13 يناير 2007

د. صالح عبد الرحمن المانع

نشرت جريدة quot;الصنداي تايمزquot; يوم الأحد الماضي مقالة مهمة ذكرت فيها أن طيارين إسرائيليين يتدربون على ضربات جوية محتملة ضد إيران، انطلاقاً من قاعدتين جويتين، إحداهما في صحراء جنوب فلسطين والأخرى في quot;تل نوفquot; بالقرب من تل أبيب. وذكر تقرير الصحيفة الذي شارك في إعداده صحفي إسرائيلي يتخذ من نيويورك مقراً له وصحفية أخرى تتخذ من واشنطن كذلك مقراً لها، أن الطائرات العسكرية الإسرائيلية تتدرب على مثل هذه الطلعات الجوية بعيدة المدى، وتصل في رحلة واحدة إلى مضيق جبل طارق في أقصى غرب البحر الأبيض المتوسط.

وذكر التقرير أيضاً أن العملية العسكرية الإسرائيلية ستستخدم رؤوساً نووية صغيرة تبلغ قوتها1 كيلو طن من المتفجرات التي ستستخدم لتفجير وتحطيم بعض المواقع الإيرانية المحصنة تحت الأرض، والتي يمكن أن تكون على عمق يصل إلى 70 قدماً. ويقول الخبراء الإسرائيليون إن مثل هذه التفجيرات لن تنتج عنها إشعاعات ذرية، ويخالفهم بعض الخبراء الأميركيين الذين يعتقدون أن بعض المدن الإيرانية القريبة من هذه المحطات مثل أصفهان، وغيرها من المدن الإيرانية، يمكن بالفعل أن تتأثر إشعاعياً من مثل هذه التفجيرات.

والحقيقة أن الحديث عن حروب في المنطقة تستخدم فيها الأسلحة النووية (التكتيكية) ليست بالجديدة، فقد كتب quot;سيمون هيرشquot; مقالته الشهيرة في الربيع الماضي عن خطط الولايات المتحدة لضرب المفاعلات النووية الإيرانية بمثل هذه القنابل. وقد أحدث ذلك المقال هزّة على المستوى الإعلامي، وساهم في خلق جو شعبي مُعادٍ لمثل هذه الحروب النووية الصغيرة. ولكن مثل هذا الرأي العام الضاغط ضد الحروب بشكل عام، وضد الحروب التي تستخدم الأسلحة النووية التكتيكية بشكل خاص، يمكن أن يحصل في بلدان متطورة مثل الولايات المتحدة، ولكن من الصعب حدوثه في بلد مهووس بالاستعمار واحتلال أراضي الآخرين، مثل إسرائيل، التي لن تتورع عن استخدام أي سلاح في حوزتها إذا كان ذلك كافياً لحماية quot;أمنهاquot; واستحواذها الأحادي على الأسلحة النووية.

ولقد استخدمت الولايات المتحدة الوقود النووي المنضب عام 1991 في حرب تحرير الكويت، في بعض الضربات العسكرية الموجهة ضد الأهداف العسكرية العراقية المحصَّنة. ومثل هذا التقنيات كانت قد طورت من قبل quot;البنتاجونquot; وكانت موجهة ضد الأهداف العسكرية السوفيتية، خلال الحرب الباردة. وقد نتج عن استخدام اليورانيوم المنضب أن زادت حالات الإصابة بالسرطانات المختلفة في المنطقة بشكل عام، ولا يعرف فيما إذا كانت التربة والرمال التي تهب من الشمال قد تأثرت بهذا الإشعاع، أم أن جزءاً من هذه الإشعاعات قد تسرب إلى طبقات المياه السفلى التي تعبر حدود المنطقة، وتصب في النهاية في مياه الخليج العربي.

ويذكر التقرير أيضاً أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الجوية، بحاجة إلى مساندة من طائرات هليكوبتر قريبة من مناطق القصف، بغرض تقديم الدعم اللوجستي وإنقاذ الطيارين في حال تعرضهم لاعتراض طائرات مقاتلة، أو في حال إسقاطهم من قبل الدفاعات الجوية الإيرانية.

وأغلب الظن أن الإسرائيليين لن يصلوا إلى هذا التصور الهجومي، إلا إذا كان لديهم وجود عسكري فعلي في القواعد العسكرية الموجودة في الأراضي العراقية. وقد حاولت إسرائيل منذ فترة طويلة في إيجاد موطئ قدم لها على الأراضي العراقية، لأسباب استراتيجية، ولأسباب تجارية، بغرض تصريف منتجاتها في الأسواق العراقية، خاصة بعد الاحتلال الأميركي لهذا البلد.

والوجود الإسرائيلي في العراق، وإن كان صغيراً وعلى مستوى الخبراء العسكريين، يعود إلى نهاية الخمسينيات منذ بدء التنسيق بين بعض الحركات الكردية والحكومة الإسرائيلية. وقد تحدثت بعض المصادر الصحافية قبل عامين عن وجود مطار عسكري إسرائيلي في شمال العراق. وقيل يومها إنه بعد اكتشاف أمر هذا المطار قامت مجموعة استخبارات عسكرية إيرانية بمهاجمة ذلك المطار، مما دفع الخبراء والضباط الإسرائيليين إلى مغادرة ذلك الموقع. ولا يعلم هل عاودت إسرائيل محاولة إيجاد موقع قدم عسكري لها في شمال العراق، أو في غربه، أم أنها تنسق مع قوات أخرى في هذا الشأن.

وإذا ما كان الخيار الأخير هو الخيار المتاح، فهذا يعني أن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد المفاعلات الإيرانية يجب أن تحظى بمباركة أميركية. ويبدو أن مثل هذه المباركة لن تكون قريبة، ففي الوقت الذي تزيد الولايات المتحدة تعداد قواتها في العراق إلى حدود 170 ألفاً، فإنها لن تفرط في وضع هذه القوات في مرمى المدفعية الإيرانية. ولذلك فإن الإدارة الأميركية، لن توافق في الوقت الحاضر على مثل هذا الخيار العسكري الإسرائيلي.

ولكن مثل هذا الموقف قد يتغير فجأة خلال عام، فهناك بعض المحللين الأميركيين ممن يرون أن خطة بوش الحالية بزيادة عدد القوات، خاصة إذا لم يكن لها جانب سياسي يضمن مشاركة السُّنة في الحياة السياسية العراقية، وعودة الضباط والموظفين العراقيين المسرَّحين إلى وظائفهم السابقة، ستعني عدم نجاح إدارة بوش في إنهاء الصراع القائم وتحسين الوضع العسكري في العراق. ويستشهد هؤلاء المحللون بمحاولة الجنرال quot;ويليام وستمورلاندquot; في حرب فيتنام بزيادة حجم القوات المشاركة كوسيلة لإنهاء الحرب حينها لصالح الولايات المتحدة، ولكن مثل تلك الزيادة لم تأتِ بالنتائج المرجوة.

في هذه الحالة فقط، أي في حال عدم نجاح الإدارة الأميركية في تحسين وضعها العسكري بنهاية عام 2007، فإنها قد تلجأ حينئذ كملاذ أخير إلى توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. ولقد خطت الإدارة الأميركية خطوة مهمة في هذا الاتجاه في أواخر الشهر الماضي، حين نجحت في استصدار قرار من الأمم المتحدة يدين البرنامج النووي الإيراني، ويضع إيران تحت البند السابع.

ويبدو أن الوضع يحتاج فعلاً من الحكومة الإيرانية أن تنظر للموضوع بنظرة المصلحة الاستراتيجية العليا لإيران. فليس من مصلحة إيران أن تعرض نفسها لمثل هذه الضغوط، وليس من مصلحة إيران أو جميع دول المنطقة قيام حرب إقليمية جديدة. وهناك حاجة ماسّة للابتعاد عن المنظور القومي الضيق، والنظر إلى مصالح أعلى سواء لإيران، أو للوضع الإقليمي بصفة شاملة.