لندن - عمر حنين

أصبح من الواضح ان هناك الآن في بريطانيا مؤسستين للحكم، إحداهما تودع والأخرى قادمة، فمع ترقب تولي جوردون براون وزير المالية للحكم في الصيف المقبل بدأ الزعيم القادم بفرض سيطرته من وراء الستار على مجريات الأمور ويرسم سياسات جديدة تتعارض مع سلفه، وفي الوقت نفسه فإن رئيس الوزراء الحالي توني بلير الذي دخلت حكومته مرحلتها النهائية لا يزال يقاوم بشدة أي تغيير جذري في السياسات بعد رحيله المتوقع في اواخر شهر يونيو/حزيران المقبل ولكن انصار براون بدأوا يهمسون في آذان الصحافيين البريطانيين بأن وزير المالية والخليفة المنتظر سيخرج عن خط بلير وأنه قد بدأ بالفعل يوضح ذلك في سلسلة من الاحاديث الاذاعية والتلفزيونية التي تمهد لتوليه الحكم، وفيها يوضح انه سيتخذ خطاً مستقلاً عن واشنطن وعن الرئيس الأمريكي جورج بوش بالذات بالرغم من ايمانه العميق بأهمية العلاقة الخاصة الوثيقة مع امريكا.

وبالاضافة الى ذلك فإنه من الواضح ان براون يريد ان يتخلص بسرعة من ldquo;الإرث المأساويrdquo; لحرب العراق، حيث يعلن مقربون منه الآن بوضوح انه يعارض بعض السياسات الرئيسية التي اتخذت في العراق والتي كان بلير ضالعاً فيها. ومن الواضح ان رئيس الوزراء القادم سيعمل سريعا على سحب بقية القوات البريطانية من العراق، وربما في نهاية العام الحالي بالرغم من تصريحاته بأنه لن يلجأ الى الهرولة للانسحاب.

ويقول بعض المعلقين ان ظاهرة الحكم المزدوج الجاري لبلير وبراون فريدة من نوعها فإن بلير يحكم ولكنه لا يتمتع بالسلطة، وعلى العكس فإن براون يتمتع بكل الصلاحيات والسلطات ولكنه لم يتول الحكم فعليا، ويحذر خبراء الشؤون الدستورية من ان عواقب هذه الازدواجية تثير الضحك والسخرية فإن هناك سياستين بريطانيتين حاليا احداهما ينفذها بلير والنتيجة المترتبة على ذلك فوضى والثانية ينفذها براون الذي يعمل على نسف كل البرامج التي وضعها سلفه تقريباً.

وقد اكد براون في حديث آخر مع شبكة تلفزيون ldquo;البي.بي.سيrdquo; مواقفه المختلفة تماما عن سياسات بلير الحالية، وقال براون انه لن يعتمد على الدائرة الضيقة القريبة من بلير والتي كانت تدير شؤون البلاد فعلياً وبدلاً من ذلك فإنه سيعمل على توسيع قاعدة الحكم واعطاء الخدمة المدنية استقلاليتها المطلوبة وفقا لنظام الحكم في بريطانيا.

وبدأت الخلافات تبرز أيضاً بين رؤية بلير للسياسة الخارجية ورؤية براون، فقد اعلن الاخير صراحة انه سيتخذ خطاً وطنيا يراعي اولا مصالح بريطانيا ومعنى هذا الكلام انه سينهي التبعية والخضوع البريطاني لإرادة سيد البيت الأبيض الحالي.

ومع احساس اعوان بلير باليأس فإنهم يدبرون الآن مؤامرات عدة من شأنها ان تجعل حكومة براون القادمة تدخل في صراعات وعلى نحو تجعل من الصعب عليه ان يستبعد اعوان رئيس الوزراء الحالي. ومن الواضح ان بلير يريد ان يقيد خليفته من خلال ادخاله لأنصاره في أي حكومة قادمة.