15 يناير 2007


سيمون روميرو

وصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم السبت الماضي إلى العاصمة الفنزويلية كاركاس في بداية جولته التي ستحمله إلى باقي دول أميركا اللاتينية لتعزيز مكانة بلده في هذا الجزء من العالم، حيث تسود مشاعر انعدام الثقة ضد إدارة الرئيس بوش. وليست الزيارة الحالية التي يقوم بها أحمدي نجاد الأولى إلى أميركا اللاتينية، بل سبقتها زيارات أخرى قام بها الرئيس الإيراني إلى فنزويلا خلال الخمسة أشهر الأخيرة. ويتوقع أن يتباحث الرئيسان خلال هذه الزيارة حول توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لينتقل بعدها الرئيس الإيراني إلى كل من الإكوادور ونيكاراجوا المتحالفتين مع الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز في ميولهما الاشتراكية. وقد سعت الحكومة الفنزويلية إلى الترويج للزيارة باعتبارها نموذجاً للتضامن الذي تحظى به سياسات شافيز المعارضة للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق كانت فنزويلا أحد أشد المدافعين عن إيران، فيما كانت الولايات المتحدة تصعد من جهودها لتطويق حكومة أحمدي نجاد التي تبدت آخر فصولها في اعتقال القوات الأميركية لعناصر إيرانية يشتبه في أنهم عملاء لإيران في العراق.
وأعرب الرئيسان ليلة السبت الماضي عن تخصيص مبلغ ملياري دولار من الاستثمارات لتمويل مشاريع مشتركة في فنزويلا وإيران، لتمتد إلى بلدان أخرى. وبالإضافة إلى ذلك يعتزم البلدان تعزيز العلاقات الثقافية من خلال تدريب الأساتذة، فضلاً عن بذل مساعٍ في منظمة الدول المصدرة للنفط quot;أوبكquot; هدفها الرفع من حصصها الإنتاجية لزيادة أسعار البترول التي تراجعت خلال التسعة عشر شهراً الأخيرة. وأظهر التلفزيون الفنزويلي خلال زيارة أحمدي نجاد صور معانقة الرئيسين لبعضهما بعضاً، فضلاً عن صور السيارات الإيرانية وهي تدلف من أحد المصانع التي أقيمت في المدينة الفنزويلية quot;ماراكيquot;. ولدى استقباله في المطار الدولي quot;مايكيتياquot; في فنزويلا اصطف طلبة الكلية البحرية لتحية أحمدي نجاد عربوناً على التقدير الكبير الذي يحظى به في الدولة المضيفة. وهذا التقدير الذي تبدى بصورة واضحة في الخطاب الذي ألقاه هوجو شافيز في الجمعية الوطنية الفنزويلية واصفاً الرئيس الإيراني بـquot;الثوريquot; وquot;الأخquot;.
والواقع أن مساعي إيران للبحث عن حلفاء في أميركا اللاتينية لم تكن أكثر ناجحة قدر نجاحها في فنزويلا، حيث وقع البلدان على مجموعة من الاتفاقات خلال الشهور الأخيرة تعهدا بموجبها بإقامة مشروعات مشتركة للتنقيب على النفط، وبناء مساكن لمحدودي الدخل، فضلاً عن إنشاء مصانع لإنتاج المعدات الزراعية والدراجات الهوائية وغيرها. ويأتي هذا التقارب بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في إطار مساعي شافيز لتغيير البنيات السياسية والاقتصادية في فنزويلا، ووضع سياسات جديدة كان أهم ملامحها إعلان الحكومة الفنزويلية في الأسبوع المنصرم تأميم صناعة الكهرباء، علاوة على شركة هواتف في البلاد. وكان شافيز قد أعلن أيضاً عن خطة ترمي، حسب بعض المراقبين، إلى إعادة هيكلة إدارة البلديات من خلال استبدالها بما يسمى بالمجالس الجماعية.
ويوضح مؤيدو شافيز في البرلمان هذه الخطة على أنها مستلهمة من تجربة quot;كومونة باريسquot; التي عرفت إدارة اشتراكية في 1871. غير أن المعارضين يرون في الخطة الجديدة للإدارة المحلية التي تسعى أيضاً إلى بناء مدن جديدة داخل فنزويلا محاولة من شافيز لإزاحة خصومه السياسيين من إدارة مجالس المدن الفنزويلية. هذا ولم تمر زيارة أحمدي نجاد إلى فنزويلا دون إثارة حفيظة المنظمات اليهودية في البلاد بسبب تصريحاته العدائية ضد إسرائيل والهولوكوست. وفي هذا الصدد صرح quot;هانز سونتاجquot;، السوسيولوجي الفنزويلي والمعلق السياسي البارز قائلاً: quot;إن زيارة أحمدي نجاد إلى فنزويلا تجرح مشاعر المواطنين من اليهود وتشكل تهديداً لهمquot;. يذكر أن فنزويلا تربطها علاقات تاريخية وثيقة بدول الشرق الأوسط ترجع إلى تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط في بغداد سنة 1960 من قبل فنزويلا وإيران والعراق والكويت والسعودية، بهدف الإبقاء على مستوى مرتفع لأسعار النفط. وقد عمل شافيز طيلة الفترة السابقة على تعزيز تلك العلاقات، لاسيما مع إيران، وسوريا في الآونة الأخيرة، من خلال وضع خطط مشتركة مع إيران تروم إقامة مصافٍ في سوريا قادرة على تكرير 150 برميل من النفط يومياً.
وبحسب quot;ألبرتو جاريدوquot; مؤلف كتاب quot;حروب شافيزquot; الصادر مؤخراً، والذي يبحث في تاريخ العلاقة بين فنزويلا والشرق الأوسط، فإن المساعي الأخيرة لهوجو شافيز ترمي إلى quot;تحقيق رؤية استراتيجية من وراء تحالفه مع إيران. فقد اعتبر اليسار الفنزويلي ولعقود خلت التحالف مع الدول الإسلامية إحدى السبل المهمة لبناء حضارة جديدة قادرة على الإطاحة بالقيم الأميركيةquot;. وبينما يعمل البلدان على تعميق تعاونهما في مجال الطاقة والمجالات المرتبطة بالنفط، ترتكز العلاقات في الوقت الراهن على الدعم الذي يقدمه شافيز لإيران فيما يتصل ببرنامجها النووي ودفاعه عنه. وعلى سبيل المثال أعلنت فنزويلا الشهر الماضي أنها ستقوم بشراء أربع ناقلات نفط من إيران كجزء من خطة فنزويلية تسعى إلى توسيع أسطولها من 21 سفينة إلى 42 ناقلة للنفط. يضاف إلى ذلك التعاون في مجال التنقيب عن النفط، حيث تقوم إيران وفنزويلا، وهما رابع وخامس أكبر مصدري النفط عالمياً على التوالي، بالتنقيب عن النفط في منطقة quot;أورينوكوquot; في فنزويلا. كما تسعيان إلى إنشاء شركة نفط ذات رأسمال مشترك كجزء من استراتيجية فنزويلية- إيرانية تهدف إلى تسعير النفط بـquot;اليوروquot; بدل الدولار، لإضعاف النفوذ الأميركي في الأسواق العالمية.
ويبدو أن أحمدي نجاد وجد ترحيباً مماثلاً في الإكوادور، الدولة المصدِّرة للنفط أيضاً، إذ من المرتقب أن يحضر الرئيس الإيراني حفلاً يقيمه الرئيس الإكوادوري اليساري quot;رفائيل كورياquot;. أما في نيكارجوا فإن نجاد سيلتقي الزعيم السابق للمليشيات الساندينية المقاتلة quot;دانيال أورتيجاquot;، الذي نصب رئيساً للبلاد خلال الشهر الماضي.