عبدالله اسكندر


لا مكافأة في فلسطين في مقابل الدعم العربي للاستراتيجية الجديدة الاميركية في العراق. هذا على الاقل مضمون الرسالة التي بعثت بها كوندوليزا رايس، قبل ساعات من وصولها الى المنطقة. فوزيرة الخارجية الاميركية تؤكد انها لا تحمل اي خطة عمل من اجل تحريك عملية السلام. وفي هذه الحال، يمكن الاستنتاج ان الولايات المتحدة فقدت أي أمل بقدرتها على لعب دور في هذه العملية. او انها لا تعتبر ان ثمة داعياً او ظروفاً ملائمة لتحريكها. او ان محادثاتها مع الجانب الفلسطيني في رام الله هي مجرد تغطية لما يمكن ان تكون بحثت فيه مع الجانب الاسرائيلي في إطار الاستراتيجية في العراق، وما يهم الدولة العبرية من تداعيات اقليمية لهذه الاستراتيجية. اي نوعية التعامل المقبل مع كل من سورية وايران.

واشنطن اعلنت مرارا انها ترفض مبدأ المقايضة. وشدد الرئيس بوش واركان ادارته، عندما شرحوا الاستراتيجية الجديدة على هذا الرفض. ويصح هذا الرفض على من تسميهم laquo;المتطرفينraquo;، (سورية وايران و laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;حماسraquo; الخ...) كما يصح على من تسميهم laquo;المعتدلينraquo;، (الأردن ومصر والسعودية ودول عربية اخرى). ادارة بوش تعتبر ان واجب المتطرفين دعم السياسة الاميركية من دون اي منة او ثمن، وإلا العقوبات والعزل. وتعتبر ايضا ان على المعتدلين ان يكتفوا بدعم السياسة الاميركية، وألا يلتفتوا الى قضايا تهم شعوبهم.

ولعل من مظاهر المأزق الاميركي في المنطقة هو عدم قدرة الادارة على استيعاب ان ازمة الحل في العراق تتضخم مع استمرار أزمة الحل في فلسطين. والمنهجية الاكاديمية في الفصل بين الأزمتين، التي كانت وراء رفض توصيات بيكر - هاملتون، لا تمنع تحديد اسس جدية للحلول فحسب، وانما ايضاً تضغط أكثر فأكثر على المعتدلين الذين قد يجد بعضهم نفسه على الاقل في موقع التهديد.

على الصعيد الواقعي، يلعب الجمود في عملية السلام الدور الاساسي في التأزم الفلسطيني الداخلي. رغم كل ما يقال عن تأثير التدخلات الخارجية في زيادة الشرخ بين laquo;فتحraquo; و laquo;حماسraquo;، ورغم الموقف الرافض للحركة الاسلامية للاتفاقات مع الدولة العبرية. فالجمود في ذاته هو الذي حرق الاوراق السياسية للسلطة وانهك رئيسها في انتظار وعود تنفيذ خطط تتناسل من دون اي أمل بأن تصل في النهاية الى هدف اقامة الدولتين. وأنهك هذا الجمود ايضاً الدول العربية التي قدمت سلاماً شاملاً مع اسرائيل، بموجب المبادرة العربية، في مقابل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

اليوم، لا يزال الفلسطينيون يواجهون خطر الانزلاق الى المواجهة الداخلية مع ابتعاد احتمالات تشكيل حكومة وطنية laquo;تلبي المطالب الدوليةraquo;. وهي مواجهة تثير قلقاً متزايداً على الأوضاع الداخلية في كل من مصر والاردن، على اقل تقدير. أي ان تداعياتها التي ستضعف جبهة الاعتدال الفلسطينية، ستضعف في الوقت ذاته كتلة اساسية من كتل الاعتدال التي تقول الولايات المتحدة انها تراهن عليها. ولن يكون سهلاً اقناع الفلسطينيين بخطأ سياسة laquo;حماسraquo; ما لم يشعروا بصوابية نهج الاعتدال الفلسطيني، أي نهج السلطة. لكن الحال ان واشنطن تسد كل المنافذ السياسية امام هذا النهج، بما فيها الدعوات الاوروبية الخجولة الى إحياء laquo;خريطة الطريقraquo;، والاخرى الأكثر حياء لمعاودة إطلاق عملية مدريد. ولا يكفي ان يقتصر التدخل الاميركي، هنا، على معونة مالية او تسليحية او اجراء أمني، لأن مثل هذه الخطوات يؤجج الوضع، المطلوب تهدئته على أساس العمل على الحل السلمي وإقامة الدولة.

عندما تلتقي رايس نظراءها في مجلس التعاون ومصر والاردن لتطلب منهم دعم الاستراتيجية الجديدة لبلدها في العراق، ستواجههم بالنهج نفسه الذي واجهت به رئاسة السلطة الفلسطينية، بما يضعهم هم ايضاً في موقف الضعف ازاء المشكلات التي يسعون الى حلها.