، قيمة مجموع ما تم تداوله من العملة الأميركية. ونظراً لأن قيمة اليورو الحالية تعادل نحو 1.33 دولار أميركي في سوق العملات الدولية حالياً، فإن الأوراق النقدية المتداولة في الثاني والعشرين من ديسمبر المنصرم، والتي بلغت قيمتها 628 مليار يورو، تعادل 828 مليار دولار، متجاوزة بذلك الـ753 مليار دولار من العملة الأميركية التي تم تداولها في الثامن عشر من الشهر نفسه.
صحيح أن quot;البنك المركزي الأوروبيquot; توقع أن تتقلص قليلاً كمية اليورو المتداولة مع نهاية أعياد الميلاد والتي تعرف استعمالاً أكبر للأوراق المالية مقارنة مع بقية فترات السنة؛ إلا أن quot;الاتحاد النقدي الأوروبيquot; رحب الأسبوع الماضي بانضمام الدولة الثالثة عشرة إليه، وهي الجمهورية اليوغسلافية السابقة سلوفينيا، الأمر الذي سيساهم نسبياً في زيادة الإقبال على العملة الأوروبية. أما تفسير هذا الأمر، فيتمثل في أن الأوروبيين يميلون إلى الدفع نقداً عند شراء السلع والخدمات مقارنةً مع الأميركيين الذين يفضلون عادة استعمال بطاقات الائتمان.
وأمام انخفاض قيمة الدولار بنسبة 11% مقابل اليورو في عام 2006، عمدت بعض البنوك المركزية ووزارات المالية إلى تنويع ودائعها المالية وصفقاتها وتبني اليورو. وفي هذا السياق، أعلنت إيران الشهر الماضي أنها تعتزم استعمال اليورو بدلاً من الورقة الخضراء في صفقات التجارة الخارجية، بما في ذلك مبيعات النفط. لكن بالنظر إلى توتر العلاقات السياسية بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية ملف طهران النووي، لم يشكل الخبر مفاجأة كبرى لأسواق العملات الدولية. كما بدأت دول غنية بالنفط تتحول أيضاً إلى استعمال اليورو، وكذلك سويسرا، حسبما يقال.
وتُظهِر المعطيات الجديدة لـquot;بنك التسويات الدوليةquot; (BIS)، وهو مؤسسة يوجد مقرها بمدينة بازل السويسرية، أن روسيا وأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط quot;أوبيكquot;، عمدت إلى خفض حجم ودائعها من الدولار من 67% خلال الربع الأول من 2006 إلى 65% خلال الربع الثاني من العام نفسِه. أما نصيب اليورو من الودائع المالية الإجمالية، فقد ارتفع من 20 إلى 22%.
قد يبدو هذا التحول متواضعاً، إلا أنه يعكس تغيراً في الشعور تجاه اليورو الذي بلغ عامه الخامس؛ إذ بات اليورو اليوم عملةً صعبة، جديرة بخلافة العملة الألمانية القديمة quot;الماركquot; التي عُرفت بقدرتها على مواجهة التضخم.
والحقيقة أن الدولار تمكن مع ذلك من الحفاظ على مكانته باعتباره عملة الاحتياط المفضلة لدى البنوك المركزية. فبالرغم من أن المعطيات حول هذه الودائع تعد عموماً ناقصة وسرية، إلا أن تقرير quot;بنك التسويات الدوليةquot; يقدر أن نصيب احتياطيات اليورو قد ارتفع إلى 25% فقط خلال عام 2005-2006، بعد أن كان يتراوح ما بين 20 و22% خلال عام 1995-1996 بالنسبة للبلدان التي انضمت لاحقاً إلى نظام اليورو. وعلاوة على ذلك، فإن البنوك المركزية الأجنبية تفضل الاحتفاظ بودائع احتياطياتها بالدولار نظراً لسهولة بيعها في حالات الطوارئ للدفاع عن قيمة عملاتها الوطنية في أسواق العملات الأجنبية.
ويرى جون ويليامسون، الخبير الاقتصادي بـquot;معهد بيتيرسون للاقتصاد الدوليquot;، في واشنطن، أن الأمر المثالي هو أن تكون ثمة عملة دولية واحدة للاحتياط بدلاً من عملة وطنية، مثل الدولار، تقوم مقام عملة احتياط دولية. والحال أن quot;حقوق السحب الخاصةquot;، وهو نظام عملات أنشأه صندوق النقد الدولي عام 1969 ليكون بديلاً للدولار والذهب، لم يلق إقبالاً كبيرا من طرف البنوك المركزية. ولذلك، فإن هذه quot;الحقوقquot; لا تلعب دوراً كبيراً في النظام المالي العالمي اليوم.
أما بخصوص مستقبل الدولار، فتختلف آراء الخبراء الاقتصاديين وتتضارب، حيث يتوقع بيتش من مصرف quot;كوميزبانكquot;، رغم أنه يعتبر اليورو منافساً قوياً للدولار، أن تنخفض قيمته إلى 1.27 دولار بنهاية العام الحالي. أما بيتر موريسي، الخبير الاقتصادي بجامعة quot;ميريلاندquot;، فيرى أن الحيوية التي يتمتع بها الاقتصاد الأميركي ستحد من التحدي الذي يطرحه اليورو قائلاً quot;إن العالم مازال يدور في فلك الاقتصاد الأميركيquot;.

ديفيد فرانسيس ـ كريستيان ساينس مونيتور
كاتب أميركي متخصص في الشؤون المالية والاقتصادية