الخميس 11 يناير 2007

أبو خلدون


من سالومي ذات الغلائل السبع، التي رقصت تلك الرقصة الشهيرة أمام هيرود، ملك اليهود إبان الحكم الروماني لفلسطين، لكي تتمكن من إغوائه ومساعدتها على التخلص من نبي الله يحيى الذي يقف عائقا دون تحقيق طموحاتها السياسية المنافية للأعراف والدين والأخلاق، إلى نجوى فؤاد التي رقصت أمام كيسنجر، إلى مادونا التي عبرت عن معارضتها لعملية غزو العراق بـ ldquo;رقصة القنابلrdquo; التي صورت فيها عملية الغزو بمثابة القاء قنابل على الأمريكيين، وجعلت القنبلة الأخيرة من نصيب بوش، فألقتها في حضنه، لم يكن الرقص بعيدا عن السياسة، بل إنه كان إحدى أدواتها، وقبل مدة صدر في بريطانيا كتاب لويندي فينتورا يتناول التوظيف السياسي للرقص.

ويعتبر الزعيم الفييتنامي ldquo;جيابrdquo; أبرز من وظف الرقص سياسيا، فعندما نفذ هجوم التيت الكبير الذي احتل فيه 36 مدينة وقرية فييتنامية جنوبية وطرد القوات الأمريكية منها، فوجيء بأن الأمريكيين نجحوا في إجراء عملية غسيل دماغ لسكان هذه القرى وأوهموهم أن خصومهم الشيوعيين من الفييتناميين الشماليين من أكلة لحوم البشر، ولذلك طلب من قواته مساعدة سكان هذه القرى في حياتهم اليومية، وحراثة الأرض وزراعتها، وفي المساء طلب منهم جمع السكان في الساحات العامة وتعليمهم الرقصات الشعبية الفييتنامية على أنغام الأناشيد الثورية، وعندما استعاد الأمريكيون المناطق التي طردهم جياب منها، فوجئوا بالسكان يستقبلونهم بالرقصات الفييتنامية والأغاني والأناشيد التي علمهم إياها الفيتكونج.

والسياسيون يحبون الرقص، وفي التعبير الشائع أن السياسي هو ذلك الرجل الذي يرقص على الحبال، ويقال إن ستالين، عندما كان يرغب في الترويح عن نفسه، في الحفلات التي كان يقيمها في منزله، كان يطلب من خروتشيف الرقص، ويجلس يتأمله ويضحك، بينما خروتشيف يتنطنط وكأنه يتدحرج، أو كأنه كرة كبيرة نبت لها رأس، ومع ذلك فإن خروتشيف كان يتحمل إجراءات التحقير الستالينية هذه، من أجل تحقيق أهدافه السياسية.

وفي كل دول العالم، كانت الحكومات الثورية تحتفل بمناسباتها بالرقص، وكانت الشعوب ترقص في هذه المناسبات، ولكن كالطير يرقص مذبوحا من الألم. والمقاومة الفلسطينية كان لها فرقة شعبية تشارك في إحياء الأعراس، وفي لبنان يلجأ المعتصمون في ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء إلى الرقص و ldquo;الدبكةrdquo; على إيقاع الهتافات المناهضة لخصومهم.

وبعض حكومات أوروبا كانت تستغل الرقص لمحاربة الحركات الراديكالية المتطرفة، ومثال على ذلك، فإنه في منتصف القرن التاسع عشر، وإبان عهد الثورات التي عصفت بأوروبا، كان المسؤولون يشجعون الشباب على الإقبال على رقصة الفالس، دون أن يعترض دعاة الأخلاق، وذلك لأنهم رأوا في هذه الرقصة خير وسيلة لتفريغ النفوس الثائرة والمتأهبة للانضواء في الحركات الراديكالية، وبالفعل، كلما زاد انتشار الفالس، كلما قل عدد الشباب الذين يميلون إلى التطرف، أما المرأة، فقد رأت في هذه الرقصة وسيلة عملية لمنح الأنثى قسطا من الحرية، يوازي القسط الذي يتمتع به الرجل، ولذلك أقبلت عليها..وأمريكا التي أزالت الغلائل السبع ووقفت أمام أحفاد هيرود بلباس سالومي، وكشف دورها الحقيقي: حاملة طائرات جاهزة في خدمة الصهيونية، اختارت لنا نحن رقصة الفالس، لسبب وجيه هو: أن كل خطوة إلى الأمام في هذه الرقصة تقابلها خطوتان إلى الوراء.