جهاد الخازن


اذا كانت عصابة الحرب التي يقودها ديك تشيني داخل الادارة الأميركية مسؤولة عن تدمير العراق وقتل أهله، وتستحق المحاكمة بقدر ما استحقها صدام حسين والادانة، فإن دور المحافظين الجدد في دور البحث ووسائل الاعلام في تسهيل الجريمة لا يقل أهمية أو خطراً عن دور أركان العصابة، لأن التحريض يجعلهم شركاء في الجريمة.

كان يفترض أن يتراجع دور المتطرفين بعد هزيمة الادارة والحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية قبل شهرين، إلا أن أخبار موتهم مبالغ فيها، فهم انجحروا أياماً وأسابيع، ثم عادوا ليقودوا سياسة التطرف، كما رأينا في خطاب الرئيس بوش عن laquo;استراتيجية جديدةraquo; في العراق، هي في الواقع استمرار للاستراتيجية الحالية التي فشلت نهائياً.

كلهم كتب مؤيداً زيادة القوات الأميركية في العراق، أي زيادة الموت بين العراقيين، ووجدت مقالاً كتبه مايكل ليدين بعنوان laquo;الزيادة ونقّادهاraquo; يصب في الاتجاه نفسه، إلا أن الكاتب كان دعا في السابق الى حرب على ايران، وهو لا يزال يدعو، ووجدت انه لم يخيب ظني، ففي آخر فقرتين من مقاله الحقير دعا الى مهاجمة سورية، وقال ان الفرصة سانحة جداً لضرب ايران فزعيمها الأعلى، ويقصد مرشد الثورة آية الله علي خامنئي laquo;مات أو في طريق الموت وهناك صراع داخلي شرس على السلطةraquo;.

من أين معلومات ليدين؟ من منشقين ايرانيين من نوع جماعة المؤتمر الوطني العراقي؟ ربما مات ليدين قبل خامنئي، وأفضل من ذلك أن يلقى مصير حبيبه آرييل شارون.

تركت ليدين إلا أنه لم يتركني، فقد كنت أقرأ عدد 15 الجاري من مجلة laquo;أميركان كونسرفاتفraquo; على الانترنت، عندما لفتني مقال كتبه غلين غرينوالد بعنوان laquo;نسيان انتقائيraquo; عطف فيه على ليدين في شكل يفوق قدرتي ومتابعتي، والمعلومات التالية لا فضل لي فيها سوى الترجمة.

قال غرينوالد ان دعاة الحرب فقدوا صدقيتهم واحترام الناس لهم، واختار ليدين أوقح طريق للدفاع عن نفسه، فهو زعم في موقع مجلة laquo;ناشونال ريفيوraquo; المتطرفة مثله: laquo;لا أشعر بأنني نادم لأنه لم تكن لي أي علاقة بسياسة العراق، وقد عارضت الغزو العسكري للعراق قبل حدوثهraquo;.

غرينوالد ذكرنا جميعاً بأنه عندما عارض برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأسبق، الحرب على العراق، كتب ليدين laquo;من المطمئن أن يهاجم سكوكروفت قناعات أي انسان ليزداد هذا تعلقاً بها ... وهكذا فهي أخبار طيبة أن يعارض سكوكروفت حرباً ضرورية منذ زمن طويل ضد صدام حسين وغيره من قادة الارهابraquo;. وكان ليدين أعلن أيضاً أن صدام حسين laquo;يؤيد بنشاط القاعدة وأبو نضال وحزب الله، والقضية الفلسطينية لن تحل إلا بعد النصر في الحرب على صدام حسين وأمثالهraquo;.

وعندما سئل ليدين في مقابلة في آب (اغسطس) 2002 متى يجب أن تبدأ الحرب، قال laquo;امسraquo;. والآن يقول انه كان ضد الحرب.

غرينوالد اكمل بالمتطرف الآخر تشارلز كراوتهامر الذي لا أزال احتج على تلويثه صفحات laquo;واشنطن بوستraquo; الراقية بأفكاره البذيئة. وكان كراوتهامر هذا أكد مرة بعد مرة عشية الحرب أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، وقال انه اذا زاد أسلحة نووية على رصيده من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، فإن هذه الاسلحة ستجد طريقها الى الارهابيين، بل انه أكد مرة أن صدام حسين على بعد أشهر من الحصول على قنبلة نووية، واعترض على اعطاء مجلس الأمن كبير المفتشين هانز بليكس 105 أيام للعودة بتقرير عن العراق، معتبراً أن المدة كافية ليحصل صدام على أسلحة نووية.

اليوم يقول كراوتهامر بكل صفاقة laquo;ان هدفنا في العراق كان مزدوجاً، اطاحة صدام حسين ونظامه المجرم وإحلال حكومة ديموقراطية مكانهraquo;. ومع ذلك فهو عاد بعد ذلك ليقول ان العراقيين غير ديموقراطيين والشيعة لا يستطيعون الممارسة الديموقراطية.

أشكر غلين غرينوالد على المعلومات السابقة وأكمل بمتطرف آخر هو فرانك غافني الذي كتبت عنه غير مرة في هذه الزاوية، فقد قرأت له مقالاً وقحاً كعادته يهاجم وزارة الخارجية الأميركية من كولن باول الى كوندوليزا رايس ويسمي مسؤولين فيها غير متطرفين مثله، ويتهم الجميع بالعصيان وتخريب سياسة بوش، كأن هذه بحاجة الى من يخربها.

لفتني في هجومه العجيب تركيزه على جون نغروبونتي، النائب الجديد لوزيرة الخارجية بعد أن شغل منصب رئيس أجهزة الاستخبارات الأميركية.

عرفت نغروبونتي وتابعت عمله سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ووجدته دائماً معتدلاً ومعقولاً، وأخف وطأة من الادارة التي يمثلها. غير أن غافني يقول إن نغروبونتي في وزارة الخارجية laquo;لن يخدم سياستناraquo;.

سياسة من هي؟ غافني اسرائيلي الهوى، ليكودي أو كاديمي، ولم أره يوماً يخدم سياسة أميركية حقيقية، بل يحاول تسخير السياسة الأميركية لخدمة اسرائيل على حساب المصالح الأميركية نفسها، وهو لا بد يريد مسؤولين مثله، أو من نوع جون بولتون، ذلك السفير المعين الذي لم يتحمل اعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم laquo;لا ديبلوماسيتهraquo; وفظاظته. (زلماي خليل زاد سينجح في الأمم المتحدة كما نجح نغروبونتي قبله، وأرجو أن يحسن سمعة بلاده التي لطخها بولتون).

الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق ستفشل، وسيفشل المحافظون الجدد معها، وسننتظر لنرى كيف يكذبون ويقلبون الحقائق لينكروا دورهم في جر الولايات المتحدة الى أتون العراق خدمة لاسرائيل. وهم من الوقاحة أن يفعلوا أو يقولوا أي شيء كما رأينا في مقابلة بعضهم مع مجلة laquo;فانتي فيرraquo; عندما اتهموا الادارة بسوء ادارة الحرب، بدلاً من أن يعترفوا بسوء الحرب نفسها، أو جريمة الحرب على بلد استبيح لأسباب يجب أن يحاسب الذين زوروها في الادارة وحولها.